2 جمادى الأول 1434

السؤال

ما حكم الاحداد على الملوك والزعماء بعد الاعلان عن وفاتهم؟

أجاب عنها:
عبدالعزيز بن باز رحمه الله

الجواب

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهْتَدى بهُدَاه ، أما بعدُ .
فقد جرت عادة الكثير من الدُّول الإسلامية في هذا العصر بالأمر بالإحْدَاد على مَن يموت من الملوك والزعماء لمدة ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر ، مع تعطيل الدوائر الحكومية وتنكيس الأعلام ، ولا شك أن هذا العمل مُخَالف للشريعة المُحَمدية ، وفيه تشبُّه بأعداء الإسلام ، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - صَلّى الله عليه وسَلّم - تَنهى عن الإحْدَاد وتُحَذر منه إلا في حق الزوجة ؛ فإنها تَحِدُّ على زوجها أربعة أشهر وعشرا كما جاءت الرُّخصة عنه - صَلّى الله عليه وسَلّم - للمرأة خاصة أن تحد على قريبها ثلاثة أيام فأقل ، أما ما سوى ذلك من الإحْدَاد فهو ممنوع شرعا ، وليس في الشريعة الكاملة ما يُجِيزُه على مَلِكٍ أو زعيمٍ أو غيرهما ، وقد مات في حياة النبي - صَلّى الله عليه وسَلّم - ابنُه إبراهيم وبناته الثلاث وأعيان آخرون ، فلم يحد عليهم - عليه الصَّلاة والسَّلام - وقُتِلَ في زمانه أمراء جيش مُؤَتَةَ زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رَوَاحَةَ - رَضِي الله عنهم - فلم يَحِدَّ عليهم ، ثم تُوُفِّيَ النبي - صَلّى الله عليه وسَلّم - وهو أشرف الخَلْق وأفضل الأنبياء وسيد وَلَد آدم ، والمصيبة بموته أعظم المصائب - ولم يحد عليه الصحابة رَضِي الله عنهم ، ثم مات أبو بكر الصِّدِّيق رَضِي الله عنه ، وهو أفضل الصحابة وأشرف الخلق بعد الأنبياء فلم يحدوا عليه ، ثم قُتِلَ عمر وعثمان وعلي - رَضِي الله عنهم - وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء وبعد أبي بكر الصِّدِّيق فلم يحدوا عليهم وهكذا مات الصحابة جميعا فلم يحد عليهم التابعون ، وهكذا مات أئمة الإسلام وأئمة الهُدَى من علماء التابعين ومن بعدهم ، كسعيد بن المُسَيَّبِ ، وعلي بن الحسين زَيْنِ العابدينَ ، وابنه محمد بن علي ، وعمر بن عبد العزيز ، والزُّهْرِيّ ، والإمام أبي حَنِيفة ، وصاحِبيْهِ ، والإمام مَالِك بن أَنَس ، والأوْزَاعيّ ، والثَّوْرِيّ ، والإمام الشافعيّ ، والإمام أحمد بن حَنْبل ، وإسحاق بن رَاهُويَهْ وغيرهم من أئمة العِلْم والهدى ، فلم يحد عليهم المسلمون ، ولو كان خيرا لكان السلَفُ الصالح إليه أسبق ، والخير كله في اتباعهم ، والشر كله في مُخَالفتهم ، وقد دَلَّتْ سُنَّة رسول الله - صَلّى الله عليه وسَلّم - التي أسلفنا ذِكْرَها على أن ما فعله سلفنا الصالح من تَرْك الإحْدَاد على غير الأزواج هو الحق والصواب ، وأن ما يفعله الناس اليوم من الإحْدَاد على الملوك والزعماء أمر مُخَالف للشريعة المطهرة ، مع ما يترتب عليه من الأضرار الكثيرة وتعطيل المصالح والتشبُّه بأعداء الإسلام ، وبذلك يُعلم أن الواجب على قادة المسلمينَ وأعيانهم تركُ هذا الإحْدَاد والسير على نَهْجِ سلفِنا الصالح من الصحابة ومَن سلك سبيلَهم ، والواجب على أهل العلم تنبيه الناس على ذلك وإعلامهم به ؛ أداءً لواجب النصيحة وتَعَاوُنا على البِرِّ والتقوى ولِمَا أوجب الله سبحانه من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله - صَلّى الله عليه وسَلّم - وللأئمة المسلمينَ وعامتهم رأيتُ تحرير هذه الكلمة الموجزة .
وأسأل الله عز وجل أن يوفق قادة المسلمين وعامتهم لكل ما فيه رضاه والتمسك بشريعته والحذر مما خالفها ، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا ، إنه سميع الدعاء قريب الإجابة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه .
---------
مجلة البحوث الاسلامية العدد الرابع