أنت هنا

عملية نيروبي ومناخها
21 ذو القعدة 1434
موقع المسلم

لم ينسدل الستار بعد إعلان السلطات الكينية أنها أنهت عملية احتجاز رهائن في مركز وست غيت التجاري في العاصمة؛ فتداعياتها ممتدة حتى الجاليات الصومالية في الدول الغربية، كون العملية التي أسفرت عن مقتل نحو 140 محتجزاً، بحسب بيانات جماعة شباب المجاهدين الصومالية المسؤولة عن العملية، ستفتح الباب مرة أخرى أمام عدة مناقشات حول أكثر من قضية.
الهجوم الذي نفذه كوماندوز تابع لجماعة شباب المجاهدين هو من وجهة نظر السلطات الكينية وحكومات العالم عملية إرهابية استهدفت مدنيين داخل مركز تجاري، ومن وجهة نظر الجماعة هو هجوم انتقامي على مركز تجاري ترتاده الطبقة الثرية وحلفاؤها الغربيون ـ من العاملين بالهيئات الدولية هناك ـ في العاصمة الكينية بغرض الانتقام من احتلال القوات الكينية لأراضٍ في الصومال، وكبحاً لها عن الاستمرار في تقديم الدعم لحكومة مقديشو، وتوجيه رسالة للغربيين بأنهم لن يكونوا آمنين ما داموا يدعمون سلطات الاحتلال الكينية، واستهدافا لـ"إسرائيليين" ماليا في مجمع يملكونه أو جزءا منه.
أما عناصر النقاش حول العملية فمتعددة؛ منها مشروعية عمليات كهذه تستهدف مواطنين كينيين عاديين، وجدواها، وما إذا كان تكرار مثل هذه العمليات بعد انقطاع طويل نسبياً دليلاً على تحول دراماتيكي في مشهد المواجهة في المنطقة برمتها بين فصائل تحمل فكراً "جهادياً" وسلطات تراها ظالمة أو محتلة.
الهجوم وقع بعد 15 عاماً من الهجوم على سفارة واشنطن بكينيا عام 1998 والذي أسفر عن مقتل حوالي مائتي شخص معظمهم من الكينيين، وهو يعيد إلى الذاكرة هذه الأجواء التي سبقت بروز تنظيم القاعدة قبل سنتين اثنتين من وقوع أكبر هجوم منسوب إليه في نيويورك وواشنطن فيما عرف بأحداث سبتمبر؛ بما يؤشر إلى احتمالية عودة مناخ الهجمات في المنطقة مع تحولاتها المختلفة، وترابط أطرافها ببعضها.
من الناحية الشرعية جرى الحديث عنها مراراً بما يغني عن التكرار، لكن سياسياً وفكرياً ينبغي النظر إلى التربة التي تستنبت فيها مثل هذه الأفعال، ومدى ارتباطها بحرية الشعوب واستقرارها واستقلالها وإرادتها؛ فما حصل في الصومال على مدى العقدين الماضيين وتدخل الدول المجاورة في شؤونه، وما حدث في المنطقة من اضطرابات وانقلابات واحتلالات ونحوها يوفر الحاضنة الأوسع لمثل هذه الحوادث، برغم إدراك فاعليها أنها لم تجد نفعاً يوماً، ولا غيرت من واقع هم لا يرضون عنه؛ فالمفارقة أن كلا الطرفين يعود للخطأ ذاته؛ فلا الإقصاء والاستبداد يعيد أمناً، ولا التفجيرات تحقق تغييراً يرضى عنه فاعلوه!
والظلال المخيمة على الجميع هي عدالة عالمية انتقائية، تسارع في إدانة ما يحلو لها وتصمت عن جرائم دولية فاقعة من مجازر يرتكبها حكام غاصبون للسلطة أو متسلطون كما في سوريا وغيرها؛ فالجميع أدان عملية نيروبي في مجلس الأمن فوراً وهذا منطقي (رغم أن العالم لم يحقق في اتهامات الشباب للسلطات الكينية باستخدام السلاح الكيماوي في ضرب المجمع بكل من فيه)، ولكنه تجاهل عن عمد ذبح الشعب السوري والعودة بالمنطقة إلى عصور الاستبداد والقهر بعد أن تنفست الشعوب الصعداء لفترة قصيرة خلت من حصول مثل تلك العمليات الكبيرة.
إن إدانة عملية نيروبي سهل يسير يملكه الجميع، لكن الإدانات بأشد العبارات أو بأبسطها لن يغير من حقيقة دامغة تثبت كل يوم أن تحقيق العدالة هو الضمان البشري لنشر الأمن والاستقرار في بلدان المحيط العربي والإسلامي، وأن تربة الإقصاء والاستبداد والتهميش والاستعباد هي أخصب مكان لزراعة العنف وحصد الأرواح البريئة وغير البريئة.