حب البيادة وعقدة أردوغان!
6 ذو القعدة 1434
إسماعيل باشا

حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، بعد زيارة بشار الأسد في دمشق ونوري المالكي في بغداد، سيرسل غداً الاثنين وفدا إلى القاهرة لمباركة الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، ولا يخفى على المتابعين للشأن التركي أن القاصم المشترك في كل هذه الزيارات هو الخلاف الشديد الذي تعيشه تلك الحكومات مع الحكومة التركية، وبمعنى آخر تطوف وفود حزب الشعب الجمهوري العواصم العربية التي تعادي أردوغان وحكومته.

 

وفي كل من دمشق وبغداد، شن قادة حزب الشعب الجمهوري هجوما عنيفا على سياسة أردوغان الخارجية ونددوا بوقوفها مع إرادة الشعوب، وأعلنوا دعمهم لسياسات الأسد والمالكي، وحمَّلوا أردوغان مسؤولية تدهور العلاقات مع سوريا والعراق وإيران، ولن نستغرب إن وجَّهوا التهم نفسها إلى حكومة أردوغان في القاهرة وأعلنوا تأييدهم بشكل مباشر أو غير مباشر للانقلاب العسكري.

 

قادة حزب الشعب الجمهوري يتحاشون التصريح بمباركتهم للانقلاب العسكري ويزعمون أنهم تلقوا دعوة من الحكومة المصرية وليست من قادة الانقلاب، وأنه لا يوجد في برنامجهم لقاء وزير الدفاع وقائد الانقلاب الجنرال عبدالفتاح السيسي، بل إنهم سيلتقون ممثلين من الحكومة المصرية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، ولكن واقع مصر الحالي يكذِّب هذه التصريحات، ولا أحد يصدِّق ما يقولونه هذا، في ظل سيطرة الانقلابيين على الحكومة التي عينها السيسي وفي غياب الحريات وتطبيل وسائل الإعلام للانقلاب وقادته. هذه دعوة من قادة الانقلاب ولو تم توجيهها عن طريق الحكومة المصرية.

 

وليس غريبا على حزب الشعب الجمهوري أن يقف ضد إرادة الشعوب، لأنه لم يفز في أي انتخابات حرة ونزيهة وبدون دعم العسكر، وكانت المعادلة سابقا تشير إلى أن تحالف حزب الشعب الجمهوري مع الجيش التركي يعني وصولهما إلى الحكم وأن حزب كمال أتاتورك وجيشه «إيد وحدة». ولكن هذه المعادلة التي ما زالت حية في ذاكرة قادة حزب الشعب الجمهوري لم تعد صالحة اليوم في المعركة السياسية منذ إجراء الإصلاحات الديمقراطية التي أخرجت الجيش من ساحة الصراع السياسي وأعادته إلى مهمته الأصلية، وفي ظل المعادلة الحالية التي تتجلى فيها إرادة الشعب التركي دون أي تدخل من الجيش، لا أمل لحزب الشعب الجمهوري في الوصول إلى الحكم وتحقيق حلمه، وبالتالي ربما يجدون الفرصة في القاهرة لالتقاط الصور مع الدبابات والجنود وإشباع رغباتهم النفسية للانقلاب العسكري وحبهم للبيادة.

 

ومن المعروف أن أنصار حزب الشعب الجمهوري التركي معظمهم من القوميين العلمانيين وهؤلاء من أشد الناس كرها وعداوة للعرب، بسبب عنصريتهم من جهة وعلمانيتهم المتطرفة من جهة أخرى، ولأن العرب في أدبياتهم مرتبطون بالإسلام و»الرجعية والتخلف والبداوة». وهذه الزيارة «التاريخية» التي تبدأ غداً، ستجمع «الكماليين» الذين يكرهون العرب مع «الناصريين» الذين يكرهون الأتراك، وكأن أحفاد جمال باشا السفاح سيلتقون أحفاد قادة «الثورة العربية الكبرى»، وستكون زيارة مثيرة للغاية، ولعل هذه الزيارة تشكل نقطة تحول في نظرة كل واحد من الطرفين تجاه الآخر.

 

على كل حال، فمهما قامت وفود حزب الشعب الجمهوري بزيارات مكوكية إلى عواصم دول المنطقة فستكون عاقبتها الفشل، لأنها لن تزيد شعبيته في تركيا، بل ستضاف صور تلك الوفود مع الأسد والمالكي وأقطاب الانقلاب المصري إلى سجل الحزب الأسود كوصمات عار جديدة ليذكرها التاريخ مع أعداء الديمقراطية. كما أن رهان النظام السوري وحكومة المالكي وانقلابيي مصر على حزب الشعب الجمهوري في مواجهة أردوغان وحكومته رهان خاسر، لأن حزب الشعب الجمهوري ليس في موضع يمكِّنه من اتخاذ قرارات لصالح هؤلاء، ولا في الأفق ما يبشر بوصوله إلى الحكم في المستقبل القريب.

 

وهناك أسئلة تشغل بالي حول هذه الزيارة، وهي: هل سيلتقي وفد حزب الشعب الجمهوري في القاهرة قادة حزب النور ومشايخ السلفية الجامية أو لا؟ وفي ماذا سيتحدثون إن تم اللقاء؟ وما هي العواصم التي ستزورها وفود حزب الشعب الجمهوري بعد القاهرة؟ وأي متناقضات أخرى ستؤدي إلى تحالفها عقدة أردوغان؟

 

المصدر/ صحيفة العرب القطرية