13 رمضان 1434

السؤال

السَّلام عليكم ورحمه الله وبركاته، الحمد لله على كلِّ حال، صدمت في أخي الأكبر، وأبي الثَّاني، فنحن عائلة جدًا محافظة، وأبي شيخ وأمي كذلك، والحمد لله أبي له اسمه في البلد، وبين كلِّ النَّاس، وهو يعتمد في كثير من الأمور على أخي الكبير، كلُّنا ثقة فيه، ولم نرَ منه أي مكروه، أو شيء سيء، قلبه أبيض مع الكلِّ، يخاف علينا، يلبِّي طلباتنا، أنا أخته الصُّغرى وعمري 18سنة، وتكبرني بسنة أخت ثانية بالجامعة، وهو كذلك بالجامعة ويكبرني ب: 4 سنوات.
فتحت جواله يومًا قدرًا، وقد نسيه مفتوحًا قفله، ويا ليتني يا شيخ رأيت مقاطع إباحيَّة، أو رأيته يكلِّم بنات، والله تهون عندي المشكلة، لكنِّي رأيت صورًا له مع بنات أخي، وصورًا أخرى مع بنات يبدو أنهنَّ من خارج البلد، لم أرَ أرقام بنات، ولا كلام مع أيِّ بنت فقط صور، المشكلة أنَّها صور هو مصوِّرها بجواله، لم أذق طعم النَّوم بعدها، أبكي بحرقة، لم يقصِّر أبي ولا أمِّي معه، أعطياه أكثر ممَّا يستحق، صدمت فيه، أدعو ربِّي يستر علينا، خائفة على صحَّة أبي وأمِّي لو علما، لأنَّ أبي لو علم أنَّنا نرى مسلسلات، أو نسمع أغاني غضب علينا غضبًا شديدًا، فكيف بهذا الشَّيء ؟! أمِّي ستجنُّ لو علمت بذلك. هذا الأمر يهتزُّ له عرش الرَّحمن، فكيف أبي وأمِّي !! وهما من ربَّياه أحسن تربية، وأعطياه كلَّ شيء، وواثقين فيه كلَّ الثِّقة، وأمِّي وأبي حريصان عليه وعلينا فكيف يفعل هذا الأمر؟!.
لم أستطع التحمُّل، فأخبرت أختي الكبيرة، ونحن في حيرة من أمرنا! لا نستطيع فعل شيء.
هل نواجهه؟. هل يستجب لنا لو واجهناه بالحقيقة؟ أم سيدَّعي أنّه سيتوب وهو كذاب وسيرجع للمعصية مرَّة أخرى؟! وقد لا نستطيع تتبُّعه مستقبلاً. هل سيتقبَّل منَّا مواجهته ونحن أصغر منه سنًّا؟!.
مع العلم أنَّه ليس بتارك صلاته، أو عاق لوالده ورحِمِه، بل يصلي وبارٌّ بوالديَّ جدًا، لا يرفض لهما طلبًا أبدًا. يا شيخ! ما الحل؟ فكَّرنا بمصارحة خالي في الموضوع، لكن! خفنا الفضيحة، خفنا على أخي من احتقار خالي له، وإذا تاب نخاف يلومنا بعد ذلك، يا شيخ! أبي وأمِّي لا حياة لنا بدونهم، نريد الحلَّ قبل الفضيحة، قبل ألا يحدث أيُّ شيء لوالديَّ أو يصابا بمرض لا قدَّر الله، دعواتك لنا لعلَّ دعوة منك يستجيبها الله.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
أختي الفاضلة: أشكركِ على ثقتكِ، بموقع المسلم، ومتابعتكِ له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أختي الكريمة: فهمت من عرضكِ لمشكلتكِ، أنَّ أخاك الأكبر قد ارتكب معصية، وهذه المعصية احتفاظه بصور في جواله مع بنات من محارمه وغيرهم، وكون أسرتك أسرة محافظة وملتزمة بدينها، استهجنت تلك المعصية من أخيك، وأخبرت بها أختك الكبيرة، لعلكما تصلان إلى حلٍّ مناسب لهذه المشكلة، وذكرت تخوُّفك على صحَّة والديك لو وصلهما الخبر، كونهما يغضبان من مثل هذه السُّلوكيَّات الخاطئة، وذكرت أنَّك تفكِّرين بإطلاع خالك على الأمر، علَّه يجد معك ومع أختك حلاً للأمر، ثمَّ خيرًا صنعت بتوجُّهك بعد الاعتماد على الله تعالى لإخوانك في موقع المسلم، طالبة منهم النُّصح والتَّوجيه في ذلك، ألخصُّ لكِ أختي جواب استشارتك من خلال النِّقاط الآتية:
أولاً: من تدخَّل فيما لا يعنيه، لقي ما لا يرضيه.
لقد أخطأت خطأ كبيرًا في عبثك بجهاز أخيك، ولا يجوز لك شرعًا التَّجسس عليه، ومتابعة ملفَّات جهازه، والدُّخول عليها بغير إذنه ورضاه، فالنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) رواه الترمذي. وعن عبد الرَّحمن بن عوف رضي الله عنه قال: حرست ليلة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة، فبينما هم يمشون شبَّ لهم سراج في بيت، فانطلقوا يؤمُّونه حتَّى إذا دنوا منه، إذا باب مجافٍ على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة، فقال عمر رضي الله عنه وأخذ بيد عبد الرحمن: أتدري بيت مَنْ هذا؟ قال: لا. قال: هذا بيت ربيعة بن أميَّة بن خلف، وهم الآن شُرْبٌ فما ترى؟ فقال عبد الرَّحمن: أرى قد أتينا ما نهى الله عنه، نهانا الله عزَّ و جلَّ فقال: {ولا تجسَّسوا} فقد تجسَّسنا، فانصرف عمر عنهم وتركهم. رواه البيهقي. وأنت أختي الفاضلة قد تجسَّست على أخيك بغير حقٍّ، فتوبي إلى الله واستغفريه، وصدق من قال: من تدخَّل فيما لا يعنيه، لقي ما لا يرضيه.
ثانيًا: إذا كان السِّتر على المسلم واجب، فعلى أخيك أوجب.
(أجمع العلماء على أن مَن اطَّلع على عيبٍ، أو ذنبٍ، أو فجورٍ لمؤمن من ذوي الهيئات، أو نحوهم ممَّن لم يُعرَف بالشَّر والأذى، ولم يشتهر بالفساد، ولم يكن داعيًا إليه؛ كأن يشرب مسكرًا، أو يزني، أو يفجر متخوفًا متخفيًا، غير متهتِّك ولا مجاهر، يُندَب له أن يستره، ولا يكشفه للعامَّة أو الخاصَّة، ولا للحاكم أو غير الحاكم)الموسوعة الفقهية الكويتية:[24/169]. وقال صلَّى الله عليْه وسلَّم: (مَن علم من أخيه سيئة فسترها عليه، ستر الله عليه يوم القيامة)رواه أحمد والطَّبراني. وقال صلَّى الله عليْه وسلَّم: (مَن رأى عورة فسترها، كان كمَن أحيا موءودة من قبرها)رواه البخاري. فاستري أخاك، وإياك من فضح ستره، ويكفي أنَّك فضحت ستره عند أختك الكبرى، حرِّصي عليها أن تحفظ السِّرَّ ولا تذكر شيئًا لأحد كائنًا من كان، وأخوك محافظ على الصَّلاة، وبارٌّ بوالديه، فلا داعي للقلق الزَّائد عليه، فلا بدَّ يومًا أن يراجع نفسه ويترك ما هو عليه.
ثالثًا: انصحي أخاك، ولكن! بالرِّفق واللِّين، وبطريقة غير مباشرة.
قد يكون الله أطلعك على معصية أخيك، لأجل أن يفتح لك بابًا للأجر والثَّواب، ألا وهي مهمَّة الأنبياء، الدَّعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وهي من أجل الأعمال وأرفعها عند الله، فانصحي أخاك وأرشديه، وأوصيك بالطُّرق الآتية:
1- أرسلي له رسائل على جواله، فيها عبر وعظات، خوِّفيه فيها بالله واليوم الآخر.
2- ضعي له في سيَّارته شريطًا ليستمع إليه، يتحدَّث فيه الواعظ عن غضِّ البصر عن المحرَّمات.
3- أرسلي له مقاطع صوتية وفيديوهات على البلوتوث، فيها تخويف من انتهاك حرمات الله.
4- اطلبي من أحد محارمك أن يتكلَّم معه وينصحه، دون أن تذكري له شيئًا عن معصية أخيك.
5- اطلبي منه أن يصحبك وأختك الكبرى ووالداك للعمرة، وإن تيسر الحجُّ فهو أفضل، وفي الطَّريق استغلي ساعات السَّفر، باختيار أشرطة لخطب ودروس تعدينها قبل السَّفر، واستأذني منه أن تستمعوا لها جميعًا أثناء سفركم.
رابعًا: أرى أن تقومي بمحوِ تلك الصُّور المحرَّمة في جواله، ثمَّ تعقدي اجتماعًا ثلاثيًّا مغلقًا، بينك وبينه ومعك أختك الكبيرة، ثمَّ تفاتحيه بالموضوع، وخوِّفيه بالله، وخذي منه العهود والمواثيق ألا يفعل مثل هذا مستقبلاً، ثمَّ تابعيه بدقَّة وحرص ألا يختلي بمحارمه، وألا يجلس معهنَّ لوحده، وخاصَّة الصَّغيرات منهنَّ، وقولي له: هذه المرَّة سنستر عليك، وإن تكرَّر الأمر سنكشف سترك لوالديك ولأسرتك كاملة، لأنَّ بعض النُّفوس لا ترتدع إلا إذا خافت من الفضيحة بين النَّاس، كما قال الشَّيخ مصطفى السِّباعي رحمه الله: إذا دعتك نفسك للمعصية، فذكِّرها بالله، فإن لم ترجع، فذكِّرها بأخلاق الرِّجال، فإن لم ترجع، فذكِّرها بالفضيحة إذا علم بها النَّاس، فإن لم ترجع، فاعلم أنَّ نفسك قد تحوَّلت إلى حيوان.
خامساً: صلاح قلب أخيك بيد ربِّه، فادعي الله له بالهداية.
الدُّعاء من أفضل العبادات، التي يقوم بها الإنسان المؤمن، وهو السِّلاح الذي يملكه في كلِّ وقت، ويستطيع أن يستخدمه في كلِّ لحظة، وهو من أحبِّ الأعمال إلى الله عزَّ وجل، ولذلك أمر الله عزَّ وجلَّ أن يدعوه عبده في كلِّ شيء حتَّى في أبسط الأمور وأقلِّها، ولذلك أوصيك بالدُّعاء لأخيك بظهر الغيب، وعليك بهذه الدَّعوات: اللهمَّ اغفر لأخي، وردّه إليك ردًّا جميلاً، واغسل قلبه بماء رحمتك، ونوِّر قلبه بشمس هدايتك، وألهم لسانه ذكرك، وأعطه من نورك الذي لا يخبو، واشرح صدره بفيض الإيمان بك، وجميل التَّوكل عليك، وأحيِّه بمعرفتك، وأنزل عليه سحائب رحمتك وهدايتك وتوبتك، إنَّك أنت الله القادر على كلِّ شيء.