عرسال اللبنانية تدفع ضريبة الإباء والحمية
6 ربيع الثاني 1434
د. عدنان أمامة

عرسال بلدة لبنانية حدودية تقع شرق لبنان وتحاذي حمص وريفها من الجانب السوري، يقطنها قرابة أربعين ألف نسمة كلهم من أهل السنة والجماعة، وسط محيط جله من الشيعة، أكتسب أهلها من موقعها الجبلي وصلابة صخورها أنفة وشهامة وطبعا عصيا على الإذلال والاستعباد، واشتهر أبناؤها بالنخوة والحمية، فتحت أبوابها منذ بداية الثورة السورية للنازحين السوريين، وشكلت حاضنة خلفية للفارين من بطش النظام المجرم، لم يرق هذا  للدولة اللبنانية التي يهيمن عليها الشيعة وحزب الله، فأخذوا يحيكون لها المؤامرات ويلصقون بها التهم الجاهزة: الإرهاب والتطرف والقاعدة، لكن هذا لم يثنها عن مواصلة دورها الداعم للثورة السورية، فكان قرار النظام السوري البطش بعرسال  وأهلها عن طريق أدواته في لبنان

 

وكان باكورة هذا القرار ما حصل منذ بضعة أيام حين قامت مجموعة مسلحة بلباس مدني، تستقل سيارتين مدنيتين، بدخول البلدة ونصب كمين لأحد الناشطين في دعم الثورة السورية من أبنائها، وفور وصول الناشط إلى الكمين أمطره المسلحون بوابل من الرصاص فقتل على الفور، لم تكتف المجموعة المسلحة بدلك، بل  قامت  بحمل الجثته والفرار بها باتجاه الجرود، ذهل أهل البلدة من  هذه الجريمة النكراء التي نفذت وسط البلدة وفي وضح النهار، واعتبروا ذلك جرحاً لكرامتهم، ومما زاد من حنقهم أن رئيس البلدية قام بالاتصال  بالأجهزة الأمنية وسألهم عن منفذ العملية فنفى الجميع علمهم بها، ما جعل الأهل يعتقدون أن المجرمين مجموعة من شبيحة النظام السوري، أو عناصر من حزب الله المرتبط بالأسد، فهرع شبان البلدة إلى تعقب الجناة،  واشتبكوا معهم، فقتلوا وجرحوا كل أفراد المجموعة، وهنا استعانت المجموعة المسلحة بالجيش اللبناني الذي هب لنجدتها فاشتبك مع شبان بلدة عرسال وسقط له جنديان وبعض الجرحى. وحيث إن الهيمنة على قرار الجيش اللبناني هي للشيعة والدائرين في فلك النظام السوري، ومن أجل التغطية على انخراط الحكومة اللبنانية في دعم نظام الإجرام في سوريا

 

وبدلا من أن تجري الدولة  تحقيقا لمعرفة من زج بجيشها في معركة خاسرة، أقدمت قيادة الجيش على تبني عملية إعدام الناشط العرسالي، واعلنت أن من نفذ عملية الاغتيال هي دورية من مخابرات الجيش، وأنها استهدفت إرهابياً خطيراً مرتبطاً بجبهة النصرة، وأن ردة فعل شبان البلدة رد همجي وغير إنساني وعدوان على المؤسسة العسكرية، وأنها ستعاقب كل من شارك في عملية الثأر، فقامت بحصار البلدة حصارا مطبقاً وأعلنت أنها ستنفذ حملة مداهمات واعتقالات بحق ما يزيد عن مئة شاب من أهل البلدة بينهم رئيس البلدية وأئمة مساجد، ورافق التهديد والوعيد من الجيش تهيئة وتحضير للرأي العام عبر حملة إعلامية شرسة من أبواق حزب الله والدائرين في فلكه وخاصة النصارى الموالين لميشال عون تباكت على قتلى الجيش، ورفعته إلى مرتبة العصمة والقداسة، وأن من حقه أن يجتاح أي مدينة أو قرية وينفذ فيها عملياته، ولا يحق لأحد أن يعترض وإلا عد إرهابياً تجب ملاحقته، وأخدت تحرض القيادات السياسية والعسكرية على البطش والتنكيل بأهل عرسال، والمفارقة الغريبة العجيبة أن الشيعة وأزلام النظام السوري هم أكثر من وطىء على كرامة الجيش، ومرغ هيبته في التراب

 

ويكفي إهانة للدولة اللبنانية وجيشها أن قرار الحرب والسلم يقرره أمين عام حزب إيران دون رجوع لقائد جيش أو رئيس جمهورية أو مجلس وزراء، وتنتشر في مناطق الشيعة مربعات أمنية يمنع على الجيش اللبناني أو غيره من القوى الأمنية الاقتراب منها، وحزب إيران قتل مند مدة ليست بعيدة طياراً  للجيش اللبناني كل مصيبته أنه حلق فوق منطقة للمقاومة، ولم يحصل على إذن بذلك، ومنذ فترة وجيزة أقدم مسلحون شيعة من تجار المخدرات وسراق الشيارات، على تفجير عربة للجيش اللبناني وقتلوا أربعة داخلها ولم يطالب أحد بالقبض عليهم، والكل يعلم أن لدى حزب الله أربعة متهمين بقتل رئيس الوزاء الأسبق رفيق الحريري صدرت في حقهم مذكرات اعتقال دولية ورفض الحزب تسليمهم وتحدى الدولة ولا زال أن تقدم على اعتقالهم، ولم ينس أحد تشكيل عائلة شيعية من آل المقداد جناحاً مسلحاً وقيام دلك الجناح باختطاف ناشطين سوريين ومواطنين أتراك على مرآى ومسمع من العالم كله ولم يحرك المتباكون على كرامة الجيش وهيبته ساكناً، وذاكرة اللبنانيين حافلة بالأحداث التي تثبت أن قوة الجيش وبأسه الشديد لا يطال إلا أهل السنة في لبنان.

 

 إن ما حصل ويحصل في عرسال يثبت للمرة الألف أن الجيش اللبناني بات رهينة لدى حزب الله، وأن الذي يأمر وينهى في الجيش هو النظام السوري من خلال ملحقاته في لبنان، والخطورة في الأمر أن أهل عرسال اليوم وضعوا أمام معادلة صعبة هي: تجرع الذل والإهانة والقبول بتسليم الشباب المطلوبين، أو التعرض لاستباحة البلدة وربما تحولها إلى نهر بارد جديد، هذا فضلا عن أن الجيش إن تمادى في تنفيذ ما خطط له بشأن عرسال فإن شرياناً حيوياً لدعم الثورة السورية سينقطع، وسيكون تأديب أهل عرسال درساً لكل أهل السنة في لبنان، أنه من غير المسموح لكم أن تعيشوا أحراراً وأنكم مواطنون من الدرجة الثانية، وقد استشعرت كل قوى أهل السنة خطورة ما يدبر لعرسال، فهبو هبة واحدة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب: أن عرسال ليست وحدها، وأن استهداف عرسال استهداف لكل مناطق السنة، وهددوا باحتجاجات، وربيع لبناني يجتاح كل شيء، والله المسؤول أن يكشف الكرب وأن يدفع البلاء وأن يبطل كيد الاعداء.