أنت هنا

القمة العربية..بشار الذي يرحل
16 جمادى الأول 1434
موقع المسلم

كعادة القمم العربية؛ فقد كان تباين وجهات النظر سيداً في تعاطيها مع الحالة السورية، ومع كل حالة مصيرية تمر بالعالم العربي، لكن على غير السائد فقد حملت هذه القمة جديداً فيما يخص حالة التحول من نمط إلى آخر في التعامل مع المسألة السورية.
هذه المرة، وكمثل حالة ليبيا؛ فإننا يمكن أن نبدأ توقيتا جديدا لسوريا بعد خلو مقعدها من السفاح بشار الأسد وتسليم المقعد إلى الشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري (المستقيل حتى الآن)، بما يعد علامة فارقة لسوريا جديدة بلا ديكتاتورية.
تلك إشارة لابد أن تلتقط في كثير من العواصم؛ فـ"الشرعية" تتآكل هذه المرة فعلياً، وهذه المرة سياسياً بعد أن تآكلت بالفعل ميدانياً؛ فلأول مرة لا يجلس نصيري على هذا المقعد منذ أربعين عاماً ونيف، وهذا له دلالته دون النظر إلى المسارات التي يرنو إليها الفاعلون في الشأن السوري، أو للدقة، الدول التي تريد أن ترسم مستقبل سوريا على عينها.

غير مجهول أن ثمة مسارات مختلفة تسعى إليها أطراف متباينة من داخل سوريا وخارجها، نستطيع أن نجملها فيما يلي:

1 ـ مسار الثوار وكتائب المجاهدين في ربوع سوريا المترامية سواء أكانوا تحت مظلة الجيش السوري الحر أم لم يكونوا، وهو مسار يسعى إلى الإطاحة الكاملة بنظام بشار وإحلال حكومة يفرزها الشعب السوري، مع اختلافات بين من يريدها مفروضة بقوة السلاح ومن يتطلع إلى تأمين سبيل انتخابات حرة ونزيهة في البلاد، يتحول فيها مجمل الثوار المسلحين إلى العمل الحزبي السياسي.

2 ـ مسار يسعى إلى بقاء النظام الحالي مع تطعيمه بمعارضة مستأنسة، وهو ما يبذل فيه النظام السوري والروس والإيرانيون قصارى جهدهم، وفي حال تعذر ذلك؛ فربما يقبل بنوع من تقاسم السلطة السياسية فقط.

3 ـ مسار تحبذه بعض الدول العربية التقليدية، والغربية و"إسرائيل" ويقضي برحيل بشار والعديد من أركان حكمه السياسيين، مع الإبقاء على المنظومة الأمنية والعسكرية النصيرية بقوة ما للإبقاء على مصالح تلك الدول الآنفة الذكر، أو تغيير التركيبة العسكرية جزئياً بحيث يبقى نفوذ مقبول للطائفة، مع عزل القوى المتهمة بالتطرف والإرهاب بحسب تلك الدول.

4 ـ مسار تفضله بعض الدول العربية وساسة إسلاميون ووطنيون في سوريا وفي المنفى، ويتم بموجبه الضغط بالعمل العسكري من أجل تقليل التنازلات التي تسعى إليها الأنظمة المساندة للنظام السوري، وتسعى في هذا السياق إلى تقديم صورة سياسية مرنة كواجهة للعمل العسكري، وهي تدرك أن عليها أن تتفهم الوضع القائم وتحدياته.

لكن أيا ما كانت تلك المسارات؛ فإن الخطوة التي جرت في الدوحة بتسليم مقعد سوريا إلى الائتلاف الوطني، ورفع العلم السوري الثوري في قاعة المؤتمر، والبدء بتسليم السفارات إلى مسؤولين من الائتلاف السوري هو مكسب السوريين الأساسي من القمة العربية، وهو لحظة فيصلية مهمة سيفيد منها المخلصون للثورة السورية على تنوعاتهم، وهي مع ذلك فاتحة باب لتحدٍ جديد ينبغي أن يدركه كل الميدانيون على الأرض، بأن عليهم أن يسارعوا إلى إنضاج وحدة إسلامية للقوى العاملة تحت مظلة الحر أو خارجه بغية تقوية نفوذها ووضعها التفاوضي في هذا الظرف الدقيق بحيث تفرض نفسها كلاعب أساسي بل ربما وحيد للمعادلة السورية، وهو الآن آكد من كثير من الانتصارات الميدانية هنا أو هناك، فاللحمة الميدانية في هذه المرحلة بالذات، وبعد تطورات القمة وغيرها، تستدعي وعياً فائقاً من العسكريين في محافظات سوريا المحررة وشبه المحررة.