13 ربيع الأول 1435

السؤال

السلام عليكم.. أنا شابة من عائلة محترمة، ومتعلمة، ومحافظة، إلا أن مشكلتي أنني قليلة الجمال، وكلما تقدم أحد لخطبتي وأتى لرؤيتي في مكان عملي وأنا مرتدية لحجابي، يتم القبول والحمد لله، ولكن عندما تتم زيارة أهله لنا في البيت يرفضونني بسبب الشكل والجمال، وحدث هذا معي لعدة مرات، لدرجة صرت أتوقع النتيجة نفسها في كل مرة، فماذا عليّ فعله؟

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة، بداية أشكرك على رسالتك، وعلى ثقتك بموقع المسلم وطرحك لاستشارتك، أما بالنسبة لمشكلتك فألخصها في مسألة واحدة هي: معاناتك من رفض أسرة كل خاطب تقدم لخطبتك بسبب موضوع الشكل والجمال..
أختي الكريمة.. أتفهم مشاعرك جيدا، وما لفت انتباهي وأعجبني فيك هي شخصيتك القوية، وثقتك بنفسك واعتزازك بذاتك على الرغم ممَّ لمَسْتِه من رفض لأهل كلِّ خاطب تقدم لخطبتك..
وعادة هذا المشكل يسبب لكثير من الفتيات ألما نفسيا ومعاناة يومية، إلا أنك إنسانة لديك مصالحة مع نفسك ومعتزة بدينك، وتعليمك، وأسرتك المحافظة، ومتفهِّمة لطبيعة مشكلتك وتبحثين عن أسباب لحلِّها، وأنا سأحاول إن شاء الله أن أقدم لك بعض النصائح والإرشادات وأوضح لك بعض الأمور:
أولا: بالنسبة لمسألة الجمال والشكل الخارجي.. ليس هو المعيار الأساسي في اختيار الزوجة أو الزوج، لأن قِيَم الجمال نسبية تختلف من شخص لآخر، ولقد جعل ديننا الحنيف الشرط الأساسي للزواج هو الدِّين، والصَّلاح، والاستقامة، لأن الجمال الظاهري تخبو جذوته ويضعف بريقه مع توالي الأيام، بخلاف الجمال الباطني فهو ساطع ويظل مشرقا ومتوهجا، ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معشر الرجال فقال: (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)..
ومعنى هذا أن الجمال الظاهري ليس معيارا لقيمة الإنسان وتميُّزِه، وليس معيارا أساسيا في كسب الاهتمام والحصول على التقدير.. بل إن الجمال الحقيقي الذي يحبه ـ أي رجل شهم وملتزم بدينه وبما أمره الله ورسوله ـ هو الذي لا يقتصر على جمال الظاهر، بل على جمال الباطن الذي ينعكس على السلوك، والمواقف، والأقوال، وهو الذي يهب الشعور بالسعادة الزوجية، لهذا نجد كثيرا من الفتيات لا يمتلكن جمالاً خارجياً ومع ذلك يحرص الرجال على الزواج منهن..
ثانيا: ثقي أختي الكريمة بأن أولئك الذين تقدموا لخطبتك لم يقسم لك الله الزواج من أحدهم، ولو كان لك الخير في أحد من هؤلاء الخطاب، ما كان لأهله ولا لغيرهم أن يعترضوا، أو أن يمنعوا ما قسمه الله لك وكان من نصيبك، فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: كنت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً فقال: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف)
ثالثا: قَوِّي ثقتك بنفسك، واعتزازك بدينك، والتزامك، وافتخارك بثقافتك وتعليمك، ومكانتك الاجتماعية، وكل مكتسباتك في الحياة، وتأكدي بأن الجمال الظاهري ليس أحد متطلبات الزواج الأساسية، ولا تتوقف عليه أسباب النجاح في الحياة، إنما النجاح الحقيقي في شعورك بذاتك وقيمتك نكمن في نقاء قلبك، وقوة إيمانك، وقوة ارتباطك بالله عز وجل، وحرصك على خشيته وتقواه في السر والعلن..
وقيمتك في نقاء روحك، وطهارة نفسك، ونور بصيرتك وعقلك، وقدرتك على استغلال كل ما لديك من معارف ومؤهلات ومواهب في الارتقاء بنفسك ومساعدة أسرتك وتنمية مجتمعك، وقيمتك في عطائك وقدرتك على أن تضعي بصمته في حياة من حوله..
رابعا: عالجي نواحي القصور في تفكيرك، وتحرَّري من إحساسك السلبي بأن سبب عدم زواجك شكلك وقلة جمالك.. فما أكثر الفتيات اللاتي يتمتعن بكل مقومات الجمال والحسن ومع ذلك لم يكتب لهن أن يتزوجن أو تأخرن بالزواج.. ولا تعاقبي نفسك وتجلدي ذاتك بهذه القسوة، وتجلبي لنفسك مزيدا من الشقاء والشعور بالنقص، وبالتالي تفقدي ثقتك بنفسك وبريقك الداخلي، فحافظي على روحك متألقة ونشيطة ومتفائلة فلذلك تأثيره وانعكاسه الإيجابي على جمالك الخارجي، وقيمة الإنسان في روحه الإيجابية وفي عدم استسلامه لأسباب ضعفه وانهزامه..
خامسا: ركِّزي على الأشياء التي تمتلكينها، وعلى نِقاط القوة في شخصيتك، التي قد يغبطك عليها كثير من الفتيات في سنك، منها أنك حصلتِ على قدر جيد من التعليم، ومنَّ الله عليك بالعمل، ونشأت في أسرة محافظة فتربيت على الالتزام وحسن الخلق، إضافة إلى كثير من المميزات التي في حياتك ولكنك قد لا تلاحظينها..
سادسا: أحسني الظن بالله، وأكثري من الدعاء في مواطن استجابته، وتوكلي على الله في أمرك، وهو سبحانه من سيذلل لك الصعاب وييسر لك أسباب الزواج، وهو من بيده أن يختار لك من فيه الخير لك في دينك ومعاشك وعاقبة أمرك أجله وعاجله..
وختاماً أقول لأختي الكريمة: إن مسألة زواجك لا تحتاج منك إلا قليلا من الصبر والثقة في النفس وعدم الاستسلام لأي إحباطات نفسية، وسوف تجدين ما يسرُّك إن شاء الله، وتأكدي بأن الجمال الداخلي نعمة لمن شعر بقيمتها وحلاوتها، وأن بناء علاقة وطيدة مع الله عز وجل يجعل الإنسان يشعر في كل حالاته ومهما ساءت أموره أنه بخير، فالأنس بالله والتوكل على الله واللجوء إليه هو من سيمنحك الطاقة الداخلية التي ستدفعك للتقدم والسعي والإنتاج.. والرضا بما قسمه الله، وبالتالي الشعور بالارتياح والطمأنينة والسكينة.. مصداقا لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له)..
أسأل الله العلي القدير أن يرزقك الثبات على الحق، وييسر لك أسباب الزواج، ويختار لك الزوج الصالح ويسرك بما تحبينه وما يرضيك..إنه ولي ذلك والقادر عليه..