بيع الذهب أو الفضة بالورق النقدي
24 ربيع الأول 1434
د. نايف بن جمعان الجريدان

أولاً: الخلاف في بيع الذهب أو الفضة بالورق النقدي حالاً:

ولعلي أُرجع الخلاف في هذه المسألة -فيما وقفت عليه- إلى القولين التاليين:
القول الأول: القول بتحريم بيع الحلي من الذهب أو الفضة بالورق النقدي نسيئة. ويعتمد هذا القول على ما يلي:
1. أن الورق النقدي، هو: عبارة عن سند بذهب أو فضة، فيكون البيع فيه غائباً بناجز، حتى مع تسليم الورق النقدي، الذي هو سند بدين، كما صرح بذلك صاحب أضواء البيان(1) فقال:" الذي يظهر لي –والله تعالى أعلم - أنها –يعني الورق النقدي– ليست كعروض التجارة، وأنها سند بفضته، وأن المبيع الفضة التي هي سند بها، ومن قرأ المكتوب عليها فهم صحة ذلك، وعليه فلا يجوز بيعها بذهب ولا فضة ولا يداً بيد؛ لعدم المناجزة بسبب غيبة الفضة المدفوع سندها…".
2.تعليل الربا في الذهب والفضة بالثمنية، أي: أنها أثمان وقيم للأشياء، وهذا القول -أعني التعليل بالثمنية- هو قول للإمام أبي حنيفة(2)، وإحدى الروايات عن الإمام مالك(3)، ورواية عن الإمام أحمد(4)، كما أن تحريم بيع الحلي بالورق النقدي نسيئة، هو مقتضى رأي القائلين بأن الورق النقدي نقد مستقل قائم بنفسه مثله في ذلك مثل الدراهم والدنانير وغيرهما من العملات الذهبية أو الفضية، وهذا اختيار عدد من العلماء المعاصرين(5)، وعليه جرت الفتوى من هيئة كبار العلماء بالسعودية(6). أما الأدلة فقد سبقت الإشارة إلى شيء منها في صدر هذا الفصل.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يلزم من القول: بأن العلة هي الثمنية المطلقة، تحريم بيع الحلي بالورق النقدي نسيئة، باعتبار أن هناك من يرى أن الحلي لا يدخل في العلة، بل هو قد صار بالصنعة سلعة من السلع، من جنس الثياب والأثاث وغيرها، فلا يدخله الربا. ولذلك كان اختيار الشيخين (ابن تيمية، وابن القيم) ومن وافقهما جواز بيع الحلي بالذهب نسيئة، مع أن مذهبهما أن العلة في النقدين هي الثمنية.
القول الثاني: أنه يجوز بيع الحلي من الذهب، والفضة بالورق النقدي نسيئة. وهذا القول، هو فحوى اختيار جماعة من العلماء متفرقين في تعليلهم(7). فهو مؤدى قول من يقول: بأن الورق النقدي عروض تجارة، وليس ذهباً ولا فضة، ولا جنساً ربويًا، والقول بالجواز هو رأي بعض القائلين بإلحاق العملة النقدية بالفلوس، ومقتضى قولهم هذا أنه لا يجري فيها الربا بنوعيه(8).
ومما يستأنس به لهذا القول أن الأمر لا يخلو من أحد احتمالين:
الاحتمال الأول: إما أن تكون علة الذهب والفضة هي الثمنية، فيخرج الحلي؛ لأنه ليس ثمناً، وإنما سلعة كغيره من السلع.
الاحتمال الثاني: وإما أن تكون العلة كونه ذهباً أو فضة -وهي علة قاصرة ضعيفة- وعلى ذلك فإن الورق النقدي ليس ذهباً ولا فضة قطعاً . فإما ألا تتحقق العلة في الحلي؛ لأنه خرج عن الثمنية. وإما ألا تتحقق في الورق النقدي؛ لأنه ليس ذهباً ولا فضة، وكل يخطئ ويصيب، ولكل مجتهد نصيب.

ثانيًا: شراء الذهب بالنقود مع بقاء شيء من قيمته في ذمة المشتري(9)
صورة المسألة: اشترى رجل حليًا بقيمة ألف ريال، فدفع من ثمنه تسعمائة ريال، وبقي عليه مائة ريال، يحضرها بعد التفرق في مجلس العقد في نفس اليوم أو في يوم آخر.
حكمها: الحكم عدم جواز هذه الصورة من البيوع، إذ الواجب في بيع الذهب –كما تقدم- أن يكون بجنس الأثمان قبض كامل البدلين في المجلس، ولا يجوز تأخير شيء منه، والأدلة على ذلك كثيرة وقد سبق ذكرها.
ولكن يمكن أن يصح البيع فيما قبض ثمنه من الذهب، ويبطل فيما لم يقبض إن عقد البيع على المناجزة فلم يتفقا على تأخير شيء من الثمن قبل البيع، فإن اتفقا على تأخير شيء من الثمن فقد بطل البيع في الكل لدخول الربا(10).
-------------
(1) تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين بن محمد بن المختار الجكني الشنقيطي، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، سنة النشر 1415هـ - 1995م (1/257).
(2)تبين الحقائق شرح كنز الدقائق، لفخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي، الناشر: دار الكتب الإسلامية، القاهرة، الطبعة الأولى، عام 1313هـ (4/141).
(3)الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، لأحمد بن غنيم بن سالم النفراوي المالكي، دار النشر: دار الفكر ، بيروت، الطبعة الأولى، عام 1415هـ (3/1089).
(4) واختاره ابن تيمية وابن القيم وغيرهما. انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، لشيخ الإسلام، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الناشر: مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثانية، عام 1385هـ (29/470-474).
(5) منهم الشيخ عبد الله بن منيع، كما في كتابه الورق النقدي، ص (46)، وما بعدها.
(6) كما في مجلة البحوث (1/212-222).
(7) كما ذهب إليه الشيخ عبدالرحمن بن سعدي كما في مجموع فتاويه، ص (213-229).
(8) انظر: مجلة البحوث، مرجع سابق (1/209) .
(9) بيع الذهب والفضة وتطبيقاته المعاصرة في الفقه الإسلامي، مرجع سابق ص (154-155)، بتصرف، و بحوث في الاقتصاد الإسلامي، للشيخ عبد الله المنيع، مرجع سابق، ص (315) بتصرف.
(10) كما ذكره في المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعية والتحصيلات المحكمات الشرعيات لأمهات مسائلها المشكلات، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، الناشر: مطبعة دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، عام 1408هـ - 1988م (1/14)، وانظر: بيع الذهب والفضة وتطبيقاته المعاصرة في الفقه الإسلامي، ص (162).