أنت هنا

تونس الخضراء..التي يبغونها عوجا
30 ربيع الأول 1434
موقع المسلم

"يعتقدون أن الثورات تصنع بالسيناريوهات، وأن هناك بوعزيزي جديداً هو شكري بلعيد، وأن هناك بن علي جديداً هو الغنوشي، فلتقم الثورة، هذه سذاجة غريبة، ومحاولة للقفز على الحقيقة، هل يمكن لعاقل أن يعتقد أنه من مصلحتي أو مصلحة حركة النهضة تفجير الوضع القائم بأي طريقة؟"، هكذا قال زعيم حركة النهضة التونسية د.راشد الغنوشي تعليقاً على حالة الهياج العلمانية التي تناقض المنطق وتنشر الشائعات وتسود الغوغائية في سماء تونس الخضراء في أعقاب اغتيال القيادي السياسي الماركسي شكري بلعيد، بأربع رصاصات اخترقن جسده أمام منزله أوائل فبراير الحالي.

الغوغائية التي دفعت كتلاً من العلمانيين المشيعين لجنازته أن يهتفوا "يا غنوشي يا سفاح يا قتال الأرواح"، هي عنوان "لا منطق" سائد في دول الربيع يُحمل بموجبه "الإسلاميون" كل خطيئة هنا أو هناك، حتى لو كانوا آخر المنتفعين بحصولها، فضلاً عن افتقارها لأي دليل ضدهم؛ فمثلاً، يقول المنطق:

ـ إن حركة النهضة التي اتهمتها عائلة الماركسي القتيل، واتهمتها كذلك جميع القوى العلمانية تقريباً، لم تمارس العنف قط أثناء اضطهادها وتعذيب أفرادها الرهيب في سجون بن علي؛ فكيف تلجأ إليه في أجواء الحرية والانطلاق؟!

ـ إن القتيل قد خاضت كتلته السياسية الانتخابات البرلمانية من قبل، ولم تحصّل حتى 1% من الأصوات؛ فكيف تعدها النهضة منافسة لها، وتهتم بسياسييها إلى حد القتل، ودونها العديد من القوى الأخرى المنافسة التي تستحق الاهتمام، لو كانت النهضة حقاً "إرهابية"!

ـ إن فرضية إقدام ما تسمى بالجماعات المتشددة في تونس على اغتياله تصطدم بنواقض، منها أن هذه الجماعات لم تقدم أبداً من قبل على عمليات الاغتيال السياسي الممنهجة، وكذلك؛ فإنها إن فعلت فليست عصية على الاكتشاف الأمني الدقيق في تونس، ولذا؛ فهي تراهن هي الأخرى بتماسكها وقوتها في مقابل لاشيء، وهو القتيل الشيوعي.

ـ إن عملية الاستفزاز الديني القائمة في دول الربيع، سواء في تونس أو مصر، ومحاولات التعرض للمقدسات بغية استحضار العنف، وإلغاء التجربة الديمقراطية تفطن لها كل الجماعات والحركات والأحزاب الإسلامية، وتشدد جميعها على احترام القانون والسلمية مهما كانت الظروف.

ـ إن جميع الحركات الإسلامية، وحتى معظم ما سواها، لا تعمد إلى إدانة عمل، قامت هي بالفعل إن عجزت عن تبنيه؛ فمحال أن تنفذ النهضة تلك العملية ثم تدينها، فيكفيها أن تصمت إن لم تتبناها لو كانت قد فعلت، وإلا فما الغطاء الديني الذي تتخذه ما دامت تعترض لحد القتل على سلوك الرجل ثم تبين للناس أن فعلها هذا محرم بالأصل! وأي ردع ترتجيه إذا كانت تشارك في الحشد ضد العنف أصلاً (لينظر مثلاً إلى هروب جبهة الإنقاذ الوطني المصرية من إدانة العنف المنسوب إليها لأنها لا تريد أن تنزع عنه غطاءها السياسي؛ فكيف لا تفعل النهضة وهو المنطق ذاته؟!).

ـ إن حصد الأكثرية من بين الأحزاب لأصوات الناخبين يفترض معه أن تكون الحركة عاقلة وحكيمة ولا تتسم بهذا الكم الهائل من الغباء السياسي الذي يجعلها تنقض غزلها من بعد قوة، أو حسب تعبير د.الغنوشي لصحيفة الخبر (10 فبراير): "ليس من مصلحة أي حزب حاكم أن يفجر الأرض التي يقف عليها".

...
ما يفهمه الكثيرون منا من المحيط إلى الخليج، أن وجود "إسلاميين" في السلطة هو حدث طارئ، بل شاذ في نظر الغرب لابد ألا يكون، وأن تعود الأمور كما هي.. تبعية خالصة وركوع طويل للصنم الغربي.. وفي الطريق، يحصل اغتيال هذا، وسحل ذاك، وتجويع هؤلاء.. الخ لتعود المياه الكدرة إلى مكباتها العفنة.