29 رمضان 1434

السؤال

أنا فتاة محافظة من أسرة محافظة ولله الحمد، خطبني ابن خالي، ولم تكن هناك رؤية شرعية، واستعجل أهلي بعقد القران، استمر الحال فتره شهر ونصف، مكالمات وواتس أب، أثناء تلك الفترة كانت تأتيه حالة لا أعرفها، وإذا جاء الصباح يتصل ويعتذر لي بأن فيه حالة نفسية، وأنا كنت أصدقه، وأتعاطف معه جداً، تطور الأمر، حتى اعترف لي بأنه يسكر ويشرب خمر، فطلبت منه الطلاق، واستمر يحاول معي بالرسائل والمكالمات لمدة شهر، ويتمنى أن أعطيه فرصة، وحلف لي على المصحف، بواسطة مقطع في الواتس أب وصدقته، ورجعت له، وأنا الآن أشعر بأنه لا زال يسكر، أخبرت أمي ولم تسعفني بأي أمر، وأخبرت إخوتي وتهربوا مني، لأنه محبوب من الجميع، وأخلاقه جداً جميلة، بقي علي أن أخبر والدي أن يطلقني، وإخوتي يترجوني ويطلبون مني ألا أفضحه عند أبي، وأكشف ستره وسره، وأنا أريد الطلاق، والجميع ضدي، وهو ومستبعد أمر الطلاق نهائياً.
هل أجرب الحياة معه، لعل وعسى أن يهتدي، أشير علي ماذا افعل؟ جزاك الله خيراً.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين...
أختي الفاضلة: بداية أرحب بكِ أجمل ترحيب في موقع المسلم، وأشكركِ على ثقتكِ، بموقع المسلم، ومتابعتكِ له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم.
أختي الفاضلة: نسأل الله أن يثبتك على الحق، وأن ينور دربك، وأن يجعلنا سببا في سعادتك في الدنيا والآخرة، ولعلنا في ما يلي نبين لك بعض المعالم التي لا بد أن تتوضح لديك:
أولًا: كل مسكر حرام.
فلا يخفى على كل مسلم أو مسلمة تحريم الخمور والمسكرات والمخدرات بكافة أنواعها ومسمياتها، حيث يقول ربنا تبارك وتعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)، وقد وردت أحاديث كثيرة في تحريم الخمر ولعن شاربها، وترتيب العقوبة عليها، كقوله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام، وإن على الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال" قالوا: وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: "عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار" رواه مسلم.
كما أن جمهور العلماء يرون أنه لا يجوز للوليِّ أن يزوج مولِّيته، من تارك صلاة، أو شارب خمر، ولا يحلُّ لها أن تقبل بذلك، لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)رواه التِّرمذي وحسنه الألباني. وتارك الصَّلاة، وشارب الخمر، غير مرضيين في الدِّين، لأنَّ من ترك الصَّلاة تركاً مطلقاً كفر، وخرج من الإسلام، ولو كان يصلِّي وهو يشرب الخمر لكان فاسقاً، فما بالك بمن جمع بين الكفر والفسوق، بل لا يجوز للمرأة المتزوجة بمن أصبح حاله هكذا، أن تبقى معه، فمن باب أولى أنه لا يجوز لها ابتداء الزَّواج به.
كما أن الدراسات المعاصرة أثبتت الكثير من الأخطار المترتبة على تناوله، والتي من أبرزها المشاكل الصحية التي قد يسببها شرب الخمر، مثل أمراض الكبد والطحال والتي قد تصل إلى التليف الكلي أو الجزئي، ومشاكل في الجهاز الهضمي والدورة الدموية والقلب، إضافة إلى ضعف القدرة الجنسية، ومشاكل في الأعصاب، وغيرها من المشاكل التي يذكرها أهل الطب والاختصاص.
ثانيًا: الطيبات للطيبين.
فالله تعالى يقول: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) فلابد أن يكون هناك قدر من التوافق ما بين المرء وزوجه، وقد ذكرت في معرض حديثك أنك فتاة مستقيمة ومن أسرة محافظة، فلا بد أن يكون هناك قدر من التوافق بينك وبين الرجل المتقدم للزواج منك، ومن وجهة نظري فإن من تجرأ على الله بارتكاب كبيرة شرب الخمر فهو على خطر عظيم، ولا بد أن يكون له من خفايا الذنوب والمعاصي ما لا يعلمه إلا الله، فلا يمكن لفتاة صالحة ترجو أن تنشئ بيتا مسلما أن تسعد مع رجل سكير.
ثالثًا: والدك ولي أمرك وهو أعلم بالأصلح لك.
لأجل هذا فأنا أنصحك وأحضك على إخبار والدك بحال هذا الشاب المتقدم للزواج منك، لأن والدك سيعلم حال هذا الشاب عاجلا أو آجلا، فلا فائدة من إخفاء هذا الأمر عنه.
رابعًا: شارب الخمر لا يأتي بخير.
فقد أفتى الشيخ ابن جبرين رحمه الله بوجوب طلب الطلاق من مدمن الخمر، وأنت الآن بعد في مهلة وفسحة من أمرك، فهو أولى وأسلم لك أن تتركيه قبل أن يدخل بك فلربما أنجبت منه أطفالا، وتأملي كيف يكون حالهم إذا علموا أن أباهم مدمن خمر؟!.
فأنقذي نفسك وارفضي بكل شجاعة وتأكدي أن العاطفة الآن ستجرك إلى دموع وويلات لا تحمد عقباها، فاصبري وانتظري حتى يهيء الله لك زوجا صالحا يليق بك.
أما إن أصررتِ على الزواج منه، فليكن هذا بعد أن تصلي صلاة الاستخارة، ثم بعدها استشارة والديك الاثنين، وبعد هذا اطلبي تأجيل الزواج لسنة كاملة واطلبي منه تقريرا بالعلاج في مستشفى الأمل.
خامسًا: تسلحي بالدعاء.
الدعاء من أقوى وأنجع السُّبل لعلاج ما يستعصي علينا من مشكلات، وبه يُزيل الله كرباتٍ لم تكن لِتُزال، ولكن الله - تعالى - لا يُعجِزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وكان عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "إنِّي لا أحمل همَّ الإجابة، ولكن أحمل همَّ الدُّعاء، فإذا أُلهِمتُ الدعاء فإن الإجابة معه"؛ وذلك لثِقته - رضي الله عنه - في الله، وفي إجابة الدعاء، فلا تَيأسي من الدعاء، واعلمي أنَّ الفرج فيه، وأنَّك تَدعِين سميعًا مجيبًا قديرًا، والله - تعالى - يقول: {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62]، وعليك بتحرِّي أوقات الإجابة، والتحلِّي بآداب الدعاء، فأكثري من الدعاء بظهر الغيب، وانطرحي بين يدي الله سبحانه وتعالى، واسأليه أن يوجه قلبك للحق، فهو سبحانه وتعالى الركن الشديد الذي تأوين إليه.
نوَّر الله قلبك، وسدد خطاك، ورزقنا وإياك حسن الصلة بالله سبحانه وتعالى.