الحصار يخنق غزة
3 ذو الحجه 1434
د. عامر الهوشان

رغم كون الحصار الاقتصادي محرم في القانون الدولي , ولا يجوز فرضه إلا ضمن نطاق المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة , ومن مجلس الأمن الدولي حصرا , إلا أن الكيان الصهيوني تجاوز كل تلك القوانين والأعراف الدولية , وقام بفرض حصار خانق على غزة منذ ما يقارب من 7 أعوام .
ورغم أن القانون الدولي الإنساني قد وضع قواعد لأي حصار أو عقوبات اقتصادية تفرض من دولة أو من مجلس الأمن , من خلال إلزامه الأخذ بعين الاعتبار القواعد ذات الصلة بحماية السكان المدنيين والجماعات المعرضة للخطر جراء هذا الحصار , إلا أن الكيان الصهيوني لم يكترث بذلك أيضا , وقام بفرض حصار خانق من جانب واحد على قطاع غزة دون مراعاة قواعد القانون الدولي الإنساني .
لم يسلم الفلسطينيون من الحصار من جهة الشرق طوال سبع سنوات خلت حتى جاءهم الحصار من جهة الغرب هذه المرة , وإذا كان الحصار الأول مفهوما رغم قساوته وعدم قانونيته , نظرا لكونه يأتي من عدو لدود , ولا يتوقع من العدو إلا ذلك , إلا أن الحصار من جهة الغرب غير مفهوم ولا مقبول , نظرا لكونه يأتي من أخ وصديق , كان من المفروض أن يعمل على فك الحصار الأول , لا أن يزيد الحصار حصارا آخر .
لقد تنفس الفلسطينييون الصعداء حين نجحت ثورة 25 يناير في مصر , ولعلهم فرحوا بنجاح هذه الثورة أكثر من المصريين أنفسهم , نظرا لما كانوا يعانونه أيام مبارك من تكرار إغلاق معبر رفح الحدودي , الذي يمثل شريان الحياة لهم ولعائلاتهم , مما كان يزيد من معاناتهم , والذي اضطرهم حينها لحفر الأنفاق لضمان استمرار الحياة .
ولكن هذه الفرحة لم تدم طويلا , حيث عاد إغلاق معبر رفح الحدودي من جديد , بعد عزل الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو الماضي , لتبدأ سلسلة جديدة من المعاناة لآلاف المحاصرين في هذا القطاع المنكوب .
ولم يتوقف الأمر على إغلاق معبر رفح وما يسببه من أزمة إنسانية خانقة , ولم يتوقف الأمر عند هدم مئات الأنفاق التي كانت تمد القطاع ببعض أسباب الحياة أثناء إغلاق المعبر , بل وصل الأمر إلى كيل الاتهامات لحركة حماس بالمسؤولية عن أحداث العنف في سيناء , والتهديد والوعيد من قبل السلطات المصرية بضرب قطاع غزة عسكريا إذا لزم الأمر , والتي كان آخرها تصريح وزير الخارجية المصري نبيل فهمي وكذلك المتحدث العسكري للجيش المصري منذ أيام , بعد حملة إعلامية ممنهجة ضد كل ما هو حمساوي غزي .
ورغم المرونة الكبيرة التي تبديها حركة حماس تجاه السلطات المصرية الجديدة , ورغم نفيها المستمر لأي صلة لها بما يحدث في سيناء , ورغم تأكيدها المستمر على أن سلاح المقاومة لا يمكن أن يوجه إلا للعدو الصهيوني , ورغم تهنئتها مصر بالأمس بذكرى انتصار أكتوبر وإصدار بيان بشأن ذلك , إلا أن ذلك لم ينفع على ما يبدو في تخفيف حدة التوتر من جانب السلطات المصرية الجديدة .
لقد وصلت آثار الحصار المزدوج المفروض على قطاع غزة ذروته في الآونة الأخيرته , حيث أعلن محمد الفرا وزير الحكم المحلي بقطاع غزة منذ منتصف سبتمبر الماضي عن توقف تشغيل محطات الصرف الصحي لعدم توفر الوقود , وذلك بسبب تشديد الحصار وهدم الأنفاق , ومنع وصول السولار المصري للقطاع , مما يعني بداية ضخ مياه المجاري في البحر , الأمر الذي يسبب كارثة بيئية خطيرة تؤثر على صحة الإنسان .
وبالأمس أكد وزير الصحة مفيد المخللاتي أن رصيد الأدوية والمستهلكات الطبية بغزة يتناقص جراء إغلاق معبر رفح ، مشيرا إلى أن 30% من رصيد الأدوية مقطوع تماما.
وقال المخللاتي خلال لقاء مع الصحفيين : إن ما يجري في غزة من حصار هو ضد القوانين والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان ، وأن وزارة الصحة المصرية - في الفترة السابقة - كانت تعطي التصاريح من أجل إدخال الأدوية عبر معبر رفح للعديد من الجهات التي كانت تقدم العون الطبي وترفض التعامل مع الاحتلال هي الآن متوقفة جراء إغلاق المعبر .
وأكد وزير الصحة أن أكثر من 1000 مريض كان يتم تحويلهم بشكل شهري من خلال معبر رفح , من بينهم 300 بتحويلة حكومية , و 700 على حسابهم الخاص، حيث يعانون من أمراض يصعب التعامل معها مثل أمراض الأورام السرطانية .
من جهتها أكدت اللجنة الحكومية لكسر الحصار واستقبال الوفود أن استمرار إغلاق معبر رفح البري تسبب بآثار سلبية على قطاع غزة , وذلك بسبب منع الوفود المتضامنة من الدخول لغزة .
وذكرت اللجنة في بيان صحفي اليوم : أن إغلاق المعبر أدى إلى منع تلك الوفود من أداء مهمتها الإنسانية تجاه القضية الفلسطينية , والذي أخذته على عاتقها منذ فرض الاحتلال الصهيوني الحصار على غزة منذ ما يقارب السبعة أعوام .
وقالت الوزارة : خلال شهر سبتمبر لم يدخل لقطاع غزة أية وفود , حيث كان من المقرر دخول قافلة أميال من الابتسامات (23) إلا أن السلطات المصرية منعتها من الدخول , كما ومنعت إدخالها المساعدات التي كانوا يصحبونها للقطاع .
وناشد نائب رئيس اللجنة المهندس علاء الدين البطة المجتمع الدولي، وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بضرورة الضغط على الشقيقة مصر لفتح المعبر ومنع حدوث كارثة إنسانية، ودعم صمود أهلنا في قطاع غزة والتخفيف من معاناتهم.
كما أكد النائب جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لفك الحصار عن غزة ، أن ثلاث قضايا أساسية إستراتيجية تهدد مستقبل الحياة في قطاع غزة ، وهي مشاكل المياه والكهرباء والصرف الصحي .
وإذا كانت جميع الخلافات بين الدول يمكن أن تحل بالتفاوض والحوار , فمن باب أولى أن تحل مشكلات الدول العربية الشقيقة والصديقة فيما بينها بالحوار والتفاوض أيضا , وفي هذا الجانب دعا باسم نعيم مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني للشؤون الخارجية السلطات المصرية لعقد لقاء مباشر لبحث الأزمات التي تعصف بقطاع غزة جراء استمرار إغلاق معبر رفح والأنفاق الحدودية .
وقال نعيم في حديث لفضائية القدس مساء السبت : إن قطاع غزة يشهد حالة من الركود الاقتصادي بعد تشديد الحصار من خلال إغلاق الأنفاق بين مصر وغزة ، مجددا نفي ضلوع غزة أو أي من الفلسطينيين فيها بما يجري في سيناء , مؤكدا على أن كل الادعاءات في هذا السياق لا أساس لها من الصحة.
لقد بدأت وسائل الإعلام تنقل أنباء وفاة بعض المرضى الفلسطينيين بسبب الحصار وشح الموارد الطبية ورفض السلطات المصرية نقل المرضى عبر معبر رفح لاستكمال العلاج وإجراء العمليات الجراحية العاجلة .
فإلى متى سيبقى هذا الحصار مفروضا من العدو والصديق بحق إخوة لنا في العروبة والدين ؟؟