أولاند في مالي.. الشيطان يتبجح
23 ربيع الأول 1434
تقرير إخباري ـ نسيبة داود

بعد أيام من الحرب التي شنتها فرنسا على مالي من أجل تحويل دفة الصراع الجاري فيها بين العسكر الانقلابيين والإسلاميين الثائرين، أتى الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند إلى تلك الأرض الطاهرة التي خضبتها دماء المجاهدين ليتحدث بكل تبجح عن بقاء قواته في مالي حتى تستعيد سيادتها!

 

و"السيادة" هي مصطلح سياسي مرتبط بالشرعية، ويعني في السياق الخارجي "قدرة الدولة على التصرف ككيان مستقل"، أما في السياق الداخلي فيعني "القوة السياسية القادرة على فرض الطاعة، واحتكار قوة الإرغام".

 

فعن أي سيادة يتحدث أولاند؟ فلا عسكر مالي الانقلابيون يتمتعون بأي نوع من الشرعية -إلا إن كانت القوة وحدها تكسب شرعية- ، ولا هم تمكنوا من "التصرف ككيان مستقل" في حربهم ضد الإسلاميين في البلاد.

 

وعلى المستوى الداخلي، من الواضح أن هؤلاء العسكر لم يكونوا قادرين على "فرض الطاعة"، ولم يستطيعوا ذلك إلا بعد سقوط سيادتهم الخارجية (بتدخل فرنسا عسكريا). وهم بالتأكيد لا يحتكرون "قوة الإرغام"، لأن السلاح في أيدي الإسلاميين في كل أنحاء البلاد.

 

أولاند قال في زيارته لمالي السبت "سننسحب حالما تستعيد مالي سيادتها وتستطيع القوة الأفريقية أن تحل محل قواتنا".

 

لقد تناسى "سيادته" أنه حتى عندما تنسحب القوات الفرنسية من مالي فإن سيادتها تبقى منقوصة في وجود القوة العسكرية الأفريقية الأممية. ففرنسا لا تنوي أن تسلم قيادة أمن الوطن واحتكار أسباب الإرغام لقوات الجيش المالي ولكن للقوات الإفريقية والدولية وهي في غالبها قوات موالية للغرب.

 

واعترف أولاند خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في باماكو أن الحرب التي شنتها قواته في مالي على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية ضد الإسلاميين لم تتمكن من القضاء عليهم لكنها ألحقت "خسائر فادحة" بهم.

 

وتعليقا على الزيارة، قالت وكالة الأنباء الفرنسية الرسمية إن أولاند ورفاقه؛ وزراء الدفاع والخارجية والتنمية لاقوا استقبالا حافلا في مطار تمبكتو التاريخية. لكنها في الوقت ذاته ذكرت أن زيارته للمسجد الكبير في المدينة تمت في إجراءات أمنية مشددة، إذ "طوق جنود فرنسيون مدججون بالسلاح يستقلون مركبات مدرعة وقوات من مالي المسجد الأثري المشيد بالطوب اللبن والعوارض الخشبية"، حسبما ذكرت الوكالة.

 

وقالت الوكالة إن سكان المدينة "هتفوا" وأشادوا"... "هتفوا تحيا فرنسا" و"أشادوا بأولاند لتدخله العسكري في مستعمرتها السابقة"، في رواية صحفية تعيد للأذهان روايات الصحافة الأمريكية لواقعة دخول الغزاة الأمريكيين سافكي الدماء للعراق.

 

وكانت الحرب الفرنسية على الإسلاميين في شمال مالي والتي بدأت قبل ثلاثة أسابيع قد تسببت في تراجع قواتهم إلى جبال نائية قرب الحدود الجزائرية. لكن يعتقد أن الإسلاميين يحتجزون هناك سبعة رهائن فرنسيين اختطفوهم من قبل في منطقة الساحل.

 

وهنا يجدر الإشارة إلى أن هذه الحرب الدامية على مالي تدعمها الحكومات الأمريكية والأوروبية، إذ تساهم فيها بالتدريب والدعم اللوجستي والمخابراتي، كما ساهمت فيها الجزائر بفتح مجالها الجوي لطائرات الرافال الفرنسية وكذلك إرسال قوات برية، وكذلك حظيت بترحيب دول إفريقية مثل كينيا ونيجيريا والنيجر.