أمريكا تبيع "وهم الإرهاب"
17 ذو القعدة 1434
علا محمود سامي

مجددا، عاد الحديث عما يسمى بمحاربة الإرهاب يطل برأسه من جديد في دول العالم، وخاصة في دول العالم العربي، وهو المصطلح الذي عندما يتم الحديث عنه، فلا يجب أن ننسى ذات المصطلح الذي صدرته الولايات المتحدة للعالم في ظل تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر في العام 2001.

 

هذا الحديث عن محاربة ما يسمى بالإرهاب، ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تصدح به في العراق وأفغانستان، وحرصت على أن تبرر عملياتها في اليمن بقتل بعض أبنائه، بالدعوى ذاتها، حتى أصبحت تمارس جرائمها تحت هذا المسمى، فقتلت الآلاف من العرب والمسلمين في بغداد وكابول وصنعاء، وقامت بتعذيب المئات في سجون سرية أقامتها بدول وحدود جغرافية خارج اطارها الحدودي تفاديا لعدم مساءلته داخل الكونجرس، بتهمة خرق قوانينها المحلية التي تحظر ممارسة التعذيب على أراضيها، وهذا كله خلاف معتقل جوانتانامو.

 

واللافت أنه مع كل هذه الممارسات التي ارتكبتها الادارة الأمريكية، سواء في الدول التي احتلتها أو الأخرى التي جعلتها تحارب الإرهاب بالوكالة، فقد تكبدت ادارة البيت الأبيض آلاف القتلى وأضعاف أضعافهم من الجرحى، للدرجة التي أصابت الكثيرين منهم بإصابات مزمنة، خلاف الأخرى العصبية والنفسية، خلاف هذا كله فقد انكشفت الصورة الزائفة للولايات المتحدة، والتي ظلت تصدرها للعالم بأنها تعمل على حماية حقوق الانسان واحترام الحريات، فضلا عن كشف مزاعمها باستفلالها لما يسمى بمحاربة الإرهاب لتحقيق أغرض خاصة، تستهدف تحقيق مصالحها بالأساس، وتقويض أية قوة يمكن أن تهدد أمن واستقرار الكيان الصهيوني.

 

ومع مرور الوقت، أدرك الجميع كذب الادعاء الأمريكي الزائف، وأن الجهود الأمريكية لمحاربة ما يسمى الإرهاب لا أساس لها من الصحة، ولم تكتف ادارة البيت الأبيض بذلك، بل راحت تصدر هذا الزعم الى غيرها من الدول، التي ذهبت بعضها في عالمنا العربي والإسلامي تواجه أبنائها تحت دعاوى مواجهة الإرهاب، للدرجة التي جعلت من الولايات المتحدة تبيع - إن جاز التعبير- وهم الإرهاب إلى غيرها من الدول، الأمر الذي انساقت ورائه هذه الدول، حتى أضحت حكوماتها تحارب معارضيها تحت مفهوم الإرهاب، والزعم بانتمائهم لجماعات مسلحة.

 

قد تكون بعض الحكومات محقة فيما تواجهه من جماعات مسلحة أو ما يمكن أن يهدد أمنها القومي عن طريق الخارجين عن القانون، غير أن الغالبية منها اصطنعت لنفسها عدوا، كما صدرت لها الادارة الأمريكية "وهم الإرهاب"، فأغرقت نفسها في حرب لاطائلة لها من ورائها، مستخدمة في ذلك الحل الأمني لمواجهة أية أفكار أو تيارات تكون قد ضلت طريق الصواب والجادة.

 

وكما كان الاعلام الأمريكي ضالعا في التحريض على العدو الوهمي المتعلق بالإرهاب، فإن ذات الدول التي قامت باستيراد مثل هذا المصطلح راحت تتعامل معه بنفس التعامل الأمريكي، ما تسبب قي ازهاق أرواح، وفقد وتوقيف وجرح آخرين بفعل الحرب على الإرهاب، للدرجة التي جعلت كل دعاة محاربيه يفقدون المصطلح من معناه بكل مفاهيمه ومعانيه، حتى فقد مضامينه.

 

والواقع، فإنه على الرغم من استنفاذ كل وسائل محاربة ما يسمى بالإرهاب سياسيا وأمنيا، سواء تلك الحملات التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية أو بعض الحكومات العربية، فإن الأخيرة حرصت على أن تكون لها عقيدتها المختلفة في المواجهة، للدرجة التي جعلت جيوش بعض الأنظمة تغير من عقيدتها في أن يحل الحرب على ما يسمى بالإرهاب بديلا عن الحرب على الصهاينة مثلا، بل وكان الأخطر من ذلك وهو شيطنة المقاومة لهذا الاحتلال الصهيوني الغاشم.

 

وفي هذا السياق، لعب الاعلام الأمريكي أو نظيره في بعض الدول العربي دورا تحريضيا ضد أبناء الوطن الواحد في مواجهة الإرهاب واقتلاع جذوره، حسب المفهوم الأمني الذي كان يتم به مواجهته على الأرض، للدرجة الذي أصبح فيه مواجهة هذا الإرهاب المزعوم على الهوية، بل وإتباع ثقافة الإقصاء، وأحيانا المساهمة في التحريض على القتل والفقد في الحياة،وذلك بإتباع ثقافة تحريضية غير مألوفة ضد المخالفين في الرأي، في مخالفة صريحة لمواثيق الشرف الإعلامي، فضلاً عن تغييب الضمير المهني، وما يمكن أن يحرك أحاسيس الانسانية بأن الخلاف في الرأي لا يقابله التحريض على القتل أو الإقصاء للدرجة الي جعلت البعض يوجه سمومه تحت مظلة الابداع بأن هناك شعبين في داخل الوطن الواحد، وأن لكل شعب إلهه، وهى كلها لغات تستدعي من كل المخلصين والعقلاء التنبه الى كل ما يخطط ويدبر بأن مصطلح الحرب على الإرهاب وفق المفهوم الأمريكي لا ينبغي أن يتم تصديره للمشهد العربي مهما كانت تداعياته، وأن بني الوطن الواحد المشتركين فيما يواجههم من تحديات يستدعي من الجميع التحرك لإدراك طبيعة هذه التحديات، وتقديم نموذج من قبول الآخرين، وعدم الانسياق الى تخاريف الحرب على الإرهاب وفق المفهوم الأمريكي، الذي أصبح يحظى باعتراض من جانب الأمريكيين أنفسهم وساستهم منذ أكثر من عقد.