نصيحة ... وأنا سيدك !!
28 ربيع الثاني 1434
د. خالد رُوشه

كثيرا ما يسهل علينا أن نذكر بقيمة أوبمبدأ , أن نكتبها , أو أن نخطب بها , أو أن ننصح , يسهل علينا ذلك ..خصوصا إذا كنا متمرسين في ذلك ..

لكن غالبا ما يصعب علينا للغاية أن ننفذ تلك النصائح والوصايا والخطب على أنفسنا إن نحن تعرضنا لذات المواقف !

الحديث عن هذا يطول , لكننا أردنا النظر إليه فيما يخص شأن وحدة الصف الإسلامي , إذ يظهر ذلك الخلل بجلاء , ويبدو ذلك المرض بوضوح , مرض نسيان النفس من الأمر بالخير والمعروف كما قال سبحانه معاتبا على أمثال هذا : " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ...."

فكم من داعية يرفع صوته بأوامر التعاون على البر والتقوى بينما هو متوحد في ذاته بعمله , متفرد برايه , مخاصم للآخرين , وكأنه يقول للناس :" إنها نصيحة ... لكني سيدكم "

وكم من آخر يكتب الكتب والمقالات في التقارب والتعاهد على الخير , بينما هو البعيد عن إخوانه , المخلف لكل عهد معهم , المفارق لكل قيمة تدعو للوحدة !

الطبيعي أن يكون المتحدث مقتنعا بما يحدث به , متشربا لمعانيه , قائما به حق قيام , ثم يبدا في شرحه للناس ونصحهم فيه , ليكون على بينة من أمر تطبيقه , وبيان أصول تنفيذه , وشرح كيفية التغلب على عقباته .

قد نقبل العذر أحيانا من البعض أن ينصح ببعض ما يسعى هو لتطبيقه والعمل به وإن لم يكن قد اكتمل عمله له , كمن ينصح بطاعة وهو يجاهد نفسه للعمل بها ولما يستقر عمله بعد ..

لكن كيف نقبل من دعاة أن يأمروا بالتعاون ثم هم يتفردون , ويأمرون بالوحدة ثم هم يتفرقون ؟! بل إنهم بالأصل رافضين إلا كل من وافقهم , معرضين عن كل من خالفهم ولو في مسألة واحدة ؟!

ههنا تبرز الآثار السلبية للنفوس المريضة , إنه بالفعل لايستطيع السيطرة على سلوك نفسه , ولا يقدر أن يطبق ما يكتبه أو يخطب به على رؤوس المنابر , ذلك أن هواه أقوى من أمنيته , وعجبه بنفسه أكبر من قيمته التي تكلم بها

إنه داء كذلك يتسلل إلى الأتباع , فيصابون به , فتجدهم هم الآخرون يدعون إلى حزبهم وجماعاتهم وفصيلتهم بكل رافة وتحبب , بينما يكشرون عن أنيابهم وتسوء أخلاقهم مع المخالف لهم ولو في مسألة واحدة .

ربما لايشعر كثيرون بأثر هذا الداء العضال بينما يعيشون في حالة راكدة أو حركة ضيقة , لكننا شعرنا به كل شعور بعدما انفتح باب الحرية , ولم يصبح هناك عائق أمام العمل الدعوي والعلمي , عندها شعرنا بأثر ذلك المرض , وراينا قدر الأثر السلبي للفرقة والاختلاف مع التعصب فيهما
... وراينا بأعين رؤوسنا كثيرا ممن ينصحون على المنابر بالنهار ثم هم يقودون طابور الفرقة بالليل .

إننا في حاجة لحسن اختيار لقادة دعواتنا وفصائلنا وتجمعاتنا , وفي حاجة لنفتح الرأي والتشاور في كل قرار يتخذونه , وفي حاجة أن نعلن اعتراضنا بوضوح على كل من خالف قوله فعله وغلا فنحن تحت طائلة السؤال العظيم : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ , كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ "