الدماء الرخيصة
3 رمضان 1434
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

المنظر الذي نقلته عدسات المصورين وكاميرات الفيديو التي صورت المذبحة البشعة التي تم ارتكابها ضد المصلين العزل أمام مبنى نادي الحرس الجمهوري في مصر, أمر تقشعر له الأبدان..لقد كشفت المذبحة التي حدثت قبل أيام قليلة من شهر رمضان الكريم تكشف عن أزمة خطيرة في تعامل الجيش المصري مع أبناء شعبه أو لنقل مع جزء من هذا الشعب ..

 

ولنكن أكثر صراحة ونقول أن نظرة الجيش لأبناء التيار الإسلامي بعد هذه المذبحة ومن قبل ذلك الانقلاب على الرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي تجعلنا نتشكك بشدة من التوصل لمصالحة وطنية حقيقية في البلاد في القريب العاجل..لقد كانت السلطة على مرور السنين في مصر وجهازها الامني الممثل في الشرطة هو من توجه له الانتقادات بشأن التعامل مع الإسلاميين أما الجيش فكان بعيدا عن المشهد...

 

وعندما اندلعت ثورة يناير ضد نظام مبارك ظن البعض أن الجيش ليس عنده مشكلة مع التيار الإسلامي ولكن مع مرور الأيام بدأت تتكشف العديد من الامور التي تدعو للقلق والحزن..

 

الجميع يعلم أنه منذ أكثر من 60 عاما لا يسمح لأبناء التيار الإسلامي بدخول الكليات العسكرية بل أن الضباط المتدينين داخل الجيش كانوا يتعرضون لمضايقات ويخرجون مبكرا من الخدمة قبل أن يصلوا لرتبة عالية تخولهم الحصول على مناصب رفيعة... وطوال هذه السنوات كان الخطاب الإعلامي والرسمي يحذر من الإسلاميين وينشر الشائعات عن "المتطرفين والإرهابيين" وهو ما انطبع على العديد من مؤسسات الدولة التي ظلت تنظر للإسلاميين نظرة ريبة وشك ولكن هل وصلت هذه النظرة الضيقة والمشوهة إلى داخل الجيش؟! هذا السؤال الذي كان البعض يتشكك في الإجابة عليه ويعتبره أمرا مستبعدا لم يعد كذلك الآن..

 

ولنعد إلى تفاصيل الانقلاب العسكري الأخير في مصر لقد قام الجيش بإنذار القوى السياسية جميعا قبل أسبوع من مظاهرات المعارضة وهو تدخل واضح في العملية السياسية رغم أن في هذا الوقت لم تكن هناك حشودا على الأرض وعندما بدأت الحشود في 30 يونية وانصرفت في المساء لم ينتظر الجيش حتى تعود أو لا تعود في مساء اليوم الثاني بل سارع بإصدار بيان مشجع للمعارضة لكي تواصل الاعتصام ومنحها يومين فقط حتى لا يطيل عليها فترة الانتظار ولعل البعض ينصرف ولا يرجع مما يسبب له "إحراجا" إذا قام بالانقلاب..

 

لقد كان بيانا تشجيعيا ومحرضا في نفس الوقت وهو ما أظهر نوايا الانحياز السافر..الغريب أن الملايين المحتشدين في رابعة العدوية وعند ميدان النهضة وأمام الحرس الجمهوري الآن منذ أكثر من أسبوع لا يجدون من الجيش أي مبادرة حقيقية لتلبية مطالبهم بل على العكس لقد وجدوا الرصاص ينهال عليهم من كل جانب ليقتل 70 ويصاب أكثر من ألف..

 

لن أدخل في جدال حول هل حدث هجوم مسلح على الجيش أم لا؟ وسوف أتجاهل مؤقتا شهادات المئات التي نقلتها وكالات الأنباء الأجنبية وجبن الإعلام المصري المنحاز عن نقلها..ولكن فليرجع الجيش قليلا للوراء ويقول لنا لماذا لم يتدخل بنفس القوة ضد من اقتحموا قصر الاتحادية وبداخله رئيس الجمهورية وأطلقوا الخرطوش وقنابل المولتوف وأضرموا النيران في حديقة القصر وتسلقوا السور الخارجي وأحضروا "ونشا" لكي يقتلعوا الباب؟ أليس ذلك تعديا على رمز البلد ورئيسها المنتخب؟!

 

أليست مسؤولية حراسة القصر تعود للحرس الجمهوري أيضا؟! لماذ ضبط أعصابه وقتها ولم يطلق النار بهذه الكثافة؟! أم لأن المهاجمين من التيار العلماني أما هؤلاء فهم "أنجاس" من التيار "الإسلامي الشيطاني"؟! إن الجيش المصري يمر بأصعب مأزق في تاريخه في رأيي حيث أصبحت حياديته على المحك وهو ما ينذر بعواقب وخيمة في بلد لم يعد أحد فيها يثق في أحد وعليه لو أراد أن ترجع له مصداقيته أن يقوم بقرارات جريئة وحاسمة ولا ينظر لطرف دون طرف.