خطورة الإنقلاب الصهيوأمريكي في مصر على المنطقة
21 رمضان 1434
عبد الباقي خليفة

لا يدرك الكثيرون خطورة الإنقلاب العسكري الذي حدث في مصر بتخطيط صهيوأمريكي، ودعم عربي خليجي تحديدا، على ثقافة الأمة وأمنها، لا سيما وأن أعداء كثيرون هللوا للانقلاب واعتبروه نهاية للاسلام ذاته، وليس الاخوان المسلمون فحسب. فقد خرج الأقباط عن بكرة أبيهم لتهيئة الأجواء للانقلاب بتحريض بابا الاقباط، في حين أن الكنيسة القبطية كانت مع حسني مبارك في ثورة 25 يناير. ومن كان في صف مبارك من الفنانين والفلول كانوا أول من حضر في ميدان التحرير يوم 30 يونيو. كما اختلفت المعاملة لأنصار مرسي عن المعاملة التي حظي بها أنصار مبارك .

 

وقد كشفت دراسة ميدانية لمنظمة " تكامل مصر" بعد الانقلاب أن 26 في المائة فقط من المصريين يؤيدون عزل الرئيس مرسي، في حين أن معارضي عزله بلغوا 65 في المائة .و11 في المائة فضلوا الصمت، مما يكشف حجم المؤامرة .
وكان المفكرالأمريكي نعوم تشومسكي، قد أكد في محاضرة سابقة بالجامعة الأمركية بالقاهرة أن أمريكا تخشى قيام ديمقراطية حقيقية تعكس الرأي العام للشعوب في منطقة الربيع العربي خاصة مع تداعي هيمنتها على العالم. وأن " الخطر في الشرق الاوسط يتمثل في احتمال أن تتحرك المنطقة صوب استقلالية لها معنى ، وهذا يمثل خطرا على الولايات المتحدة". فالغرب الذي دعم الديكتاتورية دهرا وأسس لها ودعمها لا يمكنه أن يتحول إلى ديمقراطي في سياساته الخارجية. 

 

دورة استعمارية جديدة : كان الانقلاب على السلطان عبدالحميد، في تركيا بداية جديدة لحقبة جديدة شهدتها الأمة ودفعت ثمنها من دينها وكرامتها وثروتها وعزتها ومجدها ، وكذلك يراد من الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي ، مرحلة همينة جديدة لاستكمال المشروع الصهيوني مراحله دون وجود أي مشروع في المقابل . وقد عادت عقارب الساعة إلى عشرينات القرن الماضي، لتعيد مشاهد خلع السلطان عبدالحميد الذي هلل لسقوطه اليهود، بعد أن رفض بيع فلسطين ، فتم خلعه بثورة شعبية معدة سلفا، كالحراك المدبر الذي سبق انقلاب عبدالفتاح السيسي، ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي. وكانت نهاية السلطان عبدالحميد نهاية لعزة الاسلام في تركيا فأهين العلماء وأهينت اللغة العربية واستبدلت الحروف العربية التي كانت تكتب بها اللغة التركية بالحروف اللاتينية، وألغي الآذان باللغة العربية وأغلقت المساجد ، وفتح الباب مشرعا لاحتلال فلسطين ، وتتالي النكبات على الامة . وانهالت المساعدات على تركيا وأضاعت أجيال وأجيال دينها،في تركيا وغيرها. وعلى نفس المنوال نسح الرئيس التونسي الاسبق حبيب بورقيبة ، ونشاهد ارهاصاته حاليا في مصر، بعد اغلاق 17 قناة اسلامية وسجن علماء فضلاء ونشطاء سياسيين ذنبهم الوحيد خلفيتهم الاسلامية .

 

وما معنى تقديم دول الخليج 11 مليارا مليارا لمصر بعد الانقلاب مباشرة مع الغاز والنفط .. ما معنى الآن ولماذا ليس في عهد الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي.. هل معنى ذلك أن ليل العسكر في مصر سيطول ؟.. وهل يعني ذلك كما يقول البعض أن النظام السابق يعود للحكم ؟، وهل تورطت جهات دولية واقليمية كما هو واضح  في ما جرى من جريمة تاريخية نكراء ؟  حيث أن كل ما يهم بعض أنظمة المنطقة هوالسلطة وحمايتها بمحيط استبدادي صهيوني الهوى معادي للامة وأشواقها في الوحدة والحرية مثلها .

 

إن ما حصل في مصر لا يقف عند حدود مصر،وليس عودة لعهود الاستبداد والاستعمار غير المباشر، فحسب. بل هو عودة للاستعمار المباشر ، وتقسيم الاوطان مجددا ، هو محاولة لتحقيق حلم تقسيم مصر ،وتقسيم ليبيا ، ونهاية الامل في عودة فلسطين ، وتقسيم العراق ، بل احداث تقسيم جديد في الخليج وخاصة السعودية ، وإن غدا لناظره لقريب.
لقد برر البعض الانقلاب بمحاولات الاخوان أخونة الدولة كما يزعمون وهي كذبة كبرى ، فالدولة مؤسسات ، وقد شاهدنا جميع المؤسسات في الدولة تتآمر على الاخوان ، حتى مصالح الماء والكهرباء والنفط ، التي عادت تعمل بشكل طبيعي يوم 30 يونيو، فضلا عن مصالح الجيش والامن والاعلام أهم المؤسسات في الدولة فأين أخونة الدولة ؟

ما جرى في مصر هو محاولة للعودة لزمن أبو زعبل ، والسجون وعنابر المعسكرات الجماعية ، وهذا ما فهمته الجماهير من خلال الاجراءات العسكرية ، وبدى للجميع أن الموت في الميادين أفضل وأشرف من الموت في الزنازين .. ..

ما جرى في مصر ليس ثورة ، بل انقلاب مهد له بشكل خبيث وشاركت فيه أحزاب ومنظمات اكتشفت حجمها الحقيقي من خلال الانتخابات فكفرت بها وعادت لاحضان العسكر بترتيب صهيوأمريكي خليجي .وبالتالي فإن الجريمة دولية واقليمية ومحلية مثلها الجيش والاحزاب والاعلام .
الجيش( الاعلامي ) للثورة المضادة .. تم تكريمه مؤخرا في دولة الامارات وبشكل جماعي ، فهل يوجد اعلاميين منحازين وبشكل مفضوح ويتنافى مع حرية الاعلام بهذا الشكل .. لقد فضح البروباغنديست أنفسهم ، بكونهم اعلاميين موجهين !!! وهؤلاء من ينقلون للشعب ما يجري في بلدهم ، وجهة نظر واحدة ، مسطرة اعلامية واحدة.. 

 

فلول الاعلام أشد خطرا من فلول الجيش والامن في مصر المحروسة .. المؤتمر الصحافي للجيش المصري كان موجها ، ووزعت الأسئلة بشكل موجه وهي أمور معروفة في اعلام الاستبداد العسكري في العالم.
لقد برر الاعلام الرسمي الانقلاب وبرر المجازر التي يرتكبها السيسي في مصر. السيسي الذي خرج لحماية الجماهير فقتل نحو 150 وجرح أكثر من ألف .. ماذا لوخرج لقتلهم فعلا ، وما معنى حماية طرف وقتل طرف، ما معنى مياه غازية وعصائر في التحرير ورصاص حي في رابعة العدوية.

 

الناطق الرسمي باسم الجيش المصري يقول مصر لن يحكمها فصيل واحد ؟ .. إذن تعالى نحدث مفهوما جديدا للديمقراطية ونكرسه وهو مفهوم الديمقراطية التشاركية ،أوالتوافقية ، ونغلق الباب أمام الانتخابات نهائيا .. ديمقراطية توافقية عندما يحصل الاسلاميون على الأغلبية ، وديمقراطية أغلبية عندما يحصل على الأغلبية غيرهم .. ديمقراطية لا ينجح فيها الاسلاميون ..أو ديمقراطية بدونهم ؟
إن من يبدأ حياته السياسية بالمجازر، لن ينهيها بالتعمير.. ومن ينقلب على الشرعية برشوة ، يمكنه التفريط في الوطن بمثلها .. لذلك ، كان التبرع بالدماء أشياء ثمينة لأنقاذ حياة الناس ، وهي أثمن لحياة الأوطان. 
إن توريط دول خليجية  في انقلاب الجيش في مصر على رئيس منتخب ، ليس تحالفا مع الكيان الصهيوني والاستخبارات الامريكية ، وإنما قطع لوشائج التعاطف مع السعودية والامارات التي يدبر لهما ما يدبر من قبل الطرفين الصهيوني والامريكي ، وقد بدت واضحة حالة الانصياع غير المسبوق للاوامر الصهيو أمريكية ومن ذلك جعل يومي الجمعة والسبت عطلة في السعودية بدل الخميس والجمعة في مقدمة لجعل العطلة يومي السبت والاحد ،أما الامارات فقد تحولت عاصمتها إلى كباريه
إذا نجح الانقلاب في مصر ، فإن عصرا من الاستبداد والقمع والهمجية سيجتاح المنطقة ضد كل ما هو اسلامي ، بشكل لم يسبق له مثيل سواء في دول الربيع العربي أو الخليج الذي بدأ يتحول إلى محرقة للاسلام والاسلاميين الناشطين .. مما سيعد معه عهود الاستبداد السابقة متسامحة جدا .....

 

أوقفوا المستهترين بالسلم الاجتماعي وبأرواح الناس ، وبذل القليل يمكن أن يوقف خسارة الكثير إن بقي شئ يمكن خسرانه لا قدر الله.
مصرمستهدفة وليس الاخوان : إن مصر وتنمية مصر وتقدم مصر وريادة مصر ومكانة مصر في الامة هي المستهدفة من الانقلاب المشؤوم الذي قام به الجنرال السيسي، بأوامر من أسياده ، وليس الرئيس المنتخب محمد مرسي، ولا جماعة الإخوان المسلمين. فقد تعرض الاخوان المسلمون طوال تاريخهم لمحن وملاحم وقدموا من الشهداء الكثير في مقدمتهم الشهيد حسن البنا،والشهيد عبدالقادر عودة، والشهيد سيد قطب والشهيد كمال السنانيري، وقوافل شهداء الاخوان كثيرون منذ حرب 1948 م . والاخوان يعرفون السجون ويعرفون المعتقلات وهم مستعدون لها وللشهادة. وقد استشهد منهم في أيام معدودة أكثر من 130 شهيدا وقدموا أكثر من ألف جريح، ولكن المستهدف هو مصر .

 

مصر مستهدفة في قرارها السيادي، فالكثير من المشاريع الاستراتيجية سواء في سيناء أوالسويس وغيرها ستتوقف فورا، مثل مشروع السويس العالمي، ومشروع تنمية سيناء، ومشروع تصنيع السيارات . وكان مشروع السويس سينطلق يوم 6 يوليو، الذي سيدر على مصر مليارات من الدولارات سنويا. وكلفة مشروع تنمية سيناء 5 مليارات دولار، وبلغ انتاج القمح 4،5 مليون طن  مقابل 11 مليار جنيه للفلاح المصري. فقد أغضب مشروع السويس الامارات ، ومشروع سيناء الصهاينة المحتلين لفلسطين ، ومشروع القمح أمريكا . في حين ستجوع مصر أكثر من خلال السد العظيم الذي تبنيه أثيوبيا لتعطيش مصر وخنقها.

 

ومصر مستهدفة في أوراح أبنائها حيث هناك نية لتصفيات جسدية بالجملة كمجزرة الحرس الرئاسي، وما يقال عن دبلجة أفلام تتهم المتظاهرين السلميين باستخدام العنف، أو وجود ارهابيين هاجموا الحرس الجمهوري، وتمرير المغالطات هذه كما كان في السابق للرأي العام .

 

ولا شك بأن الاجراءات التي تم اتخاذها حتى الآن تكشف عن مستقبل مظلم سواء على مستوى الحريات،أو مستقبل الاسلام والعمل الاسلامي في مصر، رغم الوضع الأمني المتوتر، فكيف تكون الأومور لو هدأت الأوضاع، فقد تم اغلاق الصحف وحبس الاعلاميين. وايقاف السياسيين وإهانتهم وتلفيق التهم لهم وتهديدهم . وقتلوا الناس ( 55 شهيدا وأكثر من 500 جريح) وهم يصلون وحاولوا التنصل من الجريمة وتبريرها بالكذب .وقاموا بانقلاب وسموه ثورة، وعينوا البرادعي وهو طرف سياسي في منصب نائب الرئيس، في حكومة يقولون عنها انتقالية، مما يعني أن ليل العسكر سيطول لا قدر الله في مصر. ومما يعني أن الانتخابات القادمة سيتزور لصالح أطراف بعينها من بينها البرادعي، بينما تقتضي النزاهة أن لا يكون أي طرف حزبي في حكومة انتقالية حتى لا تؤثر على نتائج الانتخابات.
الانقلاب معناه، وداعا لحرية التعبير، ووداعا للحريات السياسية، ووداعا للفصل بين السلط وللدستور الذي تم الانقلاب عليه رغم التصويت عليه بأغلبية كبيرة. وعندما يأتون برئيس وزراء يؤكد أن" لا قدسية للأديان" ندرك بالضبط ما يراد بمصر وما يراد لمصر.
إن المطلوب الآن لعودة الشرعية في مصر هو القيام بضغوط والضغوط الحقيقية والناجحة تكون في القاهرة وليست في باقي المحافظات ، ففي القاهرة جميع وكالات الانباء والاعلام والتصوير، وفيها السفارات الاجنبية ، والمراكز التابعة، ومراكز الاحزاب الكبرى ، والقيادات السياسية والعسكرية، والاقتصادية ، وفيها ميادين التحرير ورابعة العدوية ، والحرس الجمهوري والاذاعة والتلفزيون.