ماذا بعد حادثة نيروبي ؟
21 ذو القعدة 1434
د. عامر الهوشان

كان شعار مكافحة الإرهاب وما يزال الشعار الأنسب لمحاربة الإسلام والمسلمين في كل مكان من هذا العالم , و بوابة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل للقضاء على باكورة أي دولة وليدة ترفع الإسلام شعارا , أو تجعل من شريعته ومنهجه مرجعا .
ولما لم يكن أمام اليهود وأمريكا في الحقيقة غير الإسلام عدوا يحاربونه , خاصة بعد تفتيت و زوال الاتحاد السوفيتي الشيوعية سابقا , كان لا بد من صناعة وإيجاد عدو وهمي يكون الإسلام والمسلمون مركزه ونواته , بينما يأخذ في الظاهر شكلا آخر واسما آخر , فكان شعار مكافحة ومحاربة الإرهاب هو الأفضل والأنسب , وكانت صناعة وإيجاد الإرهاب في العالم صناعة أمريكية بامتياز , من خلال الظلم والاضطهاد الذي تمارسه بحق الشعوب الإسلامية بشكل خاص , الذي لا بد أن يعقبة عنف مضاد بطبيعة الحال .
ومع أن استخدام هذا المصطلح سبق أحداث 11/سبتمبر/2001م , إلا أن استخدامه بشكل مطرد ومكثف كان بعد أحداث 11سبتمبر , حين غزت أمريكا باسمه كلا من أفغانستان والعراق , وكان الهدف الأبرز من هذا الغزو هو القضاء على حركة طالبان التي أرادت أن تحكم باسم الإسلام , والسيطرة على العراق لإعادة تشكيل المنطقة على أساس الشرق الأوسط الجديد , والذي بدأت معالمه تظهر بشكل واضح في هذه الأيام .
لقد عملت كل من أمريكا واليهود وأعداء الإسلام على ربط مصطلح الإرهاب بالإسلام والمسلمين , فكل أعمال العنف التي تحدث في الغرب أو في الشرق , إن كان منفذها مسلما قامت الدنيا ولم تقعد , وسلطت وسائل الإعلام الغربية والعربية الأضواء عليه , إمعانا في زيادة تشويه صورة الإسلام في نظر الغرب والشرق , وتمهيدا لحملة عنف واضطهاد جديدة على المسلمين , ربما تؤدي مع شدتها وبطشها لظهور من يدافع عن نفسه ضدها - ولا يجوز للمسلم حسب المنظور الغربي أن يدافع عن نفسه - فتلصق به تهمة الإرهاب من جديد , , وتدار حملة قمع جديدة لمكافحة ما يسمى الإرهاب , وهكذا دواليك .
أما إن كان منفذ الأعمال الإرهابية نصرانيا أو يهوديا أو عنصريا أو بوذيا أو ... , فإن حادثة العنف التي قام بها تمر مرور الكرام , بل وتختلق الأعذار للفاعل والمجرم , من خلال ذكر حالته النفسية والاجتماعية وغير ذلك , حتى يصور المجرم بأنه ضحية الظروف والبيئة والحالة الاجتماعية السيئة , وتنتهي القصة بطلب استرحام من القضاء بشأنه , أوبطي حادثة العنف والإرهاب أدراج النسيان , ولعل في حادثة إطلاق النار الأخيرة بمقر قوات البحرية الأمريكية منتصف الشهر الجاري في واشنطن خير شاهد ودليل على ما نقول , فقد كان الفاعل جنديا أمريكيا احتياطيا يعتنق الديانة البوذية , كما أن حوادث القتل المروعة للأطفال والمدرسين في المدارس الأمريكية في الفترة الأخيرة , والتي كان منفذوها وفاعلوها غير مسلمين يؤكد ما ذكر .
وربما لو كان منفذو عملية نيروبي الأخيرة غير مسلمين , لما كانت هذه الضجة الإعلامية الحالية , فقد تناقلت وسائل الإعلام خبر الهجوم يوم السبت الماضي على مركز التسوق (ويست غيت) التجاري بالعاصمة الكينية نيروبي , والذي تبنته رسميا حركة الشباب المجاهدين الصومالية .
وبينما أعلن الرئيس الكيني أوهورو كينياتا مساء الثلاثاء انتهاء الأزمة بالكامل وتحرير الرهائن من قبضة المسلحين , بعد أن أسفرت العملية عن مقتل 61 مدنيا و6 جنود و5 مسلحين واعتقال 11 آخرين , أكدت حركة الشباب المجاهدين استمرار احتجاز عدد من الرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة كما تقول , إضافة إلى أن مجاهديها ما زالوا يتحصنون في مبنى (ويست غيت) كما تقول .
وبعيدا عن الحكم الشرعي الذي ينطبق على مثل هذه العمليات , وبعيدا عن الجدال حول الفكر الذي تتبناه هذه الحركات والمجموعات لتبرير القيام بهكذا هجمات , فإن تأثيرها وتداعياتها على الإسلام والمسلمين سيكون خطيرا , إذ سيعمق فكرة تلازم مصطلح الإرهاب بالإسلام , من خلال الماكينة الإعلامية الجبارة التي يمتلكها الغرب واليهود في العالم , والتي لا تذكر أبدا أسباب هذا الهجوم ودوافعه , والمرتكز على الظلم الذي تشعر به هذه الجماعات من أمريكا وكينيا وغيرها .
لقد بدأ ظهور تداعيات هذا الحادث سريعا , فحوادث الاعتداء على المسلمين قد تزايدت في بريطانيا بعد أحداث نيروبي كما ذكرت قناة الجزيرة الفضائية , ولا شك أن أمثال هذه الاعتداءات ستتعدى حدود بريطانيا لباقي مدن الدول الغربية والأمريكية والإفريقية , ولا شك أن استثمار هذا الحادث ضد الإسلام والمسلمين , سيستمر لعدة أشهر وربما سنوات .
كما أن أمثال هذا الحادث سيزيد من رصيد ونفوذ اليهود والغرب في القارة الإفريقية عموما وفي كينيا خصوصا , فقد بدأ التغلغل الصهيوني في كينيا في فترة الاستعمار البريطاني قبل عهد الاستقلال , ففي عام 1913 عرضت بريطانيا على الحركة الصهيونية مشروعا يقضي بإقامة وطن قومي لليهود في كينيا , وقد جاء في كتاب (صهيون في أفريقيا ) الذي صدر عام 1968 عن صحيفة ( جويش قايبلشين سوسيتي ) أن (تشمبرلن) وزير المستعمرات البريطانية حث (ثيودور هيرتزل) زعيم الحركة الصهيونية علي توجيه جهود الحركة إلى شرق أفريقيا لإقامة استيطان يهودي هناك .
وبالفعل وصلت مجموعات يهودية منذ ذلك الحين بغرض تحويل كينيا إلى وطن قومي لليهود ، إلا أن الفكرة رفضت بعد تداولها في الحركة الصهيونية , كما رفضت مشاريع أخرى لإقامة (الوطن القومي) في أوغندا وجنوب السودان ، حيث تم إرساء مشروع الوطن القومي في فلسطين .
وبعد استقلال كينيا بشهر واحد فقط وانتخاب جومو كينياتا رئيسا لها ، قامت غولدا مائير رئيسة وزراء (إسرائيل) بزيارة إلى كينيا , وتقدمت لكينياتا بهدية شخصية , كما ارتبط كينياتا بعلاقات وطيدة مع زعماء إسرائيل خصوصا بن غوريون وغولدا مائير وأشكول .
وأما عن النشاط الاستخباري والعسكري فحدث ولا حرج , فالوجود (الإسرائيلي) في كينيا يهدف إلى تشكيل محور استخباري ( نيروبي ـ أديس أبابا ) يمكن لإسرائيل من خلاله تطويق الأمن القومي العربي عموما ، وتهديد الأمن المائي المصري بغرض ممارسة الضغط علي مصر , وذلك عبر اختراق ما يسمى بدول ( الاندوجو) وهي الدول المطلة على نهر النيل.
وفي أعقاب تفجير السفارة الأمريكية في كينيا عام 1998 نشط جهاز الموساد في العمل بكينيا تحت مبرر مكافحة الإرهاب , وها هو اليوم يزداد نشاطا عبر اشتراكه مع القوات الكينية في إجلاء رهائن نيروبي .
فقد صرح مسؤول أمني إسرائيلي أن قوات إسرائيلية تشارك القوات الكينية في عملية تحرير رهائن المركز التجاري بنيروبي , كما كشف مسؤول أمني كيني عن دخول قوات إسرائيلية المركز التجاري لإسعاف الضحايا كما قال , بينما ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية عن مصادر أمنية أن خبراء إسرائيليين يقدمون المساعدة لقوات الأمن الكينية في التخطيط لاستراتيجية التعامل مع المسلحين على حد وصفها .
وتزامنا مع هذه المساعدة اليهودية لكينيا , كشف المحلل السياسي في صحيفة هاآرتس العبرية حقائق خطيرة حول تاريخ العلاقة الكينية الإسرائيلية , فذكر باراك رافيد في مقال له بعنوان : ( القاعدة الاستخباراتية الاسرائيلية في كينيا) عن أنه في الخامس عشر من شهر (مارس) من العام 2007 التقى دبلوماسي من السفارة الأمريكية في نيروبي مع المدير العام لوزارة الخارجية الكينية طوم أمولو، وخلال اللقاء أكد للدبلوماسي الأمريكي أن كينيا و(إسرائيل) تقيمان علاقات أمنية واستخباراتية وثيقة جدا من سنوات عديدة، كما أنهما تقيمان لقاءات تنسيق وتعاون في جميع المجالات وعلى كافة المستويات، على حد تعبيره.
وأضافت الصحيفة العبرية: قال أمولو للدبلوماسي الأمريكي : إن (إسرائيل) بالنسبة لكينيا هي شريك إستراتيجي ، وأنه - أي إسرائيل - تُشكل بالنسبة لكينيا ردا مناسبا على الدول التي لا تُشاركنا في قيمنا التي نعتمد عليها ونمشي بحسبها، على حد تعبيره.
وأيا كان الأمر فإن التغلغل اليهودي في كينيا خصوصا وفي القارة الإفريقية عموما سيزداد بعد حادثة نيروبي بلا شك , وأن التعاون الأمني والاستخباراتي الموجود أصلا بين كينيا واليهود سيتضاعف , وهو الأمر الذي أكدته صحيفة معاريف الإسرائيلية .
فقد قالت الصحيفة في تقرير لها أمس : (إن عملية الهجوم التي شهدها المركز التجاري في نيروبي العاصمة الكينية ، فرصة قوية لتعزيز العلاقات بين إسرائيل وكينيا ودفعها نحو التقدم) , مما يعني مزيدا من التهديد للأمن العربي والإسلامي .
فهل سنعمل كعرب ومسلمين على الحد أوالتخفيف من تلك التداعيات المصاحبة لما بعد حادثة نيروبي ؟؟!!