لغة الشيطان !
28 جمادى الثانية 1434
د. خالد رُوشه

[email protected]

مع تغيرات المجتمعات , وتقدمات الحياة , وفي وسط أتون الصراعات الشخصية والمصلحية والحزبية , يسقط الكثيرون في وحل الانتقاص من خصومهم , يسبونهم , يغتابونهم , يسخرون منهم , يسمونهم بالنقائص والشينات , وربما لعنوهم في بعض الأحيان ..

ولعمري إن ذلك لمن الشيطان ,وإن كلماتهم للغة الشياطين , فمهما كان الخلاف فقد علمنا ديننا أن يكون بالعدل منطقنا , ومهما كانت صراعاتنا السياسية او الحياتية فقد أمرنا سبحانه بالعدل في الحكم على الناس " اعدلوا هو أقرب للتقوى "

والكلمة السيئة المنتقصة للآخرين داء عضال , والوقوع في أعراض الناس كبيرة من الكبائر , فكيف نستبيح بكلماتنا أعراض القوم ؟! وكيف نستبيح غيبتهم ؟! وكيف نستبيح ظلمهم

إن سبب هذا الداء هو نقص التقوى , وسيطرة الهوى , واشتداد التعصب للناس والجماعات والأحزاب , ما جعلت الساب والمنتقص ينسى الفضائل ولايهمه إلا النقائص , وسببه كذلك نسيان خطر الكلمة , والاستهانة بقيمتها وقدرها

لقد رفع أقوام بكلماتهم , وسقطت مدائن بأحاديث أبنائها , وأنشئت علاقات دولية بتعبيرات جادة , ونشأت حروب بخطب متغابية , تقارب أناس بتعبيرات صادقة وتفرق آخرون ببضع أحرف جافة !

والكلمة للدعاة إلى الله قيمة عليا , وحساب دقيق , وانتقاء دائم , ورؤى واضحة بينة .

والكلمة للقائد فكرة , ومبدأ , والتزام , وعهد , وحسم وحزم وقرار .

إنها رسالة مؤثرة في النفوس إما سلبا او إيجابا فكم من الناس رفعتهم كلمة وكم من الناس أحبطتهم ووضعتهم كلمة يقول الله سبحانه " ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء , تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون , ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار " إبراهيم

لقد صورها القرآن إذن كأنها الشجرة ذات الجذور الثابتة والراسخة في الأرض، والأغصان العالية التي تكاد تطال السحاب ، لا تنال منها الرياح ، ولا تعصف بها العواصف ، فهي تنبت من البذور الصالحة، وتعيش في الأرض الصالحة، وتجود بخيرها في كل حين، ثم تنعم بالظلال الوارفة، وبالثمار الطيبة التي ينتفع منها الناس

أما الكلمة الخبيثة، فهي ضارة تضر صاحبها، وتضر ناقلها ، وتضر متلقيها، وتضر كل من نطق بها، وتسيء لكل سامع لها، فهي كالشجرة الخبيثة، أصلها غير ثابت، ومذاقها مر، وشكلها لا يسر الناظرين، أنها في حقيقة أمرها هزيلة ضارة

ولم يجعل القرآن الكلمات مجرد مقولة فقط , بل بين في موضع آخر وآية أخرى أنها مرتبطة بالعمل الصالح , فيقول القرآن الكريم : " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " فأخبر أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب وأخبر أن الكلم الطيب يثمر لقائله عملا صالحا في كل وقت ( إعلام الموقعين )

والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد المقالة ويوضح الفكرة ويعلي المسئولية فيقول : " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات , وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي بها بالا يهوى بها في نار جهنم " ( البخاري )

بل إنه ليعتبر أن على المرء ألا يقول إلا خيرا ونفعا وأنه لو أراد أن ينطق غير ذلك فالأولى له أن يصمت , فهو نوع واحد يجب أن يدرب المؤمن لسانه عليه من الكلمات فيقول صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " ( البخاري )

إن أناسا قد استهانوا بمشاعر غيرهم فراحوا يكيلون لهم جارح الكلمات في وجودهم تارة وفي غيبتهم تارة , فكان لهم في كل ساعة كليم من حديثهم وهم لايأبهون .

وآخرون أفقدوا كلامهم قيمته بمداراة باهتة , أو بمزحات فارغة , فخسروا قيمة الجد الوقور , وحاموا حول حمى الكذب يوشكوا أن يرتعوا فيه .

فيا فلاح قوم راقبوا ربهم في كل حرف , وياويل آخرين ارتكسوا في حمأة الاجتراء على عباد الله الساكتين إلا عن الخير !