مصر بين جبهتين
8 ربيع الثاني 1434
علا محمود سامي

لا تزال تداعيات تدشين فعاليات مصرية متعددة لجبهة الضمير قبل أيام تلقي بظلالها في المشهد السياسي، لما سببته من حالة ارتباك داخل ما يسمى بجبهة الإنقاذ الوطني التي تم تشكيلها بنهاية شهر نوفمبر الماضي.

 

وإذا كانت الجبهة الأولى قد تم تشكيلها عقب الإعلان الدستوري والجدل الذي صاحبه قبل أن يتم إلغائه بآخر، فإن الأخرى جري تدشينها عقب حمامات الدم التي يشهدها الشارع المصري، اثر تقديم ما يسمى بجبهة الإنقاذ الغطاء السياسي لأعمال العنف الجارية حاليا ، والتي وجد فيها  الخارجون على القانون ضالتهم، فكان دورهم بإراقة الدماء على نطاق ليس بالقليل، فضلا عن محاولات اقتحام المنشآت العامة والخاصة، وإتلاف العديد منها.

 

الجبهة الأولي ضمت أفكارا واتجاهات متباينة بين علمانية ويسارية، وحتى من بقايا النظام السابق وحزبه الوطني المنحل، وجعلت هدفها بالأساس إسقاط السلطة، فضلا عن أن تكون مناوئة للنظام القائمة وجماعة الإخوان المسلمين التي تدعمه، غير أن الجبهة الأخرى ضمت أصحاب الأفكار التي يجمعها توافق على ضرورة احترام إرادة الشعب المصري، وقبل ذلك كله ومعه وبعده حقن دماء المصريين، ورفض أي عنف.

 

وفيما كانت تتباين الآراء داخل جبهة الإنقاذ بشان إسقاط شرعية الرئيس محمد مرسي والدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فان الأخرى لم تسعي إلى الدخول في تجاذب مع السلطة، وأعلنت أنه لايمكنها الالتفاف على شرعية الرئيس المنتخب، وأنه لابد من احترام إرادة الشعب المصري ، بل حددت هدفها بالأساس وهو رفض العنف، والعمل على وقفه.

 

وفي الوقت الذي تسعي فيه ما يسمى بجبهة الإنقاذ إلى أن تكون فاعلة بمعارضتها للسلطة على الأرض بتحريك المظاهرات والمسيرات المختلفة للمطالبة بتحقيق أهدافها، وإثارة الشارع على نطاق واسع، يختلط فيه الثائر بالخارج على القانون، فإن جبهة الضمير نأت بنفسها عن التواجد على الأرض، وفق ما يؤكده احد أعضائها وهو عمرو عبد الهادي الذي يشير إلى أن دور الجبهة يقتصر فقط على مراقبة ما يحدث، دون أن يكون لها تحرك فاعل على الأرض، وأنها تعني فقط بقراءة المشهد وتحليله، وإصدار ما ينبغي أن يكون بشأنه.

 

الغريب أن ما يسمى بجبهة الإنقاذ حملت النظام القائم مسئولية تشكيلها، بعدما وحد أفكار وتوجهات فعاليات وأحزاب مختلفة بها، لما حسبته زورا وبهتانا بعدم تعاطيه الفاعل مع أهداف ومطالب الثورة، فيما حملت جبهة الضمير سابقتها بأنها وراء تدشينها، بعدما رأي عدد من أعضائها أنها وفرت غطاء سياسيا لأعمال العنف، التي يشهدها الشارع المصري حاليا.

 

وإذا كان قادة ما يسمى بجبهة الإنقاذ قد رأوا أنها لم توفر هذا الغطاء، وأنها لم تحرض على العنف ، فان الواقع يؤكد أنهم على الرغم من عدم تبرئة ساحتهم مما يثار في الشارع المصري من دعوات للتحريض على القتل واستباحة دماء المصريين، فان هذه الجبهة تتحمل مسئولية ما يدور، خاصة وأنها هى التي دائما تعمل على تحريك وتهييج وإثارة الشارع المصري، وتصمت على إتلاف المنشآت العامة والممتلكات الخاصة.

 

وهنا نصل إلى القول الفصل، في أن هناك من أراد أن يقسم المصريين إلى داعمين للعنف على نحو ما تمارسه وترتكبه جبهة الإنقاذ، وهى جبهة تملك من الإعلام ووسائل ما يمكنها من ممارسة التحريض على القتل ، وبين جبهة أخرى ترفض العنف، وتدعم الشرعية، وتحترم إرادة المصريين، مقابل أخرى ترغب في القفز على السلطة، بل وإلقاء إرادة الشعب إلى أبعد مدى.

 

ولهذا راح أعضاء جبهة الإنقاذ إلى التشويش على أعضاء جبهة الضمير ، واتهام أعضائها بأنهم يحتكرون الضمير، متناسين أنهم وقت أن أدعوا أنهم إنقاذ ، فإنهم احتكروه، بل وأساءوا إلى "الإنقاذ" نفسه، ليصبح غير إنقاذ ، بقدر ما هو تدمير وقتل واستباحة للدماء،  فضلا عن أن أمثال هذه النوعية من الجبهة احتكروا الحديث عن الثورة وأهدافها، بعدما شارك فيها أغلبية الشعب المصري، وأنها لم تكن حكرا على تيارات بعينها.

 

الأخطر، أن يستمر أمن المصريين مستباحا بين تواجد لأعمال العنف في الشارع، وعدم التعاطي قانونيا مع أمثال هذه النوعية من الداعين للتحريض على القتل، وفي غياب من مسئولية من يلقبون أنفسهم بالقوى السياسية ، وخاصة جبهة الإنقاذ التي ادعت أنها وقعت على وثيق الأزهر لنبذ العنف، إلى أن قامت بعد ذلك بساعات بانسحابها من هذه الوثيقة.

 

ويذهب مختصون إلى ضرورة أن يكون الحل في مجابهة أعمال العنف بالشارع إلى أن يتسع الجانب الأمني، لتكون هناك حلولا اجتماعية واقتصادية وثقافية، خلاف سياسية، وإن كان البعض لا يحصرها بالضرورة في النطاق السياسي، ما يجعلها تتسع لتشمل المجالات المشار إليها، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر في أن يكون التعامل معها أمنيا فقط، دون التعاطي معها من مضامين أخرى مختلفة.

 

ولذلك تدعو الأجهزة المعنية المتظاهرين إلى ضرورة إخلاء مواقع التظاهرات والاعتصامات لبعض الوقت للتعامل مع المخربين، الداعين إلى استخدام العنف، وهو ما يواجه برفض شديد من قبل من يوفرون الغطاء السياسي للعنف، ما ينذر بخطر محقق في المشهد المصري في شيوع مظاهر العنف في مصر، خاصة مع ظهور الميليشيا المعروفة بـ "البلاك بلوك"، ودعوات للتحريض صادرة عمن توفر لهم الجبهة غطاء ، مثل هذا الملقب ب"الشيخ ميزو" الذي توعد جماعة الإخوان المسلمين بتعليق رقاب أعضائها في  الشوارع المصرية، وفي مقدمتهم الرئيس مرسي.

 

كل هذا التحريض على العنف وما يتم ترجمة جانبا منه على الأرض، دفع بالدكتور سيف عبد الفتاح، المستشار السابق للرئيس، إلى التحذير من خطورته، بل وتأثيره على شرعية النظام القائم ذاته، مؤكدا انه ما كان يتمنى أن يسقط قتيلا في عهده ، "ولذلك عندما سقط قتلي في إحداث القصر الرئاسي عقب إصدار الإعلان الدستوري أواخر شهر نوفمبر الماضي، قمت على الفور بتقديم استقالتي من الهيئة الاستشارية للرئيس".