فوضى ولا ابا بكر لها !
23 جمادى الثانية 1434
صلاح فضل توقة

منذ سقوط الأنظمة الديكتاتورية في دول ما يسمي بثورات الربيع العربي، وهذه الدول تتعرض لموجات من الفوضى، تظهر أحياناً، وتختفي في أحيان أخرى، ولكنها لم تنتهي بعد.

وهي وإن كانت "فوضى" إلا أنها منظمة ومخططة وموجهة، لتحقيق أهداف تخدم أصحاب المنافع وسدنة الأنظمة البائدة، الذين ضرهم أن تتنفس هذه الشعوب نسيم الحرية، لتفيق من غفلتها، والأهم أنها في طريق العودة إلى ربها ودينها، مما زادهم هماً وغماً على ما هم فيه. فرغم ما بذلوه عبر سنوات طوال لإلهاء الناس و صدهم عن الدين،إلا أن مجهودهم ذهب جفاء، ومكث دين الله في القلوب ، ليشرحها ويضيء طريقها وفي الواقع ليسوس ويحكم الناس.

والفوضى ظاهرة بشرية، ذات تاريخ ممتد امتداد عمر الإنسان، بدأت أولى وقائعها عندما قتل قابيل هابيل، خارجاً عن سلطة أبيه آدم ورافضاً لحكمه.
وقد ترجع " الفوضى" إلى أسباب متعددة ومتشابكة ،لعل من أهمها:

ضعف السلطة الحاكمة وعدم قدرتها على تصريف شؤون الدولة، وبسط سلطانها على أراضيها ورعيتها.

تغير أنظمة الحكم في الدولة.

غياب العدالة .

وهذه الأسباب الثلاثة، متحققة بدرجة كبيرة في حالة دول الربيع العربي ، ففي تونس ومصر وليبيا، تجد أن مشاهد الفوضى متكررة، مع اختلاف شخوص الفاعلين، فما يحدث في تونس مثلاً يتوقع أن يحدث في مصر، أو ليبيا.

وأصبحت مشاهد، قطع الطرق، واحتلال الميادين، والاعتداء على مؤسسات الدولة، وممتلكات الأفراد، من المشاهد التي أعتادها مواطنو هذه الدول، وباتت من الوسائل المستخدمة للضغط على السلطات ، من أجل الحصول مكاسب فئوية،أو إظهار ضعف وعجز الدولة ، والعمل على إسقاطها.

وقد شهدت الدولة الإسلامية، منذ قيامها عدة موجات من الفوضى، والقلاقل، قام بها خصوم الإسلام من المنافقين والكفار، لهدم الدولة وتقويض سلطانها.
وعقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، تعرضت الدولة الإسلامية لموجات عارمة من الفوضى، مع بداية عهد خليفة رسول الله،أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

ولقد كانت هذه الفترة الانتقالية، بين عهدي النبوة، والخلافة الراشدة، من أشد الفترات التي تعرضت فيها الدولة الإسلامية للفوضى والمحن، بغرض قهر سلطان الدولة، والخروج عن طاعتها، وهذا ما مثلته حركات المرتدين، ومانعي الزكاة، التي بدأت بوادرها في نهاية حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ما لبثت أن تطورت وبلغت ذروتها بعد وفاته. وعلى حدود الدولة يراقب كلا من الفرس والروم ما يجري في الداخل، ويتأهبون لكسرة شوكة المسلمين، وإنفرادهم بقيادة العالم من جديد.

وبالغت هذه القوى في استعراض قوتها،ورفع صوتها،في تحد سافر لدولة مأزومة، خُيل لمثل هؤلاء الفوضويون، أن الفرصة سانحة للانقضاض عليها وهدمها.
وكان رأي عمر بن الخطاب ، إزاء هذه الأحداث هو عدم قتالهم لأنهم مسلمون ينطقون الشهادتين ، وقد يكون الوقت عاملاً مفيدا في نصحهم واستتابتهم. لكن موقف الخليفة أبو بكر الصديق – يأتي بعكس ذلك، وخلافاً لما هو معروف عنه من لين ورحمة، فهو الرجل الأسيف البكاء، ولكنه – رضي الله عنه – يبدى شدة وصلابة وثبات في موقف، لايصلح فيه غيرهما ، فيرد في ثقة " والله لومنعوني عقالاً كانوا يؤدنه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه"

وهذا الموقف حمى دولة الخلافة، من فتن لا يعلم مداها إلا الله، وثبت أركانها، وبث الطمأنينة في قلوب أفراد المجتمع، والثقة في قدرة قيادتها على إدارة شؤون الخلافة، واتخاذ القرارات الحاسمة أوقات الأزمات.

وقد تضمن هذا المشهد من تاريخ المسلمين، عوامل مواجهة الفوضى والقضاء عليها ، نستخلصها ونقدمها كمحاور يسترشد بها صناع القرار، للقضاء على الفوضى في بلادنا وهي :.
*الثبات على الحق، وعدم التفريط في ثوابت الأمة العقدية والدنيوية مهما كانت الظروف.

* القيادة الراشدة التي تمتلك القدرة على قراءة الواقع واتخاذ القرار المناسب.
* الشورى، وتقريب أهل الفقه الخبرة.
* المكاشفة والمصارحة، بين الحاكم والرعية.
* الحنكة والخبرة " كبار الصحابة" والقيادات الشابة الواعدة " أسامة بن زيد"
* ثبات إستراتجية المواجهة مع الأعداء، والعمل من أجل المشروع الإسلامي.