أنت هنا

مصر..إلى المجهول
9 رمضان 1434
موقع المسلم

السؤال الظرفي المطروح على مسامع المفكرين بمصر: هل يمكن أن تعود مصر إلى عصر الخمسينات، وصدر العهد الناصري العسكري في القرن الواحد والعشرين؟!

لأول وهلة، لم يكن أحد يستطيع أن يسمح لذاته بالتفكير في أن عقارب الساعة يمكن أن تعود إلى الوراء في مصر بعد عامين من الثورة، أو ما اصطلح عليها على أنها ثورة، لكن بعد أسبوعين من الانقلاب العسكري على السلطة المنتخبة في مصر فتحت الاحتمالات على مصاريعها، وأضحت كل السيناريوهات ممكنة.

يقول كثيرون الآن، ومنهم ما شاركوا بالثورة المصرية (25 يناير) من الإسلاميين ومن الصف الثاني من الشباب الثوري الذي لم يتلوث بصورة مباشرة بامتيازات أفاد منها بشكل شخصي جراء الانقلاب، أن مصر ربما مقبلة على عصر شمولي إقصائي للتيار الإسلامي، وعودة سريعة لحيتان الفساد، وانتقال فوري إلى لعب النظام دور الكنز الاستراتيجي للكيان الصهيوني، لاسيما بعد سلسلة من القرارات التعسفية، وصداها في "إسرائيل" والولايات المتحدة بما يوحي بأن لا حائل دون أن يلعب النظام الجديد دوراً يفوق نظام مبارك في تحالفه مع "إسرائيل"، لاسيما بعد أن تولى د.محمد البرادعي منصباً حساساً في الدولة، وهو نائب الرئيس للشؤون الخارجية، وهو حليف اعتيادي معروف للغرب و"إسرائيل". وهذا التفسير يلجأ إليه المرجحون لنجاح الانقلاب وتمكنه من بسط سيطرته تماماً على البلاد، وإخفاق حركة الرفض الشعبية له وحصرها في جماعة الإخوان وتتبعها أمنياً بما يشل حركتها، ومن ثم يجبرها على القبول بقواعد لعبة جديدة.
غير أن البعض الآخر يضع احتمالات عدة كلها تندرج تحت عنوان فشل الانقلاب، وهو إما متفائل لحد توقع نجاح الثائرين في ميدان رابعة العدوية وغيره في إعادة الرئيس مرسي إلى سدة الحكم وفقاً لقاعدة المصالحة تحت ضغط الشارع، أو غير ذلك متوقعاً حدوث حرب أهلية، وربما اشتراك بعض أطراف القوى النظامية فيها بشكل مباشر، أو ربما حدوث أعمال عنف متبادلة دون مستوى الحرب الأهلية، إذا ما انخرطت بعد حركات إسلامية يمكن أن تنتهج أسلوباً غير سلمي في مسعاها لتغيير النظام القائم بالقوة، وكل ذلك يتوقعه البعض دون القدرة على تقدير حجمه أو نسبة احتمالية وقوعه. لكن من دون شك؛ فإن تخيل سيناريو الفوضى بأي سياق لم يعد أمراً مستبعداً، لاسيما مع دخول عوامل مختلفة في الاعتبار عند التقويم، وهي موقف القبائل العربية، وجماعات الصعيد، وقسوة الحل الأمني المتبع الآن، والأحداث في سيناء، غليان الشارع الإسلامي، وفوضى الانفلات السابقة والحالية، وتراجع الاعتقاد بإمكانية تحقيق تغيير عبر الطرق السلمية مع وأد التجربة الديمقراطية في البلاد.

العامل الأكبر لم يحسم أمره بعد، وهو الكتلة البشرية الكبرى بمصر التي تسعى إلى الاستقرار (والتي اصطلح بمصر على تسميتها بحزب الكنبة)، والتي أضحى عليها ترجيح السيناريوهات القادمة وفقاً لرغبتها في النزول إلى الشوارع أو الإحجام عنها.

تلك الكتلة لا يمكن توقع ردات فعلها الآن، وإن كانت في الغالب حتى الآن محجمة عن الانخراط في الحراك الراغب في عودة الرئيس مرسي، لكن عودت تلك الكتلة المراقبين على غموضها أحياناً ومن ثم بدت هي العنصر المرجح لأي من السيناريوهات ستمضي مصر، التي لا يكاد يختلف اثنان الآن على أنها ماضية إلى المجهول.