مصر تنتفض ضد الانقلاب
23 رمضان 1434
علا محمود سامي

أقل ما يوصف به حال المشهد المصري حاليا في اقصاء أول رئيس مدني منتخب هو أنها تلهتب من داخلها في عهدها الجديد ، بعدما انقلب الجيش على الرئيس الدكتور محمد مرسي برعاية وتشجيع من جماعات المصالح وأنصار النظام القديم ونخبة اليسار ومن لف لفيفهم.
القتل والفوضى أصبح في كل مكان بفعل زبانية الانقلابيين من البلطجية تارة ، أو من قبل عناصر الشرطة والجيش تارة أخرى، وفي كل مرة فان الضحية هم أنصار الرئيس المنتخب، والذين تنوعوا بين تيار الشعب المصري الجارف غير المسيس، خلاف من توجه لهم عمليات القنص في الصدر والرأس مباشرة، وهم فصائل التيار الاسلامي بكل تنويعاته، اللهم الا من آثر الانخراط في خارطة الطريق الانتقالية للحكم العسكري، وما هى في الأساس الا خريطة انتقاية من كل من يقف ضد هذا الانقلاب، وهو ما ظهر جليا في عمليات تكميم الأفواه وتقييد الحريات، في عودة الى ما هو أحلك من نظام المخلوع مبارك، وكأن عهدا ظلاميا جديدا على مصر، توعد فيه الانقلابيون ومن شجعهم على أن تكون مصر بلد الحريات، والدفاع عن مكتسبات ثورة 25 يناير.

 

ولسنا هنا في معرض الحديث عن هذه المكتسبات التي أهدرت بفعل انقلاب 3 يوليو، وما سبقه من حشد خلال 30 يونيو، بقدر ما أصبح الحديث مركزا على تداعيات هذا الانقلاب، والتي تتطور الى ما هو أسوأ مع مرور كل ساعة يظل فيها الانقلابيون في سدة الحكم، إذ لم يكتف الانقلابيون بجرائمهم المتتالية، والتي كان أبرزها مذبحة الحرس الجمهوري، حتى قاموا بأخرى في طريق النصر أمام النصب التذكاري ، والتي كانت أبشع ، والأولى من نوعها التي يتم ارتكابها على هذا النحو من حيث مدتها الزمنية، والتي وصلت الى 9 ساعات، خلاف ما أسفرت عنه من شهداء قدروا بنحو 200 شهيدان علاوة على 5 آلاف جريح.

 

لم تكن هذه المجزرة أو تلك هى وفقط التي ارتكبها الانقلابيون ، بل تزامن معها وبعدها العديد من الجرائم في المحافظات ، فلم يترك مسيرة داعمة لشرعية الدكتور مرسي، إلا وهاجمها أذناب وزارة الداخلية ، أو عناصر الشرطة نفسها بأزياء مدنية، في الوقت الذي لم تمنع الرصاصات الغادرة والأسلحة البيضاء المسيرات من التواصل للمطالبة بعودة الشرعية، في تحد واضح لكل ما يمكن أن يعوق مسار هذه المسيرات والاعتصامات، بل إن من يخرج مرة ويرى الرصاص بين عينيه ثم يطيشه، يخرج مرة أخرى لعله تصيبه رصاصة فينال بها الشهادة، حتى خرجت الملايين الهادرة الى الشوارع منذ أكثر من شهر ، تطالب بحريتها، واستعادة حقوقها التي جرى السطو عليها.

 

إنها البطولة والاستبسال واستعذاب كل الصعاب التي عززها المصريون، وخاصة من داعمي الشرعية في وقفاتهم وهباتهم وانتفاضاتهم ، لم يهزهم الرصاص، ولم ترعبهم الأسلحة البيضاء للبلطيجة، كما لم تمنعهم حملات التهديد والوعيد الصريح من قبل الأجهزة الأمنية، أو حتى التفويض الذي منحه أنصار الانقلاب ودعاته الى قاتله لمحافحة ما وصفه بالارهاب.

 

إنه صمود الأبطال، الواثق بنصر الله، الذي لايعرف سوى العزيمة والإرادة التي لا تلين، وهو الصمود الذي تفوقت فيه النساء على كثير من الرجال داخل ميادين القاهرة والمحافظات المصرية، حتى الأطفال أنفسهم قدموا نماذج بطولية في الاستبسال مع ذويهم، بل كان منهم من قضى نحبه، ونحتسبهم جميعا شهداء.

 

هذا التواجد الأسطوري للمصريين في الميادين دفاعا عن الشرعية، والتأكيد على تحقيق مكتسبات ثورة 25 يناير، لم يكن نابعا وفقط من اصحاب التوجه الإسلامي بل إنه امتد إلى  عامة المصريين ، الذين خرجوا مدافعين عن شرعيتهم وحقهم الانتخابي، الذي قضوا خلاله ساعات الى ان أسفر عن انتخاب أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر.

 

هذا الثبات والصمود في الميادين من كافة ألوان المصريين، يعكس حالة الرغبة الأكيدة منهم في استعادة شرعيتهم، وهو الصمود الذي لم يقف عند حدود ضمان امنهم وسلامتهم، ولكن في كل المحن التي تعرضوا لها ووجهوا بها، حتى ذوي الشهداء والمصابين منهم يؤكدون على هذا الحق، ما يجعلهم بحق يسجلون تاريخا جديدا لوطنهم ، ودفاعا عن شرعيتهم، وقبل كذلك إسلامهم الذي هدده البعض من غلاة المتطرفين من دعاة الانقلاب ومؤيديه بإسقاطه من مصرن وإعادة البلاد الى ما كانت عليه قبل الفتح الاسلامي.

 

هى الاسطورة التي يسجلها المصريون بكل تأكيد ، ادراكا منهم بأنهم وقت أن يتمكنون من تسجيلها فان ذلك سيحفظ لهم ارادتهم على مدى عقود، ويحقق رغبتهم في الحلم الذي حلموا به بتطبيق مكتسبات ثورة 25 يناير ، وتطبيق الشريعة الإسلامية، كما تضمنه برنامج أول رئيس منتخب في البلاد.

 

ارهاصات الصمود تؤكد أن المصريين سيبلغون مرادهم بعون الله، مهما كانت العقبات في طريقهم، أو العراقيل في مسيرتهم ، كونهم على ثقة ويقين في ربهم، ما داموا قد أخذوا بأسباب النصرة، وضحوا من دمائهم وأوقاتهم، وكل من يملكون بغية تحقيق حريتهم، واستعادة كرامتهم.