على حساب العرب والمسلمين
24 ذو القعدة 1434
د. عامر الهوشان

رغم خبرة العرب والمسلمين الطويلة بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية , والتي تقوم أساسا على العداء الإيديولوجي للإسلام والمسلمين من جهة , وعلى المصالح المادية الصرفة من جهة أخرى , إلا أنهم ما زالوا يقعون في نفس أخطاء التعويل على أمريكا والغرب لحل مشكلاتهم وأزماتهم , وما زالوا يعولون على مجلس الأمن وأمثاله من المؤسسات الدولية , وفي النهاية يتم التفاوض والوصول إلى تفاهمات واتفاقات بين الدول الكبرى والوسطى والصغرى على حساب الإسلام والمسلمين .
فها هي موجة التفاهمات والاتفاقات بين الدول الغربية من جهة وكل من روسيا وإيران من جهة أخرى , على بعض الملفات الخلافية بينهما من أمثال الملف السوري والنووي الإيراني , تتم على حساب الدول العربية والإسلامية , التي لم تكن طرفا في هذه الاتفاقات والتفاهمات , ولا حتى استشيرت أو أخذ برأيها فيها , بل كان ما يجري فيها من أحداث جسام , مجرد وسيلة ضغط تستثمر من قبل أمريكا وأوربا لنيل بعض التنازلات من المنافسين لها على المصالح والهيمنة في منطقة الشرق الأوسط .
أمر يتكرر في كل مشهد من مشاهد التاريخ العربي الإسلامي السياسي الحديث , ورغم ذلك ما زال العرب والمسلمون يقعون في نفس الأخطاء , حيث يثقون بوعود ومواثيق أمريكا والغرب , التي حذرنا الله تعالى من الركون لوعودهم ومواثيقهم بقوله تعالى : { الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ } الأنفال/56 , بينما يهملون التواصل والتعاون فيما بينهم – كعرب ومسلمين – للوصول إلى تفاهمات واتفاقات تجنبهم الخسارة والخديعة الذي يقعون فيها كل مرة .
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا قد استثمرت الاحتقان الشعبي العربي ضد حكوماته لصالحها , فركبت موجة ما سمي بالربيع العربي , حتى إذا ما وصل التيار الإسلامي إلى الحكم في بعض تلك الدول أو شارف على ذلك في غيرها , انقلبت عليه في أول فرصة سانحة , وساندت أنصارها من العلمانيين واليساريين لتعيد الوضح العربي إلى ما كان عليه قبل ما سمي بالربيع العربي , أو ربما أسوأ إن تم لأمريكا وحلفائها ما يريدون - لا قدر الله - .
ومن أوضح الأمثلة على ما سبق التفاهم الأمريكي الروسي الذي تم في 14 سبتمبر حول نزع سلاح سوريا الكيماوي , رغم تهديدات أمريكا المتكررة بضرب النظام السوري , ثم تلاه بالأمس الاتفاق الأمريكي الروسي على مشروع قرار صوت عليه مجلس الأمن صباح اليوم بشأن السلاح الكيماوي في سوريا .
فقد أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بالإجماع فجر اليوم السبت تحت الرقم 2118 يدين استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا ويطالبها بنزعها وتدميرها ، لكنه لا يهدد بعمل عقابي تلقائي ضد حكومة الأسد إذا لم تمتثل للقرار، بل يشير إلى أنه في حال الإخفاق في الالتزام ببنود التخلص من الأسلحة الكيميائية فإن المجلس سيتوجه لاتخاذ إجراءات بموجب البند السابع.
وبموجب القرار الجديد سيتعين على مجلس الأمن - في حال عدم التزام النظام السوري ببنود الاتفاق- التوافق من جديد على اتخاذ تلك الإجراءات ، وليس الانتقال بشكل تلقائي للبند السابع .
لقد تم التركيز على ما يهم مصالح أمريكا والغرب وروسيا وإسرائيل في الأزمة السورية وهو السلاح الكيماوي , بينما تركت أنهار الدمار الغزيرة التي تسيل كل يوم على أرض سوريا دون حل أو اهتمام , في إشارة واضحة لاتفاقات وتفاهمات على حساب المسلمين , وكأن الأزمة السورية اختزلت لتصبح (السلاح الكيماوي فحسب) ؟!!
أما عن محاولة حل الأزمة السورية فقد كشف عنها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي صرح أن القوى العالمية تهدف إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في منتصف نوفمبر للمساعدة في إنهاء الحرب الدائرة في سوريا , وأن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، سيكشف عما آلت إليه التحضيرات لعقد المؤتمر في نهاية أكتوبر، على أن يعقد المؤتمر في أواسط نوفمبر.
إنه الأسلوب المعروف للغرب وأمريكا : حل سريع جدا للأمر الذي يعنيهم ويهمهم في سوريا ( السلاح الكيماوي ) وتأجيل للأمر الذي لا يعنيهم ولا يهمهم ( حل الأزمة السورية ) , فهل سنتعلم مما يحدث ويجري الآن للمستقبل القريب ؟؟!!
كما لاحت في أفق هامش اجتماعات الأمم المتحدة تفاهما وتقاربا أمريكيا إيرانيا , ومحاولة إيجاد حل قريب لما يسمى أزمة برنامجها النووي , من خلال إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس الجمعة ، أنه أجرى محادثة هاتفية مع نظيره الإيراني حسن روحاني في اتصال غير مسبوق بين الولايات المتحدة وإيران منذ الثورة الإسلامية في 1979.
كما حدث لقاء بين وزير خارجية إيران جواد ظريف ووزير خارجية أمريكا جون كيري مع مجموعة 5 + 1 الخاصة بملف إيران النووي , وبدا المشهد وكأن السلطات الإيرانية الجديدة تسعى لتغيير تظاهرها بالعداء لأمريكا والغرب الذي رفعته شعارا طوال عقود من الزمان خلت , لتبدأ حقبة جديدة من إعلان إنهاء هذا العداء الظاهري , الذي يبدو أنه لم يعد ضروريا في ظل المتغيرات الكبيرة التي حدثت مؤخرا في منطقة الشرق الأوسط .
لقد مهدت إيران لذلك بخطاب ود اليهود من خلال تهنئة اليهود بأعيادهم , والتي صدرت مؤخرا من جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني والرئيس الإيراني حسن روحاني , كما أن قبول إيران بحل الدولتين بين الفلسطينيين واليهود , من خلال تصريح روحاني أمام أعضاء مجلس العلاقات الخارجية الأميركي بنيويورك، صباح أمس الجمعة , يعتبر تراجعا في تصريحات إيران القديمة المستمرة حول محو إسرائيل من الخارطة , وتمهيدا لسياسة وعلاقات جديدة بين إيران والغرب واليهود على حساب العرب والمسلمين .
يبدو أن هناك صفقة أمريكية غربية روسية إيرانية تلوح في الأفق على حساب العرب والمسلمين في الدول العربية , سواء على صعيد الأزمة السورية , أو على صعيد العلاقات الإيرانية الأمريكية الغربية , وتبقى الدول العربية هي الوحيدة خارج إطار اللعبة السياسية العالمية , بسبب تفرقها وعدم اجتماع كلمتها من جهة , وبسبب العداء الذي تكنه الدول الغربية للإسلام من جهة ثانية .
فهل من دور عربي إسلامي فاعل في خضم هذه التفاهمات والاتفاقات على حسابه ؟؟!!