"ناقة" أولاند في انتخابات مالي
2 جمادى الثانية 1434
تقرير إخباري ـ نسيبة داود

العسكر في مالي سرقوا جملا ثم أهدوه إلى أولاند.. لم يستطع أولاند أن يأخذ الجمل معه لفرنسا لأن الجمل العربي الأصيل لا يستطيع تحمل أجواء الغرب الباردة.. ترك أولاند الجمل لدى عائلة مزارع في مالي.. المزارع كان بيته قد دمّر تماما في القصف الفرنسي لبلاده.. ذبح المزارع الجمل ثم أكله في وجبة شهية مع عائلته.

ليست هذه طرفة، بل قصة حقيقية مليئة بالعبر، علينا أن نسترجعها في أتون الاستعدادات لانتخابات رئاسية تجرى في مالي في يوليو المقبل، وهي أول انتخابات بعد التدخل الفرنسي لمصلحة العسكر على حساب الشعب والإسلاميين، كما أنها تتم في ظل حكم عسكري وبلا ضمانات حقيقية.

فحزب الرئيس الحالي المؤقت لمالي ديونكوندا تراوري، هو "حزب التحالف من أجل الديمقراطية"، أعلن الأربعاء عن خوض الانتخابات بمرشح آخر هو درامان ديمبيلي -وهو مهندس تعدين يبلغ من العمر 46عاماً؛ إذ إن الاتفاق الذي سمح بقيادة البلاد في الفترة الانتقالية نص على منعه من خوض المنافسة في الانتخابات المقبلة.

والحزب المدعوم من العسكر والذي يسيطر قائده تراوري على وزارة الداخلية، له بالفعل له 54 مقعدا بالجمعية الوطنية (البرلمان) من إجمالي 160 مقعداً، وذلك منذ الانتخابات السابقة التي جرت في 2007.

وسيواجه مرشح الحزب ديمبيلي في الانتخابات المقبلة حوالي 12 مرشحاً آخر من بينهم رئيس الوزراء السابق إبراهيم أبوبكر كيتا، لكن تقديرات المحللين تشير إلى أنه سيكون بمقدوره الاعتماد على شعبية حزب التحالف من أجل الديمقراطية.

ورغم ترويج فرنسا بأنها ليس لها في تلك الانتخابات ناقة ولا "جمل"، إلا أن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس قال بعد لقائه الأسبوع الماضي مع الرئيس المؤقت لمالي: "نحن في مالي لبحث العملية الانتخابية ولتقييم الوضع الأمني.. يجب إجراء انتخابات في يوليو لتكون هناك شرعية ديمقراطية جديدة".

ثم ما لبث أن أشار إلى أن فرنسا سوف تهتم لمالي "بالشق الأمني" ليتفرغ الماليون لبناء البلاد، فقال: "يجب أن يؤدي الماليون قسطهم من العمل. من المريح كثيرا بالنسبة لهم أن نهتم بالشق الأمني، لكن عليهم أن يتقدموا من جانبهم على الصعيد السياسي".

وقبلها بأيام قال فابيوس للبرلمان الفرنسي إن "الوضع الأمني في مالي يتحسن وإنه يجب تحويل الاهتمام إلى التنمية السياسية والاقتصادية. لكن لا يزال هناك شكوك تكتنف استعداد مالي لإجراء انتخابات في ثلاثة أشهر".

ولأجل هذه الشكوك فقد رأت فرنسا -التي تتحدث ليل نهار عن انسحاب قواتها من مالي قبل الانتخابات- أن تبقي ألف جندي فرنسي في مالي. وقال فابيوس بعد لقاء تراوري إن "فرنسا اقترحت على الأمم المتحدة وعلى الحكومة المالية أن تؤازرها قوة دعم فرنسية قوامها ألف رجل، على أن تكون دائمة وفي مالي ومجهّزة لمكافحة الإرهاب".

إذا ستتم هذه الانتخابات في الواقع تحت الاحتلال الفرنسي من أجل الحصول على "الشرعية" من الغرب الذي دعم فرنسا في احتلالها.

ويشكك المراقبون كثيرا في إحداث خفض سريع للقوات الفرنسية البالغ قوامها حاليا أربعة آلاف جندي، خاصة وأن قوات الإسلاميين لا تزال مستمرة في هجماتها على القوات الفرنسية وقوات الجيش المالي، إلى جانب تأخر محادثات المصالحة مع متمردي الطوارق الذين دعموا الإسلاميين لبعض الوقت قبل أن تحدث بينهم خلافات.

وكانت احتجاجات الطوارق على النظام المالي سببا رئيسيا في سقوطه وسيطرة الإسلاميين على شمال البلاد، بينما بقي الجنوب في أيدي العسكر الذين نفذوا انقلابا على النظام السابق وسيطروا على الحكم.

وكانت فرنسا قد شنت هجوما بريا وجويا في 11 يناير الماضي على قوات المقاتلين الإسلاميين الذين كانوا يسيطروا على شمال البلاد، ما أدى إلى تراجعهم وسقوط عدة مدن رئيسية في أيدي الاحتلال.

ومذ ذاك وفرنسا تتحدث عن عودة السيادة إلى مالي، رغم الوجود الفعلي للاحتلال، وتؤكد في كل المناسبات الرسمية على أنها لن تدعم طرفا على حساب طرف في الانتخابات المقبلة، بالرغم من الدعم المستمر لحزب "التحالف من أجل الديمقراطية" الذي لا تخطئه عين المراقب.

لكن الشعب المالي العريق في عروبته وإسلاميته إذا ما أتيحت له فرصة لإجراء انتخابات نزيهة، فإنه بلا شك –وكما حدث في كافة دول الربيع العربي- سيختار الأقرب لهويته الإسلامية. وسيتذكر العالم أن مصير جمل أولاند المسروق كان الذبح على أيدي بسطاء في مالي.