الارتباك السياسي في دول الربيع العربي
26 ربيع الثاني 1434
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

تشهد دول الربيع العربي التي شهدت تغيرات سياسية قوية خلال الفترة الأخيرة وهي: تونس ومصر واليمن وليبيا, حالة شديدة من الارتباك السياسي التي تصل أحيانا إلى حالة أشبه ما تكون إلى الفوضى, وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول نجاعة هذه التغيرات, وهل العالم العربي أدمن "الدكتاتورية" ولم تعد الحرية تصلح له؟أم أنه هوغير مهيأ حتى الآن ليختار قادته وحكامه بشكل "ديمقراطي"؟...

 

كما أن هذا الوضع الملتبس يرسل العديد من الرسائل السلبية إلى بعض الدول الأخرى التي ترنو إلى هذا الربيع مثل سوريا والعراق...في الحقيقة لا يمكن أن نقيم تجربة الربيع العربي دون الحديث عن الظروف المحيطة بالدول التي شهدت هذا الربيع على الصعيد الداخلي والخارجي..

 

وإذا بدأنا بالصعيد الداخلي سنجد أن الاوضاع في هذه الدول تتشابه إلى حد بعيد فهناك معدلات متزايدة من الفقر والبطالة والفساد وسوء إدارة الموارد وتحكم فئة محدودة في الاقتصاد حيث تزداد ثراء بينما تزداد بقية فئات الشعب فقرا وعوزا ناهيك عن تصلب الشرايين السياسية في هذه الدول بعد أن سيطر حزب واحد على الحياة السياسية والحكم طوال عشرات السنين واستخدم في ذلك العصا الأمنية الغليظة والبطش والتنكيل بالمعارضة الحقيقية بينما قرب إليه معارضة ضعيفة مستأنسة ليمنح نظامه صبغة "ديمقراطية" يغازل بها الداخل والخارج...

 

ولم يكتف بذلك بل واصل غيه وعنجهيته واستغل حلم الشعوب وصبرها من أجل تفويت مشاريع توريثية من أجل ضمان التستر على فضائحه وجرائمه.. أما على الصعيد الخارجي فرغم الزلازل التي عصفت بالمنطقة مثل حرب الخليج الثانية وغزو العراق للكويت ثم الغزو الأمريكي للعراق وانطلاق شعارات تدعو للتغيير إلا أن هذه الأنظمة استمرت في تجاهل الحقائق ومارست حملة إعلامية وأمنية شرسة ضد دعاة التغيير واتهمتهم بالعمالة و"الإرهاب" , وقد استغلت هذه الأنظمة كذلك حالة الهلع من الإسلام التي انتابت الغرب بعد هجمات سبتمبر في إفهامه أنها الضامن الحقيقي لأمن المنطقة ومصالح الغرب فيها خوفا من شعبية التيار الإسلامي, وبما أن الغرب لا يهمه في المنطقة إلا مصالحه فقد استسلم لبنود الاتفاقية الغير معلنة... لكن المشهد العام في هذه الدول وبمرور الوقت تعرض لتغيرات كبيرة مع تفاقم حدة المشكلات ونفاد صبر الشعوب وركون الأنظمة لشعور الاستعلاء مما أدى إلى انفجارات متتالية أنتجت الربيع العربي الذي لم يكن الغرب على علم بتفاصيله حيث تجاوز الوضع جميع التحليلات والمعلومات المتاحة له في هذا الوقت...كما مر يتبين أن الربيع العربي لم يكن خيارا بقدر ما كان ضرورة حيث انسدت الطرق المتوفرة للتغيير السياسي تماما وبالتالي كان ينبغي القيام بعمل ما قبل حصول الكارثة, وهو ما حدث إلى حد كبير في هذه الدول الأربع حيث كانت الخسائر المتوقعة أكبر بكثير ولكن الحيرة جاءت من عدم وصول هذه البلدان للاستقرار واندلاع أعمال عنف فيها حتى الآن وهو أمر طبيعي لأسباب عديدة وإن كان هذا لا يعني الاستسلام لها دون محاولة تجاوزها...

 

وأول هذه الأسباب أن الأنظمة التي حكمت هذه البلدان رسخّت وجودها في شتى أرجاء مؤسسات الدولة عن طريق شبكة واسعة من المصالح والعلاقات وجرّفت المجتمع من جميع الكفاءات وحرمتها من ممارسة السياسة أو المشاركة في إدارة شؤون البلاد مما أدى إلى عدم اكتسابها أدنى خبرة في هذا الشأن الذي يتميز بالتعقيد خصوصا مع تشابك العلاقات والمصالح الإقليمية والدولية..

 

السبب الثاني هو أن كثير من الفعاليات السياسية فاجأها التغيير ولم تكن قادرة على استيعابه فأصابها بحالة من النهم والطمع والخوف من الرجوع مرة أخرى إلى دائرة النسيان كما فاجأها وجود تيارات إسلامية قوية لم تكن تضعها في الحسبان, على الجهة الأخرى لم تحسن القوى الإسلامية فهم أبعاد المعركة و المتغيرات الحادة في أمزجة الناس وطموحاتهم اللانهائية بعد سنوات من الكبت, كما لم تفلح في إقامة تحالفات قوية لتطمين القوى الداخلية والخارجية التي تعتريها الهواجس..

 

السبب الثالث له علاقة بمخاوف بعض الدول المجاورة التي تريد حصار هذه الثورات أو تحجيمها على أقل تقدير حتى لا تصل إليها وهو ما أصابها بهوس المؤامرات وإن كان هذا قد يبدو واقعيا في بعض البلدان إلا أن بلدانا أخرى تظل بعيدة عن تحولات حادة مثل هذه نظرا لعدم وجود الأسباب التي أدت إليها حتى لو احتاجت إلى بعض الإصلاحات..

 

يوجد أسباب أخرى أيضا مثل اعتياد هذه الشعوب على القبضة الأمنية من أجل تنفيذ القوانين وشعورها بالحرية تم ترجمته إلى نوع من الفوضى والعشوائية فاختلط الحابل بالنابل واستغلت أطراف سياسية هذه الحالة لتفويت مخططاتها والوصول لأهدافها بعض النظر عن المصلحة العامة, أضف إلى ذلك ضعف النضج السياسي عند النخبة التي تتعامل مع الأوضاع بالمنطق الثوري الغض الذي لا يفرق بين الأحلام الوردية والواقع الذي يعيشه الناس...

 

هذا المشهد المرتبك أخاف الكثيرين على دول في الطريق مثل سوريا والعراق وقوى أنظمتها رغم تهاويها, وللحديث بقية.