بعد جدة وتبوك.. هل لا يزال الخطر قائماً؟
1 صفر 1432
تقرير إخباري ـ محمد لافي

على الرغم من أن أصابع الاتهام لا تزال موجهة إلى عدد من المسؤولين ورجال الإعمال في مدينة جدة بعد كارثة السيول التي ضربتها قبل أربعة أعوام محدثة خسائر فادحة, إلا أن صورة تلك الخسائر لا تزال تشاهد في المدن الأخرى بل والكبيرة منها فور تعرضها لحجم غير مسبوق من الأمطار.

 

فعلى مدى ثلاثة أيام تعرضت مدينة تبوك إلى موجة من الأمطار الغزيرة سالت على أثرها أودية المنطقة كافة والعشرات من روافدها مجتاحة المناطق الجنوبية ومتسببة في أضرار جسيمة وإثارة الهلع في نفوس السكان, وذلك بعد أن سجلت حالة وفاة, واحتجزت المياه المئات قبل أن يتم إجلاؤهم.

 

وتسببت السيول كذلك في جرف السيارات, وتوقف حركة السير وتعطيل الدراسة بعد تضرر 51 مدرسة في مدينة تبوك منها 18 للبنين و33 للبنات, كما تسببت في إجلاء 659 أسرة من منازلها وإسكانهم في صالات الأفراح والشقق المفروشة.

 

وقد دفعت هذه الكارثة بأبناء المنطقة المتضررين إلى مناشدة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتشكيل لجنة عليا تقف على الأوضاع في تبوك للنظر وتقييم ما يقدم لهم من خدمات, في الوقت الذي لا يزال المئات من المواطنين المتضررين يصطفون أمام اللجان للحصول على المعونات، فيما يتسابق آخرون لتسجيل أضرارهم لدى لجان الحصر، أملاً في التعويضات.

 

كما أن الأضرار التي لحقت بأنباء المنطقة دفعت بوزارة الشؤون الاجتماعية لصرف مبلغ 13 مليون ريال للجمعيات الخيرية بمنطقة تبوك تمهيداً لتوزيعها على المتضررين في المنطقة, كما شاركت هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية مع بقية الهيئات الحكومية والخيرية في تقديم المساعدات لهم من السلال الغذائية, والبطاطين وأجهزة التدفئة.

 

من جدة والأفلاج إلى تبوك   

 

وبين جدة وتبوك, وفي مطلع هذا العام, ضربت محافظة الأفلاج على مدى يومين موجة من الأمطار الغزيرة متسببة في جريان السيول على نحو غير متوقع, أحدثت العديد من الخسائر في الممتلكات والبنية التحتية للمحافظة, وأدت إلى وفاة شخص واحتجاز الكثيرين, كما تسببت في تلفيات في البنية التحتية للمنطقة وفي مزارعها ونفوق الكثير من الماشية.

 

ولم يكد يفرغ المتابعون والنشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي من تحليل المشكلة ودق ناقوس الخطر محذرين من كوارث قد تسببها مثل هذه الأمطار في مدن أخرى إن لم يتم الكشف عن ضعف البُنى التحتية ومحاسبة المتسببين فيها؛ حتى تكشف الأمطار والسيول التي ضربت مدينة تبوك عن تشابه كبير بين ما كانت تعاني منه مدينة جدة من ضعف البنية التحتية وبين عدد من مدن المملكة.

 

ولم يكن التشابه في الأسباب التي أدت إلى كارثتي جدة والأفلاج ومن بعدهما منطقة تبوك مقتصراً على الظروف الجوية المفاجئة, بل تعدى ذلك, إلى التشابه في عدد من الأخطاء في تأسيس البينة التحتية للمدن الثلاث وتهيئتها لمثل هذه الظروف على الرغم من الميزانيات الضخمة التي رصدت من أجلها.

 

فقد كشفت هذه الأمطار عن عدد من الأخطاء في مشاريع تصريف السيول وعدم وجود شبكة تصريف المياه والأمطار بشكل فعال, إضافة إلى ضعف مشاريع السفلتة للطرقات والسماح بالبناء في مجاري الأودية والسيول.

 

و أرجع الباحث الفلكي عبدالعزيز بن سلطان الشمري، أسباب كارثة تبوك إلى عدم تطبيق الأمر السامي رقم 151 لعام 1428هــ، الذي ينصّ على أنه "لا يعتمد أي مخطط سكني إلا بعد موافقة ثلاث جهات رسمية وهي المساحة الجيولوجية، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ورئاسة الأرصاد"، مبينا أن الأمر السامي لم يُطبق على أي مدينة من مدن المملكة حتى الآن.

 

وقال إن ما حدث في تبوك ما هو إلا الإنذار الأول لبقية المدن في المملكة, وخاصة مدينة حائل التي تهددها خمسة أودية، وكذلك مدن الرياض والحريق والخرج وغيرها من مدن المملكة.

 

وقد زامن هذا التصريح, تقرير صادر عن هيئة الرقابة والتحقيق انتقد فيه تأخر عدد من الامانات والبلديات في تنفيذ شبكات تصريف السيول مما أدى إلى إلحاق إضرار جسيمة بالمواطنين والبنية التحتية قي عدد من المدن.

 

إن ما حدث في تبوك ومن قبلها في جدة بات يثير مخاوف سكان الكثير من مدن المملكة من كوارث مشابهة, خاصة وأن الكوارث أصابت مدناً رئيسة، حظيت بمشاريع ضخمة في بناها التحتية مما يجعل بقية المدن الصغيرة أكثر عرضة للضرر من أي أمطار أو سيول مفاجئة.

 

وقد دفع ذلك بعدد من المغردين على "تويتر" ضمن وسم أسموه "تبوك تغرق" إلى مناقشة إشكالية تصريف مياه الأمطار، التي تكرّرت في أكثر من مدينةٍ ومحافظةٍ على مستوى المملكة، وتسببت في خسائر فادحة وهو الأمر الذي تكرّر السيناريو فيه عند هطول الأمطار على منطقة تبوك.

 

وتناقل المغرِّدون صوراً ومقاطع فيديو تبين مدى وحجم الأضرار التي أحدثتها الأمطار في تبوك في المنازل والدوائر الحكومية والملاعب والشوارع العامة والمشاريع التي ما زالت تحت الإنشاء أو التي تم إنجازها قريباً والتي دُمّر بعضها بفعل السيول. وأنشأ مغرّدون آخرون أوسمةً تطالب بإعفاء بعض المسؤولين بمنطقة تبوك أو تقديمهم الاستقالة.

 

كما أن الطريقة التي أديرت فيها سيول جدة وتبوك والأفلاج كما كشفتها الصور ومقاطع الفيديو دفعت بالمراقبين إلى المطالبة بمركز وطني موحد لإدارة الكوارث ترسم فيه السيناريوهات المحتملة للحوادث المشابهة وفق التجارب التي تواجه الوطن بشكل عام للتعامل معها بشكل فاعل.

 

ولعل مثل هذه الكوارث يمكن الحد منها بشكل كبير, إذا تمت مراقبة مشاريع البُنى التحتية في كافة المدن وتقييمها وضمان مطابقتها للمواصفات, وقدرتها على الوقوف في وجه كل الظروف البيئية أسوة ببقية دول العالم حتى الفقيرة منها, والتي تتعرض لظروف بيئية أقسى مما تتعرض له المملكة دون أضرار تذكر, إضافة إلى ملاحقة المتسببين في الكوارث السابقة ومحاسبتهم, وإلا فإن الخطر سيظل قائماً.