إعلام الفتنة يسقط في "موقعة الإفتاء"
11 ربيع الثاني 1434
علا محمود سامي

لأول مرة في تاريخ الإفتاء المصري، يجري اختيار مفتي الديار عن طريق الانتخاب، وليس التعيين الذي كان متبعاً طوال العهود الماضية، أما في ظل دستور ثورة 25 يناير اليوم فليس لرئيس الجمهورية صلاحية سوى المصادقة على تعيين المفتي الذي انتخبه كبار علماء البلاد!!

 

فلم يعد غريباً على مصر الثورة أن تنتخب مفتيها بإرادة علمائها، كما انتخبت رئيسها بإرادة شعبية حرة، كما سبق لها أيضاً أن اقترعت على أول دستور لها بعد الثورة...

 

جاء انتخاب المفتي الجديد لمصر، وسط حملات إعلامية ممجوجة، كتلك الحملات التي تفتقد الى المهنية والمصداقية، ليكون انتخابه بتوصية من هيئة كبار العلماء بالأزهر والتي أعلنت انتخابها لرئيس قسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الأزهر فرع طنطا الدكتور شوقي عبد الكريم علام بعد حصوله على الأغلبية المطلقة في الاقتراع السري المباشر الذي شارك فيه 25 من أعضاء هيئة كبار العلماء برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر.

 

هذا الانتخاب جاء في ظل حقد إعلامي دفين، كان واضحاً في عدم التغطية التي تليق بالمنصب، على خلاف تلك التغطية الإعلامية التي زايد عليها كثيرون بانتخاب بابا الكنيسة المصرية، في تناقض واضح للإعلام المصري القائم على تشويه كل ما هو إسلامي، حتى لو كان ذلك من قبل المؤسسة الدينية الرسمية، التي سعى الرئيس مرسي إلى أن تكون دينية بامتياز، دون أن يمارس عليها أي شكل من أشكال الهيمنة كما كان يفعل أسلافه.

 

لذلك سيسجل التاريخ أن مرسي الذي تصفه قلة مأجورة بأنه ديكتاتور، رفض أن يكون منصب المفتي بالتعيين، أو أن يختاره هو بنفسه، كما كان يفعل المخلوع كما أنه قطع على خلفائه خط الرجعة في أن يعودوا إلى ما كان عليه أسلافه، والذين أذاقوا مصر والمصريين ويلات العنت والإفقار، ليؤصل مبدأ جديداً في البلاد، وهو أن يكون منصب المفتي بالانتخاب.

 

إن انتخاب مفتي الديار المصرية الجديد، جاء بعدما كانت هيئة كبار العلماء قد درست ملفات 15 من المرشحين للمنصب وانتهت المشاورات إلى اختيار ثلاثة شخصيات هم:أستاذا الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون علام وعطية فياض وأستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون فرحات أبوقريش إذ أجرى الأعضاء اقتراعاً سرياً انتهى إلى حصول المفتي الجديد على أعلى الأصوات ليتم اختياره خلفاً للدكتور على جمعة الذي تنتهي فترة توليته نهاية شهر فبراير الحالي.

 

المفتي الجديد وصف هذا الانتخاب في تصريحات صحفية أعقبت انتخابه بأنه "اختيار شرف لا يعادله شرف خاصة وأن كل من منحني صوتاً هو عالم جليل وأتمنى أن أكون عند حسن ظن العلماء".

 

وكعادة الإعلام المأجور في مصر، فإنه سرعان ما وصف المفتي بأنه ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وتجاهل الإعلام المغرض أن المرشح المحسوب على الجماعة وهو الدكتور عبد الرحمن البر، عضو مكتب الإرشاد بالجماعة، كان بزعم هؤلاء هو الشخص الأبرز لتولي المنصب، بدعوى اتجاه نظام الرئيس مرسي إلى "أخونة المؤسسات"، إلى أن ثبت كذب وافتراء هذا الإعلام، عندما جرى استبعاد البر من التصويت بالأساس، وانحصر التصويت في الثلاثة المشار إليهم.

 

لكن التصريحات التي أدلى بها المفتي الجديد تؤكد افتراء الإعلام على نظام الرئيس مرسي. فعند سؤاله عن سياسته في العمل بدار الإفتاء، أكد المفتي أنه مستقل "ولا أنتمي لأي فصيل سياسي وسأعمل على استيعاب كل الأطراف وسأعمل على أن تنخرط دار الإفتاء في الاهتمام بقضايا العصر والتعامل معها والاضطلاع بكل جديد والحرص على أن تكون فتاوى دار الإفتاء تجمع ولا تفرق وسوف تبتعد الدار تماماً عن الفتاوى الشاذة والمقلقة التي تثير الناس ولا يستفيدون من ورائها شيئاً".

 

والمؤكد أن مثل هذه التصريحات لن تجد آذاناً صاغية من إعلام الفتنة الذي يبحث عن الشاذ من الفتاوى لينفخ فيها، ويعمل على تشويه كل ما هو إسلامي أو كل ما ينسب إلى التيار الذي يشرف بحمل لواء الفكر الإسلامي ذاته.

 

وفي هذا السياق، يجنح هذا الإعلام إلى مغالطات دينية ومهنية جسمية، إذ لا يدرك أن الفتاوى الإسلامية لا ترتبط أساسا بالفكر السياسي، دون أن يعي ذات الإعلام أن حرص السلطة الحالية على أن يكون منصب الإفتاء عن طريق الانتخاب، ما هو إلا إعلاء لقيمة هذا المنصب ولصاحبه، وليتجرد فيه من أي هوى، يمكن أن يفتي فيه بتوجيه سياسي، أو أن تنازع آرائه هيمنة سلطوية.

 

ولكون هذا الإعلام دائما ما ينفخ في الكير، فقد شكك في نزاهة عملية الاقتراع ذاتها، وهو ما رد عليه عضو هيئة كبار العلماء الدكتور حسن الشافعي عندما أكد أن "عملية الاختيار تمت بنزاهة مطلقة حتى إن شيخ الأزهر رفض الإعلان عن اسم الشخص الذي يفضله منعاً لإحراج بقية الأعضاء وحرص على أن يتم الاقتراع بسرية تامة والدليل اختيار شخصية لم تكن مطروحة على الساحة، فالهيئة راعت أن يكون المفتي الجديد عالِماً متميزاً وله عشرات الأبحاث في شؤون الفتوى والشريعة كما حرصت على ألا يكون لديه أي ميول سياسية".

 

كل ما سبق يؤكد بما لايدع مجالا للشك أن كل ما يردده الإعلام الرديء مردود عليه، بل ويكشف زيف وافتراء القائمين عليه، ولا يكون ذلك إضافة إلى رصيده في أوساط متلقيه، بقدر ما هو خصم من رصيده لدى مستقبليه، وهو الأمر الذي صار واضحاً للسواد الأعظم من المصريين التي باتت تصف هذا النوع من أجهزة ووسائل الإعلام، بأنه إعلام فتنة، وتتهمه بأنه يعمل ضد المصريين، بل وضد ثورتهم، والغريب مع كل هذا أنه يدعي حماية الثورة.