بيان حول أحداث مصر
1 رمضان 1434

الحمد لله الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرماً, والصلاة والسلام على رسول الله القائل: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» [رواه البخاري] ، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد
..

فيقول الله سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ، ونظرا لما جرى في مصر، أرض الكنانة ، من اعتداء الجيش على حاكم مسلم ، وعزله وأعضاء حكومته بتأييد من فلول الليبراليين والنصارى ، وبعض أصحاب المصالح الدنيوية، وما ترتب على ذلك من إدخال البلاد في فتن ودماء لا تُعلم عاقبتها، وما أخذه الله من وجوب بيان الحق وعدم كتمان العلم، قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} ، فإنَّني أوضح ما يلي:

أولاً: من الـمُقَرَّرِ في الشريعة عَدَمُ جوازِ الخروجِ على السُّلطان المسلم، وحُرْمَةُ نزعِ اليَد من طاعته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى من أميره شيئاً فكرهه فليصبر، فإنَّه ليس أحدٌ يفارق الجماعة شِبراً فيموتَ إلاّ مات ميتةً جاهليةً» متفق عليه، وفي رواية لمسلم: «فإنَّه ليس أحدٌ من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلاّ مات ميتةً جاهلية»، وفي صحيح مسلم: «من خلع يداً مِنْ طَّاعةٍ لقي الله يوم القيامة لا حُجَّةَ له»، وإن جادل مجادل بأن هذا عَقدٌ اجتماعي يجوز نقضه، فأقول: وهل كانت بيعة المؤمنين لأئمتهم في الغابر والحاضر إلاّ عُقوداً أوجب الله الوفاء بها:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} .

ثانياً: الواجبُ على مَنْ سَطى على السُّلْطَةِ وخَلَعَ الرئيس أو شهدَ ذلك الزورَ وأقرَّه التوبةُ إلى الله تعالى، بالإقلاع عن فعله، وإعادة الحق لأهله، وإعلان ظلم من تعدى وبغى على صاحب الحق, والنَّدَمِ على مشاركته في هذا الظلم الصريح، والعزْمِ على عدم العودَّةِ فيه، فإن التَّوبةَ تجب ما قبلها، والفيئةَ قبل القدرة على الجاني لها اعتبارُها، أما بعد فوات الأوان، وسيلان الدماء، فيعز ذلك، ويجب أن يؤاخذ الجاني بجنايته، فإنَّ من ورْطَات الأمور التي لا مخرج للناس منها سفك الدَّم الحرام بغير حله كما هو واقع الآن.

ثالثاً: الفتنة التي أوقدت في مصر فتنةٌ في أمرٍ غير مشتبه، عمادها فئة باغية من علمانيين ونصارى ومتمردين, لا يريدون حاكماً فيه صبغةٌ إسلامية, وقد أعدوا لعدوانهم منذ عدة أشهر, كما اتضح الآن، وأبدوا تضجرهم حتى بمن كان معهم في إعلانهم وشاركهم خلعَ رئيسهم ممن يخالفهم في المنهج، والواجب إزاء هذه الفتنة درؤها قدر الاستطاعة بمنع استقرار الأوضاع للباغين الظالمين، ولا يجوز تركها مع القُدْرَة ولا اعتزالُها، بل يجب نصرة المظلوم, والوقوف معه, حتى يعود الحق إلى نصابه.

رابعاً: يجب أن يحذر أصحابُ الحق المطالبون بعودة الرئيس وحكومته من أن يستجرهم الـمُتَرَبِّصُون بهم إلى احترابٍ أهلي، والدخول في هَرْجٍ وقتلٍ لا تمييز فيه، يؤخذ فيه البريءُ بجريرةِ المسيء، وتهدر فيه مزيد من دماء المطالبين بحقِّهم ومقتضى شرعهم ، فإن المؤمن لا يزال في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً, كما ثبت في الحديث الصحيح، وعليهم استمرار المطالبةِ والإنكارِ على الظلمة، والضَّغطِ بكافة الصُوَرِ السِّلْمِيَّة والطرق المشروعة, حتى يعود الحق إلى أهله.

خامسا : على شعب مصر خاصة ، والشعوب العربية والإسلامية بعامة أن يدركوا أن ما يجري الآن في مصر هو في أصله صراع بين المشروع الإسلامي والمشروع التغريبي المعادي للإسلام ، وإن شابه بعض الحق ، وعليهم أن يحذروا من تضليل وسائل الإعلام التي تقلب الحقائق ، وتلبس الحق بالباطل وتفتري الكذب وتزور الوقائع ، دون خوف ولا حياء.

سادساً: على العلماء والدعاة والجماعات والجمعيات الإسلامية ومثقفي الأمة الصدع بالحق, ورد الباغي, قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} , كل بقدر استطاعته ومكانته, قال سبحانه: {فاتقوا الله ما استطعتم}.

سابعاً: على ساسة الدُّول الإسلامية والعربية والعالمية والهيئات الأممية والدولية أن ينكروا هذا الانقلاب، ويطالبوا أفراد الجيش بالعودة إلى ثكناتهم وإعادة الأمور إلى نصابها, والحق إلى أهله، وليأتوا إلى الناس الذي يحبون أن يؤتى إليهم، وإلاّ فإنَّ الجزاء من جِنس العمل، وكما تَدين تُدان، وقد صحَّ عند مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب أن يُزحزح عن النَّار ويدخل الجنَّةَ فلتأته مَنِيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يُؤتى إليه، ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عُنُقَ الآخِر», وعلى من أيّد المتمردين أن يتراجع عن تأييده, لأنه ظلم وبغي وعدوان, والله قد حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرماً, وقال سبحانه: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).

ثامنا: على إخواننا أصحاب الحق المظلومين في (مصر) الصبر والمصابرة, ومعالجة الأمور بحكمة وعلى بصيرة ، ودفع المفاسد الكبرى بالمفاسد الصغرى, فإن ما جرى فيه من الحكم العظيمة التي قد ندرك بعضها وقد يخفى علينا أخر, وتفاءلوا بحسن العاقبة والمآل ، فإن جزاء الصابرين كما قال سبحانه: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} وقال تعالى : {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}وقال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} .

أما الظالمون الباغون والمؤيدون لظلمهم فنقول لهم كما قال سبحانه وتعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن سار على نهجهم واقتفى طريقهم إلى يوم الدين.