و لا تهنوا و لا تحزنوا
21 شوال 1434
أميمة الجابر

لا تخلو القلوب من همومها , ولا البيوت من أحزانها ولا النفوس من آلامها ..

وربما تزداد الآلام أو تقل في يوم دون يوم , وقد تجتمع تلك الآلام جميعا في لحظة دون لحظة , وكله بقدر الله سبحانه وتقديره , وكله حكمة بالغة , وكله فيه خير قد يخفى علينا كله أو يخفى بعضه , والله سبحانه يستجيب الدعوات ويقضي الحاجات

إن العسر لا ينتهي إلا باليسر , و إن الضيق لا ينتهي إلا بالفرج , و إن نهاية البكاء الراحة .
تمتلىء القلوب اكتئابا , لكن كيف يكتئب المؤمن و يشعر بالهوان و سنده علوي ؟1 وكيف يكتئب ولديه سجدة في جوف الليل للعلي القهار
كيف يكتئب أهل الإيمان و هم الأعزة حقاً ؟! متى قاموا بما أوجب الله عليهم .

إن الفرار من هذه الحالة لايكون إلا فرارا إلى الله تعالي .
كان النبي صلي الله عليه و سلم عندما يشعر بتكدس الهموم يقول لبلال : أرحنا بالصلاة يا بلال , فلنقتد بسنته هذه و نكثر من الصلاة و القيام و الركوع و السجود و التبتل لله تعالى " وإستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين " , حينذاك تكون الراحة " إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا , إن ناشئة الليل هي اشد وطئا وأقوم قيلا " , و بالاستغفار و الذكر يهدأ ويطمئن القلب و تجف جراحه .

كيف يحزن المؤمن و قد بشره الله تعالي في كتابه الكريم حيث قال "ولا تهنوا و لا تحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " آل عمران 139
يقول ابن كثير في تفسيره " لا تهنوا " أى لا تضعفوا لما جرى لكم , "و لا تحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " أى العاقبة و النصرة لكم أيها المؤمنون .

إن الله تعالي بالغ أمره , فهو سبحانه ولي المؤمنين , جعلهم أعزه مهما ضاقت الدنيا عليهم , ومن تحقق عزه بالله لم يقدر أحد أن يذله .
يحكى ان رجلا أمر هارون ونهاه فشدد عليه وأغلظ , فقال اربطوه مع بغلة سيئة الخلق لتقتله , فلم تقض فيه شيئاً , ثم قال اسجنوه ففعلوا , فرآه في بستان فأتي به وقال له من أخرجك من السجن ؟ فقال الرجل الذى أدخلني البستان , فقال و من أدخلك البستان ؟ فقال الرجل الذى أخرجني من السجن , فعلم هارون أنه لم يقدر علي ذل من أعزه الله , فأمر أن يركب علي دابة و ينادى عليه " ألا إن هارون أراد ان يذل عبدا أعزه الله فلم يقدر "

إن سبب ذلك العز هو حب الله تعالى للعبد , يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه , فيحبه جبريل , ثم ينادي جبريل في السماوات إن الله يحب فلانا فأحبوه , فيحبه أهل السماء , ثم يوضع له القبول في الأرض فيحبه أهل الأرض " .

فالمسارعة المسارعة إلى محبة الله تعالى , فمحبة الله هي منقذنا مما تعيشه قلوبنا من أحزان .
فلا داع للضعف أمام الابتلاءات لأن المؤمن ليس بضعيف , ولا داع للحزن , لأن الحزن لابد أن ينجلي كما ينجلي الليل الطويل العابس بظلمته , ولا داع لليأس لأنه لابد أن يحسن العبد بربه الظن فالله عند ظن عبده به, ولابد من التفاؤل والأمل فيما عند الله .
فإذا كانت الدنيا لابد أن تذيقنا مرارتها فعلينا أن نعلم أنه ربما يكون ذلك من أجل حكمة إلهية عظيمة " فعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون " , " لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم "

يقول السعدي – رحمه الله - : "إن من لطف الله على عباده أنه يقدر عليهم أنواع المصائب ,وضروب المحن والابتلاءات , بالأمر والنهي الشاق رحمة بهم ولطفا , وسوقا إلى كمالهم , وكمال نعيمهم " .

إن المحن مهما كانت مؤلمة لابد من الصبر عليها , فهذه أم موسى التي أمرت بإلقاء ولدها في البحر فما أصعبها من محنة , فإذا تأملت لوجدت أنه رغم شدة الابتلاء كانت العواقب حميدة والآثار المستقبلية طيبة , وهذا ما عبرت عنه الآية :"والله يعلم وانتم لا تعلمون "

وهذا نبي الله يوسف الذى القاه إخوته في بئر في صحراء و تركوه وحده في وحشه الليل و لكن الله تعالى كان معينه وكافيه و كانت النهاية السعيدة له .
وهذا نبي الله موسى الذى فر خائفا من كيد قومه فأكرمه الله في نفسه و رزقه بزوجته وأبدله بعد العسر اليسر .

وهذا نبي الله يونس الذي ابتلعه الحوت , فما أخرجه من محنته إلا تبتله إلي ربه و مناجاته " لا إله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين "

وهذه أم المؤمنين عائشة التي ابتليت في شرفها لكنها فوضت أمرها لله تعالى ووجهت وجهها للذى يعلم براءتها , فنصرها سبحانه و برأها من فوق سبع سموات براءة تتناقلها الأجيال
فكلنا تقع له الأقدار المؤلمة التي تكرهها النفس , فقد يصيب البعض الجزع , أو يصيبه الحزن , وقد يظن البعض أن ما حدث له كان بمثابة الضربة القاضية على آماله وحياته بأكملها , لكن قد يكون هذا خيرا له لأن الله يعلم وأنتم لا تعلمون .

إن العبر والشواهد على مر الزمان كتبتها صفحات التاريخ وكلنا يعلمها لكننا ننسى في صخب آهات الألم وتأوهات المحن , لكن عندما نذكر أنفسنا بها تكون بمثابة البلسم على جراحنا " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين "

ومن هذه الجراح والابتلاءات ترفع الدرجات مهما كان ضعف العباد في استقبالها , لكن تتفاوت الدرجات في الجهد تجاه الصبر عليها والامتثال بأمر الله فيها " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " .. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي مات ولدها بالصبر فقال لها " اتق الله واصبري "

لكن علينا أن نتيقن أن الله سبحانه هو الذي يعلم ويطلع وهو القوي ونحن الضعفاء إليه وهو الغني ونحن الفقراء إليه , فإن كنا في لحظة اختبار فليس علينا إلا اللجوء له سبحانه واثقين في قدرته سبحانه واطلاعه علينا , عالمين ان العاقبة للمتقين ,متحلين بالصبر الجميل :" إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " .

فأكثرنا يعلم ما هي التقوى ويحفظ الكثير عن معاني الصبر وتقسيماته ثم يجزع ويفشل في أول اختبار للصبر , أو يقع منه التقصير في تطبيق هذه المعاني كما يجب أن تكون , ولعلنا نعلم أنه من يتوكل على الله تعالى فهو حسبه , وأن النصر والفرج لا يأتيان إلا بالتوكل , " إن ينصركم الله فلا غالب لكن وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون" آل عمران 160

فلنعد إلى الله تعالى بالتوبة الخالصة والمسارعة في الخيرات وفعل الطاعات للخلاص من أحزاننا ولنجدد الأمل في قلوبنا .. يقول الله تعالى " فاستجبنا له و وهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين " .الأنبياء 90