24 ذو القعدة 1434

السؤال

أريد حلاً لمشكلة أني أستحيي من أمي؛ لأنها امرأة بسيطة، وأن وجهها أسمر.. وعندما أمشي معها أشعر أن هناك بنات تقول هذه امرأة فقيرة ومتدنية، أو أنها سمراء.. أنا أشعر بذلك لكن لم أسمع أحداً قال هذا... لا أعرف ما حل هذه المشكلة؟؟ أرجو الرد بسرعة.

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد
أخي الفاضل الكريم:
نشكر لك ثقتك في موقع المسلم ومستشاريه ونسال الله أن يجري الحق على ألسنتنا وقلوبنا وان يرينا الحق ويثبتنا عليه
بني العزيز:
رغم انزعاجي من رسالتك إلا أنني وجدت فيها صراحة رغم صغر سنك , إذ تشعر بمشكلة وتطلب المعونة فيها، اشعر بالصراع الداخلي لديك في موقف واضح جدا لا يحتمل رأيين، ولا اعتقد أني أو غيري سيستطيع أن يقول لك كلاما يختلف عليه أحد ، بل اجزم انك تستطيع قول أضعافه لغيرك إن استشارك نفس استشارتك هذه، لأن التي سأحدثك عنها أنت أعلم بها مني، فأنت الذي شعرت بحنانها عليك وبنظرتها الحانية، ولمست فرحها بفرحك حتى لو لم تشركها فيه، ولمست حزنها على حزنك أو ألمك بمقدار يضاعف إحساسك أنت بنفسك.
هل أستطيع أن أصف لك حبا بلا ثمن؟، أعطاك قبل أن تعرف الحب، ومنحك قبل أن تعرف العقل، ووهبك من جسده لحما وعظاما ودما ثم لبنا ولم تبخل عليك بشيء، فانتزعت من فمها لتطعمك قبلها آو دونها، واقتطعت من راحتها لتريحك؟.
هل أحدثك عن حب خالص خال من أي شبهة مصلحة، لم تحبك لمجرد جمالك، فلو كنت قبيح الشكل لرأتك في عينها أجمل الناس، ولو كنت سيئ الخلق لأحبتك أيضا لأنك ابنها ولن تتحمل فيك شئ حتى لو آذيتها.
هل أحدثك عمن تدعو لك أكثر مما تدعو لنفسها وقبل أن تدعو لنفسها، تتمنى أن تفتديك بنفسها وبمالها وبروحها وترجو – إن كانت أمنية مشروعة - أن يأخذ الله من عمرها ليطيل عمرك.
هل أحدثك عن أمك التي تحبك دون شرط فيك أو منك، وتحبك بمميزاتك وبدونها، بمواهبك وبدونها، بشهاداتك وبدونها، وبوسامتك وبدونها.
كل حب بشري بعد حب والديك هو حب مشروط، حب معلق على مواصفاتك ومواهبك وممتلكاتك وأهمهم على إحسانك، فلا تصدق من يخبرك انه يحبك دون سبب ولا إحسان وعطاء متبادل، فلو اسأت لمن تحب يوما ثم أياما – مهما تحملك - لأبغضك وما تحمل منك تكرار الإساءة، إلا حب والديك لك، فلو أسأت إليهما سيظل حبك في قلوبهما - حتى لو أظهرا لك بعض الغضب - لأنك بضعة منهما، وسيظلان يدعوان الله لك ليل نهار بالهداية، وحسبك أن العتاب الوحيد الذي وجه لنوح عليه السلام وذكر في القران كان بسبب حب الولد الذي كان كافرا.
وكلما سيتقدم بك العمر ستتألم أنك في يوم من الأيام فكرت في تفكيرك هذا، وستوقن أن مجرد تفكيرك هذا كان كبيرة في حقك وحق والدتك.
من يريد أن يقبلك من الناس فعليه أن يفخر بهذه المرأة التي أنجبت وربت مثلك - واحرص آنت على أن تكون محلا لفخرها – وعلى كل من يريد قربك أن يكبرها في نظره باحترامك لها وتقديمك لحبها ولعطائها، فلن يحترمها احد إن كنت أنت تشعر مثل هذا الشعور الذي يمكن أن ينتقل للناس ويكون السبب فيه أنت، فالمشاعر دوما معدية ومتعدية.
لن يحاسبنا الله سبحانه على ما لا نستطيعه {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}، فكيف يحاسب بعضنا بعضا على ما ليس من صنعنا ولا من مكتسباتنا ولا حيلة لنا على إيجاده ولا دفعه.
فاملأ عينك بنظر الرضا والحب لامك، واسعد قلبها بحبك لها وتقديرك لكونها أمك لا لكونها صاحبة فضل عليك فحسب، جرب أن تنظر إليها هذه النظرة، وأدخل عليها السرور، قبل أن يأتي يوم عليك - إن طالت بك حياة بإذن الله – وحينها سترى صورتها أجمل صورة من صور الناس أو ربما ترى في صورتها ما لم تقدر على أن تراه في وجها لتكتشف انك بحاجة لكي تقبل قدميها ولو مرة.
مشكلتك داخلك ولابد أن تصححها آنت أولا ولا تنشغل برأي الناس ولا بنظرتهم فلن يقدموا لك خيرا ولن يمنعوا عنك شرا، وما هم إلا شواغل وصوارف وعقبات وعراقيل فانطلق في علاقتك بأمك بعيدا عنهم.
وفقك الله واسأله سبحانه أن يشرح صدرك وييسر أمرك ويرزقك من الخير عاجله واجله ما علمت منه وما لم تعلم وان يصرف عنك الشر كله عاجله واجله ما علمت منه وما لم تعلم.