ملامح الحل الدولي لأزمة سوريا (2)
28 جمادى الثانية 1434
أمير سعيد

ثمة إشكالات تعترض طريق من يريد تحقيق ما ذكرته آنفاً في الجزء الأول عن مرتكزات الخارج في إطلاق صافرة النهاية للثورة السورية، وهي:
- المشكلة الكردية.
- المشكلة العلوية.
- المشكلة السياسية.
- المشكلة الحدودية.
- المشكلة الإقليمية (امتداد وتصدير الثورة).
- المشكلة العسكرية.

ولدينا في المشكلة الكردية أكثر من بعد، يتعلق بعضها برغبة بعض الحركات الكردية في الاستقلال، وبعضها في إجراء تغييرات جوهرية في مسألة الهوية الجامعة للسوريين، وكذلك لدينا مشكلة الانقسام بين أبرز جهتين كرديتين في سوريا، وهما الهيئة الكردية العليا والاتحاد السياسي الكردي، وتنامي الغضب الداخلي من ممارسات (قوات الاسايش)، كذلك من مدى التعاطي الإيجابي أو السلبي من قبل القوى المسلحة (العربية السورية) على الأرض مع طموحات القوى الكردية، وكذلك؛ فإن مناقشة القضية الكردية السورية بمعزل عن قضايا الأقليات عموماً هو طرح خيالي إلى حد بعيد.
وكذلك؛ فإن المشكلة العلوية لديها أكثر من بعد، يتعلق بمستقبل الأقلية، فالرغبة الدولية في الشرق والغرب ويوافقها بعض حكام العرب تقضي ببقاء نفوذ ما للأقلية في المؤسستين العسكرية والأمنية في مرحلة ما بعد بشار، ويبدو أن كثيرين لا يقبلون بأكثر من تغيير شكلي في المنظومة الحاكمة يقضي بأن تبقى مؤسسة الرئاسة في العهدة السنية وكذلك كبار رجال الدولة المدنيين، مع الإبقاء على ضمانات عسكرية وأمنية للعلويين ولـ"إسرائيل"، تحقق ثباتاً في الحالة التي كانت تتمتع بها "إسرائيل" من الهدوء المزمن على الجبهة السورية. أيضاً؛ فإن الإجماع الدولي حول ضرورة الإبقاء على الحدود السورية الحالية لم يتحقق بعد، وبالتالي؛ فإن التمهيد الجاري في الساحل السوري لدولة علوية كحل أخير قد يلجأ إليه النظام إذا تقطعت به السبل للحكم هو تطور طبيعي لمجريات الوضع الميداني الذي تتراجع فيه قوات النظام لصالح المسلحين. بما يعني أننا إزاء حلين للمشكلة العلوية، أحدهما محل ترجيح، وهو الإبقاء على الطائفة العلوية كشريك رئيس في الحكم من دون انفصالها سياسياً بدولة مستقلة، والآخر هو الانفصال التام وتقسيم سوريا بالكلية.
وما ينجم الآن عن رؤية مجمل ما يحدث في الساحل السوري (بانياس واللاذقية)، وحمص من "تركيس طائفي" وتهجير قسري يشي بأن الشوط الأخير من المارثون السوري قد شارفت على النهاية.
وربما نحن أمام حل بوسنوي لسوريا يتلخص في وحدة هشة ونفوذ قوي للطائفة العلوية فيما يشبه دولة مستقلة (إقليم علوي بالساحل)، وكذلك إقليم كردي، وكلاهما يحاكي بالترتيب الحالتين الصربية والكرواتية في البوسنة، حيث لم يسمح الظرف الدولي بدولتين لهما ولكنهما تمتعتا باستقلال كبير عن الدولة المركزية، من دون أن يحرمهما من ممارسة نفوذ على الدولة المركزية، وبالخصوص هنا الحالة العلوية، التي تتقدم في دورها الوظيفي لحماية "إسرائيل" عن دور الأكراد الذين ليست لديهم رغبة في ممارسة دور كهذا بالكلية.
وفيما يخص السياسة، والعسكرية، فمن يتطلع إلى وضع حل ناجح للأزمة السورية سيصطدم، أو بالأحرى لربما تحديداً بعض العواصم الدولية هي من تريد أن يصطدم الحل بعراقيل تتعلق بتركيبة الائتلاف السوري، وحرص تلك العواصم على تغريبه وضمان نفوذ العلمانيين به عبر سلسلة من الإجراءات تتعلق بإشراك منظمات "المجتمع المدني" المرتبطة بالغرب لاسيما ما يتعلق بحقوق الإنسان والمرأة..الخ، وكذلك دمج المعارضة المستأنسة الداخلية بالائتلاف، وبالتالي خصم رصيد جماعة الإخوان من الائتلاف، هذا من جهة، ومن جهة أخرى العمل على تحييد الفصائل المقاومة بالداخل لاسيما الجبهة الإسلامية وأحرار الشام وأيضاً جبهة النصرة التي بدورها تصدر كمعرقل للحل السياسي من جهة، وتستخدم من قبل النظام وحلفائه كفزاعة لمنع تسليح المقاومة السورية للاحتلال الأسدي، وكذلك الحؤول دون توحيد الفصائل العسكرية ومنعها من إبرام اتفاق لتشكيل هيئة تمثيلية سياسية لها، وتشجيع بعض الشخصيات الموالية للغرب في الجيش الحر على التعاطي مع الحل السياسي الغربي/الشرقي الذي يتم طرحه تدريجياً.

بمعنى.. أن ما يتقدم من عراقيل، هي ذاتها مبررات توقيف الحل السياسي وتعطيل تسليح المقاومة والعمل على إبقاء الحالة السجالية بين النظام ومناوئيه.

أيضاً، وإزاء مشكلة الامتدادات الإقليمية للصراع المتعلقة بـ"أمن إسرائيل"، والمشكلة الكردية الممتدة في تركيا والعراق، والمشكلة العلوية الممتدة في الجنوب التركي، والمشكلة الثورية أو للدقة "مشكلة تصدير الثورة فكرياً إلى دول عربية تقليدية"؛ فإن الحل مؤجل الآن لوجود تلك العراقيل وتعقيدات الحل، لكن مع ذلك يمكن تحديد ملامحه فيما يلي:

- العمل على إضعاف طرفي الصراع، النظام ومقاوميه عبر حرب استنزاف طويلة.

- إيجاد صيغة توافقية بين جنرالات العلويين و"معتدلي الحر"، والعمل على تصفية "المتطرفين" وتحييد بعض الفصائل وتشجيع أخرى على الانخراط في تسوية شاملة.

- الخلوص إلى نظام سني سياسياً، في معظمه، وسني/علوي في شقه العسكري، لضمان الإبقاء على تعهدات النظام السابق لدول المنطقة و"الجوار".

- اعتماد حل أقرب إلى "البوسنوية" يأخذ بالاعتبار "حقوق الطائفة العلوية" (هي حقوق استثنائية بالمناسبة تتجاوز فكرة المواطنة إلى التمييز الإيجابي)، ويضمن نفوذها في الدولة المركزية والإقليم العلوي، ضماناً لأمن الكيان الصهيوني.

- العمل على وأد الحالة "النموذجية" للثورة السورية بحيث يتعذر تصديرها لدول أخرى عربية.

- ضمان نفوذ الروس والصينيين والإيرانيين في سوريا، والعمل على تأمين علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة و"إسرائيل".

وإذ يكتنف حل هذه ملامحه الكثير من العقبات؛ فإن الإضعاف والإخماد وتغيير موازيين القوى على الأرض، والمماطلة في الحل السياسي، كفيلة في مجموعها بإحداث مقاربة لإيجاد صيغة ترضي اللاعبيين الرئيسيين، ولا تحرم السوريين من الشعور بالانتصار، حين سيعمل الجميع على تغييب رأس النظام بطريقة ترضي طموح البعض، ويمكن تسويقها ـ كما في دول عربية ربيعية أخرى ـ بغية القبول العام باستمرار أدواته في الحكم القادم..

لربما هذا ما يريده الغرب والشرق اليوم، لكن في النهاية لا مراء في أن ما يريدونه ليس بالضرورة حاصل، لاسيما مع انتباه بعض فصائل المقاومة لمخاطر الحل الغربي، وفشله في تحقيق الاستقرار لسوريا الجديدة، على نحو يمكن تلمس نظيره في الحالة الليبية القائمة.