6 رمضان 1434

السؤال

أنا على علاقة مع ابن عمّي منذ خمسة سنين وصارت خطبتي منذ ستة أشهر وتربطنا علاقة حب قوية ولكن هذه العلاقة أتعبتني جدا لأنها أوقعتني في الكثير من المعاصي أولّها الزنا عبر الهاتف ثم جسدية عندما يزورني وكلّما أمتنع عنه وأتوب أعود من جديد لا أستطيع أن أتملّك نفسي حين يأتيني إمّا عبر الهاتف أو غيره وسئمت من نفسي وكلّما أناقشه يعدني بالتوبة ثم يعود ولم أعد قادرة تركه من جهة لأنني أحبه ومن جهة أخرى لأنّه لطيف معي وحنون وفيه الجانب الديني الخلقي ولكن اكتشفت ولست على يقين أني عندما أعترض أن يأتيني يدخل المواقع الإباحية، وكّل هذه العلاقة تخيفني لنزع البركة بعد الزواج "فكل ما بني على باطل فهو باطل" علما بأّن مازال على موعد الزواج سنة على الأقل أرشدني رجاءً ماذا أفعل؟

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
بداية نحييك أيتها الأخت الكريمة ونسال الله لنا ولك الهداية والثبات على دينه كما نسأله أن يشرح صدورنا ويحبب إلينا الإيمان وأن يزينه في قلوبنا وأن يكره إليه الكفر والفسوق والعصيان ويجعلنا من الراشدين، ونشكر لك ثقتك في إخوانك في موقع المسلم ونسال الله أن يرزقنا السداد في القول والعمل والنصح.
الأخت الكريمة:
لاشك أن في حياة كل إنسان لحظات ضعف ومعصية تختلف من إنسان لآخر، لكننا يجب علينا جميعا التوبة إلى الله سبحانه، فلا يدري أحدنا متى يأتي الأجل، وحينها ربما تقبض أرواحنا على معصية الله سبحانه فنخسر الدنيا والآخرة.
والزنا من كبائر الذنوب والمعاصي وهو من أقبحها وأرذلها على الإطلاق، ففيه معصية للرب الذي أمر بعدم الاقتراب من مقدماته حتى لا نقع فيه فقال سبحانه وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً، وفيه مهانة للعبد وخصوصا للمرأة فقد جاء في حديث بيعة السيدة هند بنت عتبة لرسول الله وكانت منتقبة حياء منه فلما اخبرها ببنود البيعة وجاء على قول: (ولا يزنين) فقالت هند في استنكار بالغ: "أوَتزني الحرة؟!"، أي أن المرأة الحرة تعلم أن جسدها لا ينبغي التفريط فيه ولا ينبغي كشفه ولا بذله للتمتع به إلا بحق الله سبحانه، ولذلك فان الحرة – كما أخبرت السيدة هند – لا يمكنها أبدا فعل ذلك الفعل الشائن.
ولي في رسالتك عدة أمور قبل أن أجيبك على سؤالك الذي أراه يستوجب أن يتأخر لأهمية ما قبله ولشدة خطورته:
- إن تسويفك في جدية التوبة إلى الله من هذا الذنب العظيم اشد خطورة من سؤالك حيث أن رغبتك في التوبة ليست توبة في حد ذاتها – وان كانت تلك الرغبة محمودة – إلا أنها غير كافية، فشروط التوبة ثلاثة أولها الإقلاع عن الذنب ثم الندم عليه وثالثها النية على عدم العودة إليه، فما ذكرت انك لا تتخذين خطوة من هذه الخطوات وانك تتألمين من الذنب للحظات ثم تفقدين المقاومة عند وجود الداعي للشهوة، ومن ثم يجب أن تقفي مع نفسك وقفة حازمة في هذا الذنب العظيم للانتهاء منه
- يجب عليك الوقوف بحزم لمنع كل خلوة بهذا الشاب في فترة توبتك والأصح قطع كل خلوة بأي رجل أجنبي، فهذه الخلوة محرمة فقد قال صلى الله عليه وسلم " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما "، وقال أيضا: " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم"، ويجب عليك عدم إيجاد الفرصة له ولغيره للاختلاء بك ويجب عليك غلق كل باب ومنع كل مبرر لخلوته بك حتى لا تقعي معه في المحرم.
- ويجب عليك الانتهاء عن محادثته الهاتفية التي أوقعت بك وكانت سببا في وقوعك في هذه الكبيرة، فالمحادثات الهاتفية يسيرة في الوصول مأمونة من الرقيب مثيرة للشهوة باعثة لها ومقوية لدوافعها ومحطمة للمقاومة، وقل من بدأ محادثة هاتفية وتورط فيها بهذه الممارسات إلا ووقع بعدها في الحرام بكل يسر بعد أن فقد مقاومته وذهب حياؤه، ويمكن ذلك بتغيير الهواتف الثابتة وإبعادها أو الأرقام في الهواتف المحملة والأجهزة الحديثة مهما كلف الأمر ومهما كان الغضب من هذا الشخص، فتسلحي بالإيمان وخشية الله والدعاء والتضرع له، وستقوين بإذن الله على إنهاء هذه العلاقة المحرمة.
- ويجدر هنا السؤال عن الأهل وأين هم من كل هذه المعاصي والموبقات وكيف يمكن أن تتم تلك المعصية بهذا اليسر ودون خشية الافتضاح أمام الأهل، فلاشك أن غفلتهم هذه سيسألهم الله عنها، وعليك بالاقتراب منهم والتسلح بوجودهم حتى تستطيعي إيجاد العناصر المعينة لك على المقاومة فلا يمكنه الانفراد بك ولا يمكنك أيضا الخضوع والضعف.
- وأعجب من وصفك له بالتدين وحسن الخلق، فكلاهما ليس سمتا نظريا أو مظهرا فقط، بل يحتاجان لإثباتهما في شكل سلوك عملي وتقوى لله عز وجل في السر والعلن، فكيف يمكن وصف من كرر واستدام واستهان بفعل هذه المعصية ويلح عليها ويضغط على الطرف المقابل له بضرورة فعلها ويستدرجه إليها بالهاتف ثم مشاهدة المواقع والأفلام المنحطة، فكيف يمكن وصف صاحب هذه الأفعال بصفة التدين وحسن الخلق؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " أي أن إيمانه يقل أو يذهب حين اقترافه لهذه الكبيرة.
- ويجب عليك أيضا أن تنصحيه بالتوبة إلى الله سبحانه وتخبريه بان تركك لهذا الذنب ليس له سبب إلا خشية الله سبحانه ورغبة فيما عنده فالآخرة خير وأبقى والعاقل من عمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، وإن رأيتِ أن مجرد مناقشتك معه حتى في هذا الشأن يمكن أن يؤدي بك للوقوع في المعصية باستدراجه فتركها أولى.
ونأتي اختنا الكريمة إلى سؤالك الذي يجب علينا أن ننظر إليه من عدة زوايا
- بداية يجب أن تعلمي أن زواجكما هذا على ما أنتما عليه غير جائز فكما قال العلماء بعدم زواج الزاني من الزانية حتى يرتفع وصف الزنا عن كل منهما ولا يرتفع إلا بالتوبة بشروطها، فلا يجوز له نكاحها لأنها زانية، ولا يجوز أن تقبله زوجاً لأنه زانٍ وقد قال الله تعالى: "الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ "، فقوله تعالى (وَحُرِّمَ ذلك على المؤمنين) دليل على حرمة هذا النكاح، ولهذا لابد في الفترة التي ذكرتها هذه أن تقلعا تماما عن هذا الذنب وأن تشعرا أنه ذنب كبير يستوجب بذل كثير من الاستغفار والندم عليه والنية الأكيدة على عدم العودة إليه.
- ولابد أيضا من وجود فترة لاستبراء الرحم من آثار الزنا فلا تتزوج المرأة الحبلى حتى تضع حملها حتى لو كان الحمل ممن زنى بها، ولعل في فرصة السنة التي ذكرتها في رسالتك الفرصة الكاملة للتوبة النصوح ولاستبراء الرحم.
- وبهذا لا محل للجزئية الأخيرة في سؤالك وهي انك تخشين عدم البركة في الزواج بسبب هذه الكبيرة واقترافها لأنه من الأصل لن يكون هناك زواج إلا إذا كانت هناك توبة صادقة نصوح، فان تبتما إلى الله سبحانه وحسنت توبتكما فلعلكما ترزقان بتوبتكما بركة وكرما من الله فهو عفو كريم يحب العفو ويرزق عبادة التائبين حلاوة الإيمان
وفقك الله اختنا الكريمة إلى ما يرضيه سبحانه واسأله أن يثبتنا وإياك على الحق وان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه انه ولي ذلك والقادر عليه.