الأسلمة والعلمنة في الدستورالتونسي الجديد
9 رجب 1434
عبد الباقي خليفة

تختلف زاوية الرؤية داخل الصف الاسلامي في تونس للدستورالجديد، الذي يبدو أن الاعلان عنه سيتأخر بعض الشئ لاختلاف وجهات النظرحول فصوله، ومضامينه ، بل هناك زوايا متعددة للنظر داخل حركة النهضة نفسها.

 

فهناك من من يعتبرأن النسخة الحالية من الدستور، هي أقصى ما يمكن تمريره، وسط الهجمة الشرسة لذيول الردة، ووكلاء الاحتلال، ومن تربوا خارج المحاضن الإسلامية، هناك من يطالب بالتنصيص على أن تكون الشريعة الإسلامية، هي المرجع الوحيد في سن القوانين. وبين هذا وذاك تجد قيادة حركة النهضة نفسها أمام موازين القوى المحلية، وارتباطاتها الخارجية. بل أمام الخارج نفسه، بقضه وقضيضه، وبنكه الدولي، وأذرعه الاقليمية، ونفوذه داخل تونس نفسها.

 

وتستحضرالحركة، في هذا الخصوص خلاصة التجارب الإسلامية، التركية، والسورية، والجزائرية، وليست المصرية عنها ببعيد. كما أن حركة النهضة تتقاسمها نوازع براغماتية، وأخرى حالمة، تستحضرالأولى مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية، بينما ترى الثانية أننا في موقف أقرب ما يكون لفتح مكة. ترى الأولى أن الحركة لم تلعق جراحها بعد، وتجربة الحكم أنهكتها بعض الشئ، وبين من يرى أن الشعب سيكون في صف الشريعة لوتم استفتاءه، لكن دون أن تعمل هذه الجهات المتبنية للموقف الأخير، على النزول للشارع ومخاطبة الشعب، وسط سيطرة شبه مطلقة للقوى المعادية على أهم وسائل الإعلام، والنقابات،علاوة هياكل الدولة التنفيذية على مستوى الادارات والتي لا تزال مترعة بشخوص النظام المنهار،وفلول اليساروكل الانتهازيين.

 

فالاسلاميون ليسوا وحدهم في البلاد، وليسوا القوة المطلقة في الشارع، وليسوا الحاكمين الوحيدين للبلاد، والأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية لا تشجع على اتخاذ اجراءات استثنائية. وكانوا قد استؤصلوا من الجيش والامن بل حتى من الوظيفة العمومية. ولم يكن يسمح لهم بدخول معهد الصحافة وعلوم الأخبار، ومن دخل منهم وهم أقل من أصابع اليد الواحدة، كان فلتة ولم يمكنوا من المؤسسات التي أصبحت نهبا لليساريين، وأبواق النظام السابق، يتصرفون فيها كما لو كانت ملكهم الشخصي، وباسم حرية التعبير، وبدعم داخلي وخارجي، لايمكن النيل منه في الوقت الحاضر. 

 

التطرف العلماني حيال الشريعة: وإن كانت الحالة السائدة في الساحة الإسلامية على مختلف تنوعها،هي التباين في المواقف، فإن الأطراف العلمانية ترفض مجرد ذكر الإسلام في الدستور، فهذا النائب عن الحزب الجمهوري،إياد الدهماني، يطالب بحذف البسملة من توطئة الدستور"يجب حذف البسملة من توظئة الدستور"ويؤيده الصغيرأولاد أحمد الشيوعي ( من الجبهة الشعبية)" يجب حذف البسملة من توطئة الدستورواستبدالها ببيت شعر"وهذا النائب من"التحالف الديمقراطي، محمود البارودي يزعم بأن"الإقراربأن الإسلام دين الدولة يمثل أكبر خطر على الحريات في تونس" بل هناك من تمادى أكثر مثل،النائب عن،الكتلة الديمقراطية، هشام حسني" إحداث المدارس القرآنية وتشجيع البنوك الإسلامية يؤسس لدولة دينية، ويجب حذف التنصيص على ثوابت الإسلام ومقاصده من الدستور( وقد تمت الإشارة لذلك في الدستور) لأن في ذلك انتهاكا لحقوق الأقليات من اليهود والمسيحيين والأمازيغ( الأمازيغ مسلمون ) والسكان الأصليين ( مسلمون )"وزاد "نحن أخرجنا الشريعة من الباب لنعيدها من الشباك وهذا غير مقبول" في إشارة للمفردات الاسلامية في الدستور.وكانت ثالثة الأثافي ما ورد على لسان، زعيم"المسار الديمقراطي" سمير بالطيب" تصدينا للشريعة في الدستور، وليس لدينا أي مشكل مع قانون يجيز الزواج المثلي". وهناك من قالت أنه أغمي عليها عندما وجدت بسم الله الرحمن الرحيم، في الدستور!!!

 

ومن خلال هذه المواقف، يتبين لنا حجم الصد القائم حاليا في تونس للشريعة والمنادين بها، فلا الاسلاميين يملكون القوة الكافية لانفاذ الشريعة، ولا العلمانيين من القوة ما يجعلهم يفرضون الكفر على البلاد. لا سيما وأن الدساتير تبنى بالتوافق، وليست الأغلبية التي لا تملكها حركة النهضة( 89 مقعدا من أصل 217 مقعدا بالمجلس الوطني التأسيسي، والتحالف الحاكم هو تحالف سياسي وليس تحالفا عقديا، زاد من الطين بلة موقف حزب التحرير، والسلفية بفروعها من المشاركة في الانتخابات حيث لا يجيزونها، وفي المقابل يطالبون بتطبيق الشريعة، ولم يقوموا بأي تحرك شعبي يدعم هذا المطلب كأداة ضغط على السياسيين في الحكم والمعارضة، كتسيير مليونيات في الشارع تطالب بتطبيق الشريعة؟!).

 

نقاط خلاف أخرى بين الاسلاميين والعلمانيين هي مطالبة العلمانيين بالتنصيص على حقوق الانسان الكونية، وهي عبارة لا توجد في دساتيرالدول الأخرى بما في ذلك أمريكا وألمانيا وفرنسا التي يشير دستورها،إلى الثورة الفرنسية فقط وبيان باريس سنة 1789 م. وكان الاسلاميون قد أكدوا على أن الإسلام لم يترك حقا من حقوق الانسان إلا ونص عليه.

 

موآخذات من الطرفين: ومما توآخذ المعارضة عليه الدستور، استخدامه لمفردات اسلامية، مثل" التدافع" ويطالبون باستبدالها بكلمة "تنافس" وعدم الإشارة للمنظومة العالمية لحقوق الانسان، كما سلف، والاكتفاء بالتنصيص على حرية المعتقد، دون حرية الضمير، على حد قولهم (؟! ) وعدم التنصيص على المساواة بين الرجل والمرأة، والاكتفاء بلفظ التكامل بين الرجل والمرأة.وهناك من يرى بأن الدستور، يبقي القضاء تحت إشراف الدولة . ورغم أن الفصل 95 من الدستور يشير إلى أن" الدولة وحدها التي تنشئ القوات المسلحة وقوات الأمن الوطني، ولا يجوز إنشاء تنظيمات أو أجهزة مسلحة غير منضوية تحت الجيش الوطني أو الأمن الوطني إلا بمقتضى القانون" إلا أن المعارضة ترفض هذه الصيغة وتعتبرها دعوة لانشاء تنظيمات مسلحة .

 

كما يوجد خلاف حول قانون تحصين الثورة، كما فعلت ألمانيا مع النازيين، وكما فعلت فرنسا مع الفيشيين( نسبة لفيشي، الذي تولى حكم فرنسا بعد أن احتلها الألمان.وقد تأخر الإعلان عن الدستور يوم 27 أبريل 2013م بسبب خلاف حول طبيعة النظام المستقبلي في تونس، أهو برلماني،أم رئاسي، أو نظام مزدوج. ففي الوقت الذي تدعو فيه النهضة لنظام برلماني، يوجد شبه تحالف بين القوى السياسية الأخرى على نظام مزودوج.ويعيب البعض تقلص صلاحيات الرئيس في الدستور، فيظهرون ما يعتبرونه نقائص، ويخفون الصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس، ومما يرونه نقائص أن رئيس الجمهورية لا يحضر مجلس الوزراء إلا بطلب من رئيس الحكومة. وأن السياسة العامة للدولة يرسمها رئيس الوزراء، دون استشارة رئيس الجمهورية، وأن رئيس الوزراء هومن يعين الوزراء ويقيل ويكتفي باعلام رئيس الجمهورية دون استشارته ، وأن رئيس الحكومة هو من يقوم بالتعيينات في الوظائف العليا دون استشارة رئيس الجمهورية، وهو الذي يختص بالقضايا الأمنية ويكتفي الرئيس برئاسة مجلس الأمن.ورغم أن هذا النظام معمول به في العديد من دول العالم، إلا أن المعارضة رفضته لأن من قدمه هو حزب حركة النهضة.

 

في الجانب الاسلامي، وتحديدا داخل حركة النهضة هناك من يبدي تحفظات على الدستور، مثل الدكتور الصادق شورو،الذي قضى أكثر من 19 سنة في السجن في ظروف غاية في القسوة،ويطالب الدكتور شورو، بتفعيل الفصل الأول في الدستور، وهو "الاسلام دين الدولة" فهو شعار عام،ليس فيه تفصيل يؤكد على أهمية هذا الشعار. وقد كان موجودا في دستور 1959 م ولم يمنع هذا الشعار السلطة المستبدة من الاعتداء على الاسلام ورموزه وتعاليمه والمؤمنين به. ويدعو الدكتور شورو إلى اعتماد الشريعة كمرجع وحيد للقوانين ، والتنصيص على أن الاسلام عقيدة وشريعة كما هو في الأصل، وإذا لم تعتمد الشريعة كأساس لسن القوانين والاحتكام فإن الفصل الأول يفرغ من محتواه ، كما يؤكد شورو.

 

صلاحيات الرئيس: ويعطي الدستورالتونسي صلاحيات واسعة للرئيس،منها تمثيله لوحدة البلاد واستقلالها واستمرارها والسهر على احترام الدستور والمعاهدات وحقوق الانسان. وتمثيل الدولة وتعيين مفتي البلاد، والقيادة العليا للقوات المسلحة والامن الوطني، واعلان الحرب، وابرام السلم بعد موافقة مجلس الشعب، واعلان الطوارئ،وارسال قوات مسلحة للخارج،والتعيينات والاعفاءات في الوظائف العسكرية والامنية العليا، وتعيين جهاز المخابرات، واعتماد ممثلي الدول الاجنبية( السفراء) ورسم السياسة الخارجية بالاتفاق مع البرلمانن وختم القوانين وغيرها من الصلاحيات.ومن شأن هذه الخلافات تأخيرموعد الإعلان عن انتهاء الدستور والمصادقة عليه، وبالتالي تأخير موعد الانتخابات المنتظرة قبل نهاية العام الجاري.

 

وترى حركة النهضة أن النظام البرلماني،هو الأنسب لتونس التي عاشت لأكثر من 50 سنة تحت نظام رئاسي،أدى للاستبداد وللديكتاورية والقمع والفساد. وأن النظام البرلماني هوالأكثر تعبيرا عن إرادة الشعب.