"القوة 121" وفظائع معسكر ناما
22 جمادى الأول 1434
تقرير إخباري ـ نسيبة داود

المزيد من الفظائع تتكشف يوما بعد يوم عن جرائم الاحتلال الأمريكي للعراق. جرائم تكشف عن الأمراض النفسية التي يعاني منها جنود المارينز أكثر مما تكشف من أسرار تلك الجيوش. وهي تكشف كذلك طريقة "تقنين التعذيب" التي انتهجتها الإدارة الأمريكية في حربها الدامية.

واليوم، وفي الذكرى العاشرة للاحتلال الأمريكي للعراق، يخرج عدد من الجنود البريطانيين في سلاح الجو عن صمتهم للمرة الأولى ويفصحون عن الفظائع التي شاهدوها خلال مشاركتهم في إدارة معسكر ناما السري في بغداد.

هذا المعسكر الذي أنشأته في السابق حكومة صدام حسين، ثم سيطرت القوات الأمريكية عليه بعد احتلالها العراق، أطلق عليه الجنود الأمريكيون اسما من كلمات بذيئة توافق في اختصارها كلمة NAMA.

ونقلت صحيفة الجارديان البريطانية في عدد يوم الاثنين عن الجنود الذين تسلموا مهام في هذا المعسكر قولهم إن محتجزين اعتقلتهم قوات بريطانية وأمريكية مشتركة تعرضوا لانتهاكات "فظيعة" داخل مركز الاعتقال.

وأضافوا أن السجن كان مسرحا لأسواء التجاوزات لحقوق الإنسان في العراق عقب الاحتلال الأمريكي، شارحين أن التجاوزات بحق المعتقلين تمت أثناء استجوابهم من جانب محققين من الجيش الأمريكي ومحققين مدنيين، حيث جرى استخدام وسائل تعذيب بشعة، لم تدينها منظمات حقوق الإنسانية الأمريكية فحسب، بل حتى المحققين التابعين للبنتاجون.

ويذكر الجنود للصحيفة أن معسكر ناما كان مليء بتحذيرات مكتوب عليها "لا دماء، لا مخالفة": بما يعني أنه إذا لم يتسبب المحققون في إدماء المعتقل فإنهم لن يتعرضوا لإجراء تأديبي، وهو ما يعني أن كل وسائل التعذيب الأخرى متاحة.

والمعتقلون هناك جرى احتجازهم من قبل "قوات المهام 121" وهي وحدة عسكرية مكونة من القوات الأمريكية والبريطانية الخاصة، أوكلت إليها مهام ملاحقة الأشخاص الذين كان يشبته في معرفتهم بمكان اختباء الرئيس الراحل صدام حسين، والموالين له، بجانب قيادات تنظيم القاعدة التي ازدهرت بعد انهيار النظام.

وتذكر المصادر أن الهدف الأساسي من المعسكر كان استجواب كل من يشتبه في أن لديه معلومات عن القيادي في تنظيم القاعدة أبو مصعب الزرقاوي.

وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد أشارت في تقرير لها بعد ثلاث سنوات من الغزو أن الاستجوابات جرت في معسكر ناما قبل فضيحة سجن أبو غريب وبعدها أيضا. وأضافت أن الاستجوابات تمت في "الغرفة السوداء" وهي غرفة استخدمها نظام صدام حسين في عمليات التعذيب التي كان يمارسها ضد المعتقلين، وكذلك استخدمتها القوات الأمريكي في استجواب المعتقلين "ذوي القيمة الكبيرة" لديهم. وهذه الغرفة كما يبدو من اسمها، كانت سوداء في معظمها وليس بها أي شيء سوى خطاطيف تتدلى من السقف. وقد استعمل حراس السجن الأمريكيين موسيقى الروك آند رول وموسيقى الراب عالية الإيقاع من أجل زيادة تعذيب المعتقلين خلال الاستجوابات.

وكانت مقالة نيويورك تايمز قد ذكرت أيضا أن من بين الأماكن التي يجرى فيها التعذيب داخل المعسكر قسم أطلق عليه اسم غريب، هو "موتيل 6" وهي مجموعة من الأكواخ المبنية بغير عناية من الأخشاب الرفيعة وتفوح منها رائحة التبول والتغوط. وكانت أوضاع المعتقلين فيها مزرية حيث أكره الكثيرين منهم على الجلوس في وضع القرفصاء أو الانحناء.

وهناك كذلك منطقة أسماها جنود الاحتلال "فندق كاليفورنيا" وهو عبارة عن مجموعة من المقصورات الصغيرة التي جرى فيها احتجاز المعتقلين.

وطبقا لشهادة الجنود البريطانيين للجارديان، فقد تم اعتقال العديد من المعتقلين عن طريق فرق اختطاف متخصصة تكونت من القوات الخاصة الجوية والبحرية.

وذكر الجنود أن القوة 121 المشتركة بين القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية كانت مخولة في البداية باعتقال كل من يعتقد أن لديه معلومات عن أسلحة الدمار الشامل التي زعم الأمريكيون أن صدام حسين يمتلكها.

وحالما تم الإعلان عن أن نظام صدام حسين ليس لديه أسلحة دمار شامل، تم توجيه القوة 121 لتعقب الأشخاص الذي قد يكون لديهم مهلومات عن مكان صدام حسين والموالين له. ثم بعد ذلك طلب منهم اعتقال أشخاص لاتباطهم بتنظيم القاعدة بعد انهيار نظام صدام حسين.

وفي الذكرى السنوية العاشرة للاحتلال بدأ جنود سابقون في القوة 121 وكذلك القوة 6-26 التي خلفتها في مهامها، يروون الانتهاكات التي شهدوها، ويؤكدون أنهم قدموا شكاوى ضد إساءة معاملة المعتقلين. لكن المسؤولين في وزارة الدفاع يقولون إن ليس لديهم شكاوى مسجلة عن إساءة معاملة السجناء.

وتشير الصحيفة إلى أن الانتهاكات في سجن أبو غريب الواقع على بعد أميال قليلة من المعسكر ناما لاقت اهتماما واسعا في الصحافة بسبب الصور التي تسربت لتظهر أوضاع المعتقلين والانتهاكات التي مورست بحقهم. أما معسكر ناما لم يلق هذا الاهتمام الإعلامي "لسبب بسيط هو أن التصوير كان ممنوعا".

وروى أحد الجنود البريطانيون كيف تم اعتقال شخص معاق، حيث جرى انتزاع قدمه الاصطناعية وضربه بها على رأسه ثم إلقاؤه داخل شاحنة.

ومن بين الانتهاكات التي رووها أن المعتقلين كانوا يتعرضون للصعق بالكهرباء، وكان يتم تعليقهم في خطاطيف متدلية من السقف، وبشكل روتيني.

وكان السجناء يُأخذون إلى حاويات شحن كاتمة للصوت من أجل التحقيق معهم، ثم يخرجون في حالة من الهزال البدني.

ويقول أحد الجنود: "كان السجناء يُحضرون إلى داخل المعسكر بطائرات الهليكوبتر، كل على حدة. ومن ثم يأخذون في مجموعات كبيرة إلى حظيرة حيث يتم "تكييسهم ووسمهم" حيث توضع أكياس على رؤوسهم وتربط أيديهم خلف ظهورهم بأربطة بلاستيكية، ومن ثم يتم اقتيادهم إلى مركز العمليات المشتركة.

وتذكر تحقيقات مؤسسات حقوقية أمريكية أن المحتجزين تعرضوا للضرب وللبرد القارص وللتهديد بالقتل وللإذلال وأصناف مختلفة من التعذيب البدني في مركز العمليات المشتركة. وتذكر نيويورك تايمز أن المعتقلين جرى ضربهم بأعقاب البنادق وتم إطلاق قذائف كرات الألوان عليهم.

كانت هناك الغرفة السوداء سيئة السمعة، وكذلك الزرقاء والحمراء حيث تتم صنوف مختلفة من التعذيب، إلى جانب الغرفة اللينة، وهي كانت تستخدم في حال أرادوا أن يظهروا بعض اللين مع أحد المعتقلين.

ويقول أحد الجنود: "الكل رأى صور أبو غريب، لكنني رأيتها بأم عيني"، ويضيف أنه في الأوقات التي لا يتم فيها استجواب المعتقل، كان يحتجز في زنزانة لا يزيد حجمها عن بيت كلب كبير، "وكانت مصنوعة من شبكة من الأسلاك ولها أسطح مموجة مائلة". وكانت هذه الزنازن "بارتفاع الصدر وعرض قدمين، وكان هناك نحو 100 زنزانة بهذا الشكل مصطفة في ثلاثة صفوف، وكان دائما هناك معتقل في كل زنزانة.. كانوا يتجمدون في الليل وكان الجو شديد الحرارة بالنهار".

ويوضح أحد الجنود أن المعتقلين "كان أغلبهم رجال، بالرغم من أنني رأيت امرأتين جرى أخذهم إلى مركز القيادة المشتركة من أجل التحقيق، ولا أعرف ما حدث لهما أو لأي من المعتقلين الرجال بعد انتهاء التحقيقات".

بعض المشاهد في ناما كانت مزعجة لدرجة أن عدد من العاملين هناك كان ينظر في الاتجاه الآخر بدلا من أن يشاهد عملية التعذيب. فيقول أحد الجنود: "أتذكر يوما كنت في مهمة حراسة في موقع يطل على تلك الزنازن الشبيهة بيوت الكلاب، وكان الشخص الذي يحرس معي لا يريد حتى أن ينظر إليهم.. كنت أقول له: استدر وانظر إليهم. لكنه رفض، لم يرد أبدا أن يستدر لأنه يعلم ماذا هناك".

لكن أعجب ما في الأمر أن المحققين الذين يمارسون التعذيب ضد المعتقلين كان يفعلون ذلك بشكل رسمي. إذ كانت هناك وثائق جاهزة للطباعة على الكمبيوتر في المعسكر، وإذا ما أراد أحد المحققين أن يستخدم إحدى وسائل التعذيب في استجواب المعتقل فإنه يطبع إحدى هذه الوثائق ويضع علامة على الوسيلة التي يريد استخدامها، ومن ثم يوقعها له رئيسه المباشر، لتصبح ممارسته رسمية.

جدير بالذكر أن هذه المؤسسة تستخدمها الآن حكومة المالكي الشيعية لإيداع المعتقلين المناهضين لها من أهل السنة.