شبهات الاختلاط بالضربة القاضية!!
23 شعبان 1434
منذر الأسعد

هذه أوسع دراسة في حدود اطلاعي تختص بدحض الشبهات التي يتمسك بها مبيحو الاختلاط بين الرجال والنساء، وهم –بكل أسف- ليسوا من الفسقة المنخلعين من ثياب الحياء أو المتمردين على الدين بالجملة، فالمؤسف أن من بينهم بعض المنتسبين إلى العلم الشرعي، لكن مشكلتهم المكابرة ورفض اتباع الدليل، فهم يصرون على موقفهم الخاطئ وهم يحسبون أنهم بعنادهم أصحاب موقف سليم!! فأما العلمانيون المبغضون للدين الحق فليس لهم محل من الإعراب في هذه القضايا لأن عاقلاً لا يمكنه أن يأخذ دينه عنهم. غير أن لبني علمان شأناً خطيراً ها هنا، لأنهم يتبنون آراء مبيحي الاختلاط ويتشبثون فيها، زاعمين أنها الحكم الشرعي الصحيح، ليس عن اقتناع منهم فهم لا يقيمون للدين كله أي اعتبار ولا يرجون لله وقاراً، لكنهم يستغلون الخلل الذي يتبناه دعاة الاختلاط من المنتسبين إلى العلوم الشرعية لغاية خبيثة في أنفس بني علمان.ومن يعرف مسيرة التغريب التي ابتليت بها أمة الإسلام مبكراً في مصر وتركيا الكمالية بخاصة، يلحظ تدرج أعداء الله في تخريب الأسرة المسلمة بهذه الوسائل والأساليب الماكرة.

 

عنوان الكتاب الذي بين ايدينا اليوم هو: الاختلاط بين الرجال والنساء، أحكام وفتاوى - ثمار مرة وقصص مخزية - كشف 136 شبهة لدعاة الاختلاط/جمع وترتيب: شحاتة محمد صقر. وقد قدم له عدد من أهل العلم والدعوة هم الشيخ محمد بن شامي شيبة والدكاترة: ياسر برهامي، محمد يسري، هشام عقدة، محمد يسري إبراهيم.ويتكون الكتاب الذي نشرته دار اليسر في عام 1432(2011م) من جزأين  يقع كل منهما في 230 صفحة.

 

يبحر المؤلف مع الشبهات التي يستند إليها دعاة الاختلاط ويطاردهم بتفصيل التفصيل، فلا يدع لهم منفذاً مهما كان ضيقاً، يمكنهم التسلل منه لزرع الشك في قلب المتلقي، فالأدلة التي يعتمد عليها الباحث دامغةٌ حقيقةً لا مبالغةً.

 

قد يقال: إن المسألة موضوع البحث محسومة بإجماع العلماء الثقات قديماً على تحريم الاختلاط بين الجنسين، فما للمؤلف وللخوض التفصيلي في جوانب جزئية أو هامشية.

 

والمنصف يتبنى هذا الموقف إزاء المبيحين وليس في مواجهة الباحث الشيخ صقر، فلولا معاندتهم للإجماع المبني على أدلة صريحة وصحيحة من كتاب الله تعالى وسنة  نبيه الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، لما اضطر المؤلف ولا سواه إلى هذه المحاججة الشرعية العلمية العميقة والشاملة.

 

ولأن الفجرة المتخفين وراء القلة الشاذة التي تبيح الاختلاط متلاعبون، فإنهم يعمدون عادةً إلى نسبة القول بمنعه إلى البيئة الخليجية المحافظة بعامة، وكأنها إرث اجتماعي وليست أحكاماً شرعية التزم بها المسلمون جميعاً قبل أن تجتاحهم رياح التغريب المدمرة!!

 

وليس أدل على ذلك من أن التغريبيين المستترين وراء الشذوذ العلمي ليسوا بصادقين، من أنهم لا يحترمون "الضوابط" التي يشترطها مبيحو الاختلاط هؤلاء!! فما يعني تجار المبادئ والحريصين على شيوع الفاحشة في الذين آمنوا، لا يتجاوز الاتكاء على زلة عالِمٍ أو أكثر من دون الأخذ بكلامه كاملاً..فالغاية تبرر الوسيلة عندهم.

 

من هنا فإننا نرى أن الباحث الكريم أحسن في ردوده المفحمة عليهم بإيراد أقوال ناصعة بتحريم الاختلاط، لعلماء لا يستطيع فراخ التغريب أن ينسبوها إلى "البداوة"، مثل شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله فهو تونسي عاش شطر عمره في مصر بسبب مطاردة الاحتلال الفرنسي في تونس له.ينقل الكاتب عنه قوله ما نصه: (... وتحريم الدين لاختلاط الجنسين على النحو الذي يقع في الجامعة معروف لدى عامة المسلمين، كما عرفه الخاصة من علمائهم، وأدلة المنع واردة في الكتاب والسنّة وسيرة السلف الذين عرفوا لُبَابَ الدين، وكانوا على بصيرة من حكمته السامية... والأحاديث الصحيحة الواردة في النهي عن اختلاط المرأة بغير محرم لها تدل بكثرتها على أن مقتَ الشريعة الغرَّاء لهذا الاختلاط شديد)!!

 

ومثل ذلك موقف الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله الذي قال في تفسيره للآيات الكريمة التي حكت قصة نبي الله موسى لما ورد ماء مدين والتقى ابنتي رجل صالح هناك: («وفي قوله تعالى: {لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} إشارة إلى أن المرأة إذا اضْطُرَّتْ للخروج للعمل، وتوفرَتْ لها هذه الضرورة عليها أنْ تأخذَ الضرورة بقدرها، فلا تختلط بالرجال، وأنْ تعزل نفسها عن مزاحمتهم والاحتكاك بهم، وليس معنى أن الضرورة أخرجتْ المرأة لتقوم بعمل الرجال أنها أصبحتْ مثلهم، فتبيح لنفسها الاختلاط بهم).

 

ويتكرر النقل الجميل نفسه عن الشيخ محمد سيد طنطاوي الذي شغل منصب مفتي مصر ثم منصب مشيخة الأزهر وكذلك الشيخ سيد سابق، والشيخ حسن البنا مؤسس جماعة (الإخوان المسلمون)، والدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان في سوريا، والدكتور نجم الدين الواعظ المفتي الأسبق للديار العراقية...

 

إن الكتاب يستحق الانتشار لتتاح قراءته قراءة متأنية وبخاصة في أوساط الشباب والشابات، الذين يمكن أن تخدعهم بعض زخرفات القول لعدم اطلاعهم على النصوص القاطعة التي تجعل تلك الأراجيف هباء منثوراً.