أعمال الحاج بعد النفر من منى 3/3
9 ذو الحجه 1434
د. ياسين بن ناصر الخطيب

الفصل الرابع: ما يفعله من يريد المغادرة.

وفيه مقدمة، وأحد عشر مطلباً:

المقدمة:

لم أجد من رتب الأفعال التي تكون بعد طواف الوداع وركعتيه إلا مجاهداً، وقد سأله رجل فقال: إذا أردت الوداع، كيف أصنع؟ قال: تطوف بالبيت سبعاً، وتصلي ركعتين خلف المقام، ثم تأتي زمزم، فتشرب من مائها، ثم تأتي الملتزم – ما بين الحَجَر والباب – فتستلمه، ثم تدعو، ثم تسأل حاجتك، ثم تستلم الحَجَر، وتنصرف.

(قلت) ولعل ملا علي القاري أخذه منه، لأنه رتبه على هذا الترتيب(1).

وأنا سأرتبه كذلك، بإذنه تعالى.

المطلب الأول: زمزم وما يتعلق بها من أحكام.

وفيه ثماني مسائل:

المسألة الأولى: زمزم، وأسماؤها، ولماذا سميت زمزم؟

قال النووي في المجموع(2):

وأما زمزم زادها الله شرفاً بزائين وفتحهما، وإسكان الميم بينهما، وهي بئر معروفة في المسجد الحرام – زاده الله تعالى شرفاً – بينها وبين الكعبة – زادها الله شرفاً – ثمان وثلاثون ذراعاً، وذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها ستون ذراعاً، كل ذلك بنيان، وما بقي فهو جبل منقور، وهي تسعة وعشرون ذراعاً، وذرع تدوير فهم زمزم أحد عشر ذراعاً، وعلى البئر مكبس ساج مربع، فيه اثنتا (عشرة) بكرة يستقي عليها.

سبب تسميتها بزمزم؟

قال النووي: قيل: سميت زمزم لكثرة مائها، يقال ماء زمزم،وزمزوم، وزمزام: إذا كان كثيراً، وقيل: لضم هاجر رضي الله عنها لمائها حين انفجرت وزمِّها إياه، وقيل: لزمزمة جبريل عليه السلام وكلامه.

وقيل إنه غير مشتق.

ولها أسماء أخر وهي: هزمة جبريل – والهزمة: الغمزة بالعقب في الأرض – وبرة، وشباعة، والمضنونة، وتكتم، ويقال لها طعام طعم، وشفاء سقم، وشراب الأبرار، وجاء في الحديث "ماء زمزم لما شرب له"(3) معناه: من شربه لحاجة نالها، وقد جربه العلماء والصالحون لحاجات أخروية ودنيوية فنالوها بحمد الله وفضله، ثم ذكر من فضائلها الشيء الكثير.

المسألة الثانية: الشرب من زمزم.

وقد بحث الفقهاء(4) هذه المسألة، ولكنني آثرت أن أنقل كلام النووي، لأنه أسند كلامه بأحاديث صحيحة فأقول:

قول النووي: يستحب أن يشرب من ماء زمزم، وأن يكثر منه، وأن يتضلع منه (أي يمتلئ).

ويستحب أن يشربه لمطلوباته، من أمور الآخرة والدنيا، فإذا أراد أن يشربه للمغرفة، أو للشفاء من مرض ونحوه، استقبل القبلة، ثم ذكر اسم الله تعالى، ثم ققال: (اللهم اغفر لي) أو (اللهم إني أشرب مستشفياً به من المرض، اللهم فاشفني) ونحو هذا.

ويستحب أن يتنفس ثلاثاً، في كل شرب، فإذا فرغ، حمد الله تعالى، وقد جاء في هذه المسائل أحاديث كثيرة:

1 – حديث جابر رضي الله عنه قال: ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب، يستقون على زمزم فقال: "انزعوا بني المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم، لنزعت معكم، فناولوه دلواً، فشرب منه" رواه مسلم(5).

2 – وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ماء زمزم: "إنها مباركة، إنها طعام طعم، وشفاء سقم"(6).

3 – وعن ابن عباس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى زمزم فشرب، وهم يسقون من زمزم، فقال: "أحسنتم وأجملتم كذا فاصنعوا" وفي رواية "إنكم على عمل صالح"(7).

4 – وعن عثمان بن الأسود قال: (حدثني جليس لابن عباس رضي الله عنه قال: قال لي ابن عباس: من أين جئت؟ قلت: شربت من ماء زمزم، قال شربت كما ينبغي؟ قلت: كيف أشرب؟ قال: إذا شربت فاستقبل القبلة، ثم اذكر الله تعالى، ثم تنفس ثلاثاً، وتضلع منها، فإذا فرغت فاحمد الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم) رواه البيهقي(8). اهـ.

5 – قال ابن عباس: وليقل إذا شرب (اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وشفاء من كل داء)(9).

المسألة الثالثة: الاغتسال من ماء زمزم.

ذكر هذه المسألة ملا علي القاري الحنفي في المناسك، والحطاب المالكي في مواهب الجليل، وشيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي في الفتاوى(10)، واختلفوا.

فقد نقل الحطاب عن ابن حبيب أنه قال: يستحب لمن حج أن يستكثر من ماء زمزم، تبركاً ببركته، ويكون منه شربه، ووضوؤه، واغتساله، ما أقام بمكة، ويكثر من الدعاء عند شربه. اهـ.

وكذلك استحب الاغتسال من ماء زمزم ملا علي القاري.

أما شيخ الإسلام فقد قال ويستحب أن يشرب من ماء زمزم، ويتضلع منه، ويدعو عند شربه بما شاء من الأدعية الشرعية، ولا يستحب الاغتسال منها.

وسبب الخلاف بين القولين، فيما أرى – والله أعلم – هو هل زمزم مباركة للشرب فقط، أم لجميع الاستعمالات؟

الذي أراه أن النبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك، ففي قوله "طعام طعم" هذا للشرب، وفي قوله "وشفاء سقم" هذا لجميع الاستعمالات.

الأدلة:

لم يُذكر لأي من القولين دليل أو تعليل، لكن في مصنف عبد الرزاق ما يؤيد كلام ابن عباس رضي الله عنه، وذلك أن طاوساً قال: أخبرني من سمع عباس بن عبد المطلب وهو قائم عند زمزم، وهو يرفع ثيابه بيده، وهو قول: اللهم إني لا أحلا لمغتسل، ولكن هي لشارب – أحسبه قال – ومتوضئ حِلٌ وبِلٌ.

الترجيح:

والذي أراه أن السنية تحتاج إلى دليل؛ لأنها حكم شرعي، والحكم الشرعي لا بد له من الدليل، لكننا إذا نظرنا إلى قوله صلى الله عليه وسلم عن زمزم "إنها مباركة، إنها طعام طعم"(11) زاد البيهقي (وشفاء سقم) لأمكننا القول بأنه يستحب الاغتسال من ماء زمزم؛ لأنها مباركة، أو على الأقل لا حرج في ذلك.

وأما دعاء العباس، فهو ثابت عنه؛ لأنه عن معمر، وهو ثقة فاضل، لكن هذا لا يبنى عليه حكم شرعي، وهو دعاء منه، ثم هل كان في مكة – يوم كانت مكة وادياً غير ذي زرع – غير زمزم، يشربون منها، ويغتسلون منها، ويغسلون ثيابهم وأوانيهم، وجميع استعمالاتهم.

لذلك فالراجح أن الاغتسال مستحب من ماء زمزم، أو مباح لا حرج فيه، والله أعلم.

المسألة الرابعة: هل ينضح على رأسه من زمزم؟

اتفق الفقهاء الذي ذكروا هذه المسألة(12) على أنه يسن أن ينضح من ماء زمزم على رأسه ووجهه، هكذا قال الكاساني، زاد الشربيني(13): وصدره، وقال ابن عابدين: ماسحاً به وجهه ورأسه وجسده، صاباً منه على جسده إن أمكن اهـ، ومثله قال ملا علي القاري.

وكل هذه بلا دليل ولا تعليل.

والذي أراه أن هذه مشابهة للمسألة قبلها: الاغتسال من ماء زمزم، وما دمنا قد رجحنا أن الاغتسال من ماء زمزم مستحب، فالراجح أيضاً أنه يستحب التبرك بماء زمزم في كل استعمال ليس فيه نجاسة أو ما شابه ذلك؛ لأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم واضح أنها مباركة، والله أعلم.

المسألة الرابعة: هل ينضح على رأسه من زمزم؟

اتفق الفقهاء الذي ذكروا هذه المسألة(12) على أنه يسن أن ينضح من ماء زمزم على رأسه ووجهه، هكذا قال الكاساني، زاد الشربيني(13): وصدره، وقال ابن عابدين: ماسحاً به وجهه ورأسه وجسده، صاباً منه على جسده إن أمكن اهـ، ومثله قال ملا علي القاري.

وكل هذه بلا دليل ولا تعليل.

والذي أراه: أن هذه مشابهة للمسألة قبلها: الاغتسال من ماء زمزم، وما دمنا قد رجحنا أن الاغتسال من ماء زمزم مستحب، فالراجح أيضاً أنه يستحب التبرك بماء زمزم في كل استعمال ليس فيه نجاسة أو ما شابه ذلك؛ لأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم واضح أنها مباركة، والله أعلم.

المسألة الخامسة: استقبال القبلة، وذكر الله، والتنفس، والتضلع، ثم حمد الله والدعاء، عند شرب ماء زمزم:

ذكر ابن حجر، والشربيني، وملا علي القاري وغيرهم(14) أنه يسن أن يستقبل القبلة عند شربه من ماء زمزم، وأنه يتضلع منه.

زاد ابن حجر: ويتنفس ثلاثاً، ويحمده بعد كل نفس.

زاد ملا علي القاري: ويرفع بصره في كل مرة، وينظر إلى البيت قائلاً في أول كل مرة: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وفي المرة الأخيرة: اللهم إني أسألك رزقاً واسعاً، وعلماً نافعاً، وشفاءً من كل داء.

قال شيرواني: ويشربه مصاً.

واستدلوا بما رواه البيهقي(15) أن رجلاً قال له ابن عباس رضي الله عنه: من أين جئت؟ قلت: شربت من زمزم، قال: شربت كما ينبغي؟ قلت: كيف أشرب؟ قال: إذا شربت فاستقبل القبلة، ثم اذكر الله تعالى، ثم تنفس ثلاثاً، وتضلع منها، فإذا فرغت فاحمد الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم).

(قلت) وهو كذلك: يسن أن يستقبل القبلة، من يريد الشرب من ماء زمزم، وأن يسمي الله تعالى، ويتنفس ثلاثاً، وأن يتضلع منها، ثم يحمد الله عز وجل ويدعو بما شاء من أمور الآخرة والدنيا، كما بين ابن عباس رضي الله عنه؛ لأن هذا لا يقال بالرأي، فلعله سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

المسألة السادسة: هل يشرب قاعداً أو قائماً؟

ذكر ملا علي القاري: أن الشارب من ماء زمزم يشرب – إن شاء – قاعداً أو قائماً. (قلت) وأستطيع أن أستدل لهذا القول بما روى البخاري والبيهقي(16) عن ابن عباس قال (سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم، فشرب وهو قائم).

المسألة السابعة: الشرب من النبيذ.

قال الشربيني(17): ويسن أن يشرب من نبيذ سقاية العباس ما لم يسكر.

(قلت) ويستدل لهذا بما رواه الإمام أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه، والبيهقي في سننه(18)، قال الإمام مسلم: عن بكر بن عبد الله المزني، قال: كنت جالساً مع ابن عباس رضي الل

فأتاه أعرابي فقال: مالي أرى بني عمكم يسقون اللبن والعسل، وأنتم تسقون النبيذ؟ أمن حاجة بكم، أم من بخل؟ فقال ابن عباس: الحمد لله ما بنا حاجة ولا بخل، قدم النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته، وخلفه أسامة، فاستسقى، فأتيناه بإناء من نبيذ فشرب، وسقى فضله أسامة، وقال: (أحسنتم وأجملتم، كذا فاصنعوا) فلا نريد تغيير ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(قلت) لا تعرف الآن سقاية النبيذ، التي كان العباس رضي الله عنه يسقي الناس منها، ولعل أحد الناس يحيي هذه السنة، ولو فرادى، فينبذ التمر، أو التين أو ما شاكل ذلك من الأنبذة، ويشرب ويسقي الناس؛ يحيي بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأن حديث شربه صلى الله عليه وسلم النبيذ صحيحة في مسند الإمام أحمد، وفي صحيح مسلم كما هو مبين. والله أعلم.

المسألة الثامنة: حمل ماء زمزم، وصبه على المرضى، وسقيهم منه.

ذكر ذلك الشربيني في مغني المحتاج(19)، فقال: وأن يتزود من مائها، ويستصحب منه ما أمكنه، ثم ذكر عن البيهقي أنه روى عن عائشة ذلك.

(قلت) نعم هو في البيهقي(20) قال: عن هشام بن عروة عن أبيه (أن عائشة كانت تحمل ماء زمزم، وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله).

ثم ذكر البيهقي رواية أخرى قال: وزاد فيه (حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأداوي والقرب، وكان يصب على المرضى ويسقيهم) قال البخاري: ولا يتابع خلاد بن يزيد عليه.

وروى البيهقي في سننه عن عطاء، عن ابن عباس قال: استهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو، من ماء زمزم.

قال البيهقي: قال الشافعي رحمه الله: بلغنا أن سهيل بن عمرو أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم منه.

وقال البيهقي: ثنا أبو الزبير، قال: كنا عند جابر بن عبد الله... قال: ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم – وهو بالمدينة قبل أن تفتح مكة – إلى سهيل بن عمرو أن أهد لنا من ماء زمزم، ولا يَتِرُك، قال فبعث إليه بمزادتين.

(قلت) وهذا من السنة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم له، والله أعلم.

المطلب الثاني: ما يتعلق بالملتزم، وفيه ثماني مسائل:

المسألة الأولى: ما هو الملتزم؟

اتفقت كلمة الفقهاء(21) على أن الملتزم هو ما بين باب الكعبة إلى الحجر الأسود من حائطه، بفتح الزاي، وهو موضع الالتزام، أي الاعتناق.

ويسمى المستجار أي موضع الاستجارة، وهو سؤال الأمان، يقال استجاره فأجاره، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: من الآية6](22).

وفي منتهى الإرادات(23): أن الملتزم هو أربعة أذرع بين الركن الذي به الحجر الأسود والباب أي باب الكعبة.

وقال ملا علي القاري(24): وهو ما بين الركن والباب، وقدره أربعة أذرع على الصحيح المشهور، عند الجمهور.

(قلت) هذا المقدار هو المشاهد الآن.

ونقل الخرشي عن ابن عباس أن الملتزم يسمى الملتزم، والمدعى، والمتعوذ.

ونقل عن ابن فرحون أنه يسمى الحطيم، وقال لأنه يدعى فيه على الظالم، فحيطم.

وعن بعض السلف أن الملتزم ما بين الركن اليماني والباب المسدود في ظهر البيت، وهذا هو المسمى بالمستجاز، ويقال له ملتزم عجائز قريش اهـ.

(قلت) يمكن أن يكون هذا غير الملتزم الذي نحن نتكلم عنه، بل خاص بعجائز قريش.

والراجح هو ما رجحه الفقهاء حيث جعل ملا علي القاري القول الأول هو الصحيح المشهور، وهو أن الملتزم ما بين الركن والباب، والله أعلم.

(قلت) وقد عرفنا أن أسماء الملتزم: الملتزم، والمستجار، والمدعى، والمتعوذ.

المسألة الثانية: متى يؤتى الملتزم؟

نص شيخ الإسلام ابن تيمية(25) على أن إتيان الملتزم من الممكن أن يكون قبل طواف الوداع، ومن الممكن أن يكون بعده، فقد قال – بعد أن تلكم عن طواف الوداع-:

وإن أحب أن يأتي الملتزم – وهو ما بين الحجر الأسود والباب – فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه، ويدعو ويسأل الله تعالى حاجته، فَعَل ذلك، وله أن يفعل ذلك قبل طواف الوداع، فإن هذا الالتزام لا فرق بين أن يكون حال الوداع أو غيره، والصحابة رضي الله عنهم كانوا يفعلون ذلك حين يدخلون مكة. اهـ.

وبيَّن ابن القيم أن الذي رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى الملتزم يوم فتح مكة، ثم قال: ففي سنن أبي داود(26) عن عبد الرحمن بن صفوان قال (لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قلت: لألبسن ثيابي – وكانت داري على الطريق – فلأنظرن كيف يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه، وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم).

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه قال (طفت مع عبد الله، فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ؟ قال: نعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا، وبسطها بسطاً ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله). اهـ.

ثم قال ابن القيم: فهذا يحتمل أن يكون في وقت الوداع، وأن يكون في غيره، لكن قال مجاهد والشافعي بعده وغيرهما: إنه يستحب أن يقف في الملتزم، بعد طواف الوداع، ويدعو.

وكان ابن عباس رضي الله عنه يلتزم ما بين الركن والباب، وكان يقول: لا يلتزم ما بينهما أحد يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه(27)، والله أعلم. اهـ.

الترجيح:

من هذين النصين نعلم أن إتيان الملتزم من الممكن أن يكون قبل طواف الوداع، كما أنه من الممكن أن يكون بعد طواف الوداع، لكن الأمر استقر كما نقل ابن القيم عن مجاهد والشافعي وغيرهما، على أن يكون ذلك بعد طواف الوداع، ونحن نقول أنه هو الراجح والله أعلم.

المسألة الثالثة: كيفية الوقوف في الملتزم(28).

الموقف: موقف انكسار وتذلل وابتهال؛ لذلك يقف المودع عند الملتزم، فيحمد الله ويشكره، على ما مَنَّ به عليه؛ لأنه موضع رغبة، فيضع عليه وجهه، وصدره، وذراعيه، وكفيه مبسوطتين ممدودتين على الجدار، يجعل يده اليمنى مما يلي الباب، واليسرى مما يلي الحَجَر.

فقد تقدم قبل قليل أنه في سنن أبي داود(29) عن عبد الرحمن بن صفوان قال (لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، قلت: لألبسن ثيابي – وكانت داري على الطريق – فلأنظرن كيف يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه، وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم).

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه قال (طفت مع عبد الله، فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ؟ قال: نعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا، وبسطهما بسطاً ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله) اهـ وتقدماً قريباً.

وعن مجاهد: أن عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم كانوا إذا قضوا طوافهم، فأرادوا أن يخرجوا استعاذوا بين الركن والباب، أو بين الحجر والباب(30).

(قلت) لا منافاة بين المكانين؛ لأن الركن هو الذي فيه الحجر الأسود، والباب هو باب الكعبة.

المسألة الرابعة: الدعاء عند الملتزم.

بعد هذه الوقفة الخاشعة عند الملتزم، فبم يدعو الداعي؟ خاصة وأن الملتزم موضع إجابة وكان ابن عباس يلزم ما بين الركن والباب، وكان يقول (ما بين الركن والباب يدعى الملتزم، لا يلزم ما بينهما أحد، يسأل الله شيئاً، إلا أعطاه إياه)(31).

الجواب: هناك أدعية كثيرة ذكرها الفقهاء في كتبهم منها:

1 – دعاء آدم عليه السلام(32) (اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي، فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، اللهم إني أسألك إيماناً يباشر قلبي، ويقيناً صادقاً، حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت علي، ورضني بما قسمت لي).

قال الكمال ابن الهمام: فأوحى الله إليه (أني قد غفرت لك، ولن يأتي أحد من ذريتك، يدعو بمثل ما دعوتني به إلا غفرت ذنوبه، وكشفت همومه، ونزعت الفقر من عينيه، وأنجزت له كل ناجز، وأتته الدنيا وهي راغمة، وإن كان لا يريدها).

2 – ومن تلك الأدعية(33): اللهم إنك حملتني على ما سخرت بنعمتك لعبادك، وما كانوا له مقرنين، حتى بلغتني لبيتك الحرام، فإن كنت يا رب قبلت، ورضيت، فازدد عني رضا، وإلا (فَمُنَّ) الآن، قبل أن أبعد عن بيتك، غير مبدل بك، ولا راغب عنك اللهم قني شر نفسي، وكل ما ينقص أجري، أو يحبط عملي، واجمع لي خير الدنيا والآخرة).

3 – ومنها(34): (اللهم هذا بيتك، وأنا عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك، حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نسكي، فإن كنت رضيت عني، فازدد عني رضاً، وإلا فمُنَّ الآن، قبل أن تنأى عن بيتك داري، وهذا أوان انصرافي، إن أذنت لي، غير مستبدل بك، ولا ببيتك، ولا راغب عنك، ولا عن بيتك، اللهم فاصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير) وذكر هذا الدعاء شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى(35)، وقال عنه إنه الدعاء المأثور عن ابن عباس، لكن ليس في أوله اللهم هذا بيتك، وأنا عبدك، إنما يبدأ بقوله: اللهم إني عبدك، وابن عبدك.. إلخ.

4 – ومنها(36): (اللهم بلدك، ومسجدك الحرام، وبيتك الحرام، أنا عبدك، ابن عبدك، أتيتك بذنوب كثيرة، وخطايا جمة، وأعمال سيئة، وهذا مقام العائذ بك من النار، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إنك دعوت عبادك إلى بيتك الحرام، وقد جئت طالباً رحمتك، متبعاً مرضاتك، وأنت مننت علي بذلك، فاغفر لي وارحمني، إنك على كل شيء قدير).

5 – وروى البيهقي(37) عن الربيع بين سليمان قال: أنبأنا الشافعي قال: أحب إذا ودع البيت أن يقف في الملتزم – وهو بين الركن والباب – فيقول: اللهم البيت بيتك، والعبد عبدك... إلخ بمثل ما عند مغني المحتاج للشربيني المتقدم ولم يذكر: واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة، وما بعده.

هذه هي الأدعية التي يدعو بها الداعي إذا وقف عند الملتزم، ولم يصرح أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بها إلا الماوردي، ذكر أنه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا شيخ الإسلام ابن تيمية ذكر أن الدعاء الذي ذكره مأثور عن ابن عباس صلى الله عليه وسلم والدعاء بالمأثور أفضل.

(قلت) نعم الدعاء بالمأثور أفضل.

المسألة الخامسة: المواضع التي يستجاب فيها الدعاء.

على الداعي أن يتحرى المواضع التي يستجاب فيها الدعاء، ليكون أكثر خشوعاً، وأكثر خضوعاً، وتذللاً بين يدي مولاه؛ لأنه الآن يدرك أنه في مواضع لا يخيب فيها الطالب، ولا يطرد فيها الراغب؛ فيكون حاضر القلب، أثناء الدعاء: غير ساهٍ، ولا لاهٍ، ولا متشاغلٍ عن مولاه، وهذه من علامات قبول الدعاء، وخاصة في المكان الذي كلامنا عنه، وهو الدعاء عند الملتزم فعلى الإنسان أن يجتهد في الدعاء في هذا المكان، وفي الأماكن الفاضلة، التي يستجاب بها الدعاء.

وقد ذكر النووي في المجموع – كما ذكر غيره(38) – المواضع التي يستجاب فيها الدعاء، فقال: ذكر الحسن البصري رحمه الله في رسالته المشهورة إلى أهل مكة أن الدعاء يستجاب في خمسة عشر موضعاً، في الطواف، وعند الملتزم، وتحت الميزاب، وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا والمروة، وفي المسعى، وخلف المقام، وفي عرفات، وفي المزدلفة، وفي منى، وعند الجمرات الثلاث. اهـ.

(قلت) ومعلوم أن كل ما لا يستقل العقل به فله حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا ما لا يدرك بالعقل، له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم(39)، وهذا مما لا يدرك بالعقل، ولا يستقل العقل بمعرفة مثل هذه الأمور؛ فهي إذاً توقيفية، اللهم إلا إذا كان عن اجتهاد وفهم، والله أعلم.

المسألة السادسة: رفع اليدين في الدعاء.

هذه المسألة من المسائل التي بحثها النووي في المجموع(40)، ودلل عليها وخلص إلى القول الفصل في المسألة، وأنا انقلها كما هي بإذنه تعالى.

قال النووي: قال الشافعي والأصحاب: إذا رأى البيت استحب أن يرفع يديه، ثم قال:

(فرع) في مذاهب العلماء في رفع اليدين عند رؤية الكعبة.

قد ذكرنا أن مذهبنا استحبابه، وبه قال جمهور العلماء: حكاه ابن المنذر عن ابن عمر، وابن عباس، وسفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، قال: وبه أقول.

وقال مالك: لا يرفع.

قال: وقد يحتج له بحديث المهاجر المكي، قال: سئل جابر بن عبد الله عن الرجل الذي يرى البيت يرفع يديه؟ فقال (ما كنت أرى أحداً يفعل هذا إلا اليهود، قد حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يفعله).

رواه أبو داود(41)، والنسائي(42) بإسناد حسن.

وروى الترمذي(43) بسنده عن المهاجر المكي أيضاً قال (سئل جابر بن عبد الله أيرفع الرجل يديه إذا رأى البيت؟ فقال حججنا مع النبي (فكنا نفعله) هذا لفظ رواية الترمذي، وإسناده حسن، قال أصحابنا: رواية المثبت للرفع أولى؛ لأن معه زيادة علم.

قال البيهقي(44): رواية غير جابر في إثبات الرفع أشهر عند أهل العلم من رواية المهاجر المكي، قال: والقول في مثل هذا قول من رأى وأثبت، والله أعلم. اهـ.

هذا وقد ذكر النووي الكثير من الأحاديث الصحيحة الصريحة في رفع اليدين(45).

المسألة السابعة: التشبث بأستار الكعبة(46).

في حال وقوف العبد عند الملتزم، لاصقاً ما يستطيع من جسده بالملتزم؛ فينبغي له أن يكون متشبثاً متعلقاً بأستاء الكعبة، كما يتعلق العبد الذليل بطرف ثوب مولى جليل، ويكون متضرعاً، متخشعاً، داعياً، باكياً، مكبراً، مهللاً، مصلياً على النبي صلى الله عليه وسلم حامداً، مثنياً على ربه، شاكراً لإفضاله عليه، فيكثر من الدعاء، والاستغفار، وهو على هذه الحالة، فالموضع موضع إجابة، وموضع إنابة، وموضع تذلل بين يدي المولى سبحانه (قلت) الأصل في العبادات الدليل ولا دليل على التشبث بأستار الكعبة، والله أعلم.

المسألة الثامنة: أين تقف الحائض والنفساء عند الدعاء؟

لا يزال كلامنا موصولاً عن الملتزم، وما يتعلق به من أحكام، ومعلوم أن الملتزم يكون داخل المسجد الحرام، وكذلك معلوم أن المرأة الحائض والنفساء يحرم عليهما دخول المسجد للُّبث فيه، وإذاً أين تدعو مثل هاتين المرأتين؟

نص كثير من الفقهاء(47) على أنه يندب لكل من الحائض والنفساء أن تدعو الله تعالى على باب المسجد، زاد ملا علي القاري أي أيَّ باب، أو باب الحزورة، وهو الأفضل، ولم يذكر دليلاً لذلك.

المطلب الثالث: ما يتعلق بالحجر الأسود، وفيه مسائل.

المسألة الأولى: فضل استلام الحجر الأسود.

وردت أحاديث وآثار تدل على فضل الحجر الأسود منها رواه الشيخان(48).

1 – عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود، فقبله، فقال (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك).

2 – وروى مسلم(49) عن سويد بن غَفَلَة قال (رأيت عمر قَبَّل الحجر والتزمه، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيّاً)(50).

3 – وروى عبد الرزاق في مصنفه(51) ما يدل على فضل الحجر الأسود من ذلك: عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً" في إسناده عطاء بن السائب صدوق اختلط.

4 – وعن مجاهد قال (إن استلام الحجر والركن يمحق الخطايا) وفيه حميد الأعرج، قال ابن حجر: ليس به بأس.

5 – وعن محمد بن عباد قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول: (والذي نفس ابن عباس بيده ما حاذى بالركن عبد مسلم، يسأل الله خيراً، إلا أعطاه إياه) رجاله ثقات.

6 – وعن ابن عباس (أيضاً قال: من استلم الركن ثم دعا استجيب له، قال: قيل لابن عباس: وإن أسرع؟ قال: وإن كان أسرع من البرق الخاطف) فيه إسماعيل بن شروس، ذكره الرازي في الجرح والتعديل 597 ولم يبين له جرحاً.

7 - وعن عبد الله – ابن عم أبي هريرة – يحدث أنه سمع أبا هريرة يقول (استلام الركن يمحق الخطايا محقاً) موقوف.

8 - وقال مجاهد (الركن والمقام يأتيان يوم القيامة أعظم من أبي قبيس، لكل واحد منهما عينان، ولسانان، وشفتان، تشهدان لمن وافاهما بالوفاء).

(قلت) كلهم ثقات: عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال مجاهد.

9 – عبد الرزاق عن هشام عن الحسن قال (كان يعجبه أن يستلم الحجر حين يستفتح، وحين يختم، فإن لم يقدر على ذلك كبر، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ومضى) رواته ثقات وذكره البيهقي أيضاً(52).

المسألة الثانية: كيفية استلام الحجر الأسود.

ثم بعد الانتهاء من الملتزم يأتي الحجَر كما وصف مجاهد عندما سأله سائل: إذا أردت الوداع كيف أصنع؟ قال: تطوف بالبيت سبعاً، وتصلي ركعتين خلف المقام، ثم تأتي زمزم، فتشرب من مائها، ثم تأتي الملتزم، فتستلمه، ثم تدعو، ثم تسأل حاجتك، ثم تستلم الحجر، وتنصرف(53). اهـ.

ومعنى استلام الحجر الأسود: هو لمسه بفم أو يد.

وقيل: هو استعماله، مأخوذ من السَلَمة: بكسر اللام بعد فتح السين، والسَلِمَة هي الجحر، وجمعة: السِّلام بكسر السين، كما يقال: اكتحل أي استعمل الكحل، فكذلك استلم أي استعمل السَلِمة(54).

وقد يكون مأخوذاً من السَّلام: بفتح السين: وهو التحية(55)؛ لأن المستلم يحيي الحجر الأسود كما في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المتقدم.

وقال النووي(56): الاستلام بكسر التاء، هو افتعال من السلام وهو التحية، كما يقال: اقترأت السلام، قال: ولذلك يسمي أهل اليمن الركن الأسود: المحيا، معناه أن الناس يحيونه.

وقيل: هو افتعال من السِّلام – بكسر السين – وهي الحجارة، واحدتها سَلِمَة – بكسر اللام، تقول: استلمت الحجر إذا لمسته كما تقول: اكتحلت من الكحل. اهـ.

وقيل: استلم الحجر بالقبلة أو باليد، قال ولا يهمز؛ لأنه مأخوذ من السِّلام وهي الحجارة، قال: وهمزة بعضهم.

وقال صاحب المحكم: استلم الحجر واستلأمه – بالهمز – أي قَبَّلة أو اعتنقه، قال: وليس أصله الهمز.

وقال ابن قدامة: فيستلمه وهو أن يمسحه بيده ويقبله(57). والله أعلم.

وأما قول الغزالي في الوسيط: الاستلام: هو أن يقبل الحجر في أول الطواف وفي آخره، بل في كل نوبة، فإن عجز بالزحمة مسه باليد؛ فقد أنكروه عليه، وغلطوه في تفسير الاستلام بالتقبيل؛ لأن الاستلام هو اللمس باليد، والتقبيل سنة أخرى مستحبة، وقد يتأول كلام الغزالي، ويستمر تصحيحه، بما تقدم. اهـ بتصرف.

(قلت) الذي نستخلصه من كلام النووي ومما نقله: أن استلام الحجر الأسود هو مسه باليد وتقبيله بالفم، وأن كلاً منهما سنة، وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى.

المسألة الثالثة: حكم استلام الحجر الأسود.

اتفقت كلمة الفقهاء(58) على أن استلام الحجر الأسود مستحب، وإن اختلفت عباراتهم في التعبير عن ذلك.

فقد قال في البداية: ثم ابتدأ بالحجر الأسود، فاستقبله، وكبر، وهلل، واستلمه إن استطاع من غير أن يؤذي مسلماً.

وقال البغدادي في المعونة: ثم يستلم الحجر بعد الركعتين إن قدر.

وقال النووي في المجموع: يستحب استلام الحجر بيده في أول الطواف.

وقال في المغني: ثم أتى الحجر الأسود، إن كان، فاستلمه إن استطاع.

واستدل هؤلاء بما روى البخاري في صحيحه(59) قال: أخبرنا زيد بن أسلم عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب قبَّل الحجر، وقال (لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّلك ما قبَّلتك).

وعن الزبير بن عربي قال: سأل رجل ابن عمر رضي الله عنه عن استلام الحجر فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبِّله، قال: قلت: أرأيت إن زحمت، أرأيت إن غلبت؟ قال: اجعل أرأيت باليمن، رأيت رسول الله (يستلمه ويقبِّله) رواه البخاري(60).

المسألة الرابعة: السجود على الحجر الأسود.

قال النووي في المجموع: معنى السجود على الحجر الأسود: أن يضع الجبهة عليه.

اختلف الفقهاء في حكم السجود على الحجر الأسود، فلم يذكره الحنفية والحنابلة، وكرهه المالكية، واستحبه الشافعية.

قال الحطاب في المواهب: وكره مالك السجود على الحجر، وتمريغ الوجه.

قال بعض أشياخنا: وكان مالك يفعله إذا خلا.

ونقل المواق عن مالك أنه قال: إن ذلك بدعة(61).

وقال النووي من الشافعية: ويستحب السجود عليه أيضاً مع الاستلام والتقبيل بأن يضع الجبهة عليه.

قال أصحابنا: ويستحب أن يكرر السجود عليه ثلاثاً، فإن عجز عن الثلاث، فعل الممكن.

الأدلة:

لم يستدل لهذه المسألة فيما رأيت إلا الشافعية.

قال النووي من الشافعية: واحتج له البيهقي(62) بما رواه بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قبله وسجد عليه، ثم قال: (رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبله، وسجد عليه، ثم قالك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا ففعلت).

وروى الشافعي(63) والبيهقي بإسنادهما الصحيح عن أبي جعفر قال: (رأيت ابن عباس جاء يوم التروية ملبداً(64) رأسه، فقبل الركن، ثم سجد عليه، ثم قبله، ثم سجد عليه، ثلاث مرات).

وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على الحجر).

(قلت) وهذا هو الراجح للأدلة التي تقدمت. والله أعلم.

المطلب الرابع: دخول البيت، وكيفيته.

استحب الفقهاء دخول الحاج والمعتمر إلى داخل الكعبة، وعدوا ذلك من سنن الحج والعمرة.

واستدلوا بحديث دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة، وصلاته فيها، ثم بينوا كيفية الدخول.

قال الكاساني في البدائع(65): وروى عن أبي حنيفة أنه قال: إن دخل البيت فحسن وإن لم يدخل لم يضره.

قال الشربيني الشافعي(66): وإذا فرغ من طواف الوداع المتبوع بركعتيه، استحب له أن يدخل البيت، ما لم يؤذ أو يتأذ بزحام أو غيره، وأن يكون حافياً، وأن لا ينظر إلى أرضه، ولا يرفع بصره إلى سقفه؛ تعظيماً لله تعالى، وحياء منه، وأن يصلي فيه ولو ركعتين.

وقال النووي من الشافعية(67): ينبغي لداخل البيت أن يكون متواضعاً، خاشعاً، خاضعاً؛ لما ذكرنا من حديث عائشة رضي الله عنها(68)، ولأنه أشرف الأرض، ومحل الرحمة والأمان، ويدخل حافياً، ويصلي في الموضع الذي ذكره ابن عمر، وهو مقابل باب الكعبة، على ثلاث أذرع من الجدار المقابل للباب.

ثم قال: ما ذكرناه من استحباب دخول البيت هو فيما إذا لم يتضرر هو، ولا يتضرر به أحد، فإن تأذى أو آذى لم يدخل، وهذا مما يغلط فيه كثير من الناس؛ فيتزاحمون زحمة شديدة، بحيث يؤذي بعضهم بعضاً، وربما انكشفت عورة بعضهم، أو كثير منهم، وربما زاحم المرأة، وهي مكشوفة الوجه، ولامسها، وهذا كله خطأ تفعله الجهلة، ويغتر بعضهم ببعض، وكيف يحاول العاقل سنة بارتكاب محرم من الأذى وغيره، والله أعلم.

من هذين النصين اللذين ذكرتهما يتبين لنا أن دخول البيت من سنن الحج، ومن سنن العمرة.

وقال ابن مفلح في الفروع(69): ويستحب دخول البيت – والحِجر منه – بلا خف، ونعل، وسلاح، نص على ذلك.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية(70): ودخول الكعبة ليس بفرض، ولا سنة مؤكدة، بل دخولها حسن... ومن دخلها استحب له أن يصلي فيها، ويكبر الله، ويدعوه، ويذكره، فإذا دخل مع الباب، تقدم حتى يصير بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع، والباب خلفه، فذلك هو المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يدخلها إلا حافياً، والحِجر أكثره من البيت، من حيث ينحني حائطه، فمن دخله فهو كمن دخل الكعبة.

من هذه النصوص يتبين لنا أن الفقهاء يرون أن دخول الكعبة من سنن الحج، لكن الشيخين ابن تيمية، وابن القيم(71) يريان أن دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة لم يكن في حج ولا عمرة، وإنما كان في فتح مكة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدخلها في الحج، ولا في العمرة: لا عمرة الجعرانة، ولا عمرة القضية، وإنما دخلها عام فتح مكة.

وزاد ابن القيم الأمر وضوحاً فقال: فزعم كثير من الفقهاء وغيرهم أنه – النبي صلى الله عليه وسلم – دخل البيت في حجته، ويرى كثير من الناس أن دخول البيت من سنن الحج اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، والذي تدل عليه سنته أنه لم يدخل البيت في حجته، ولا في عمرته، وإنما دخله عام الفتح.

ففي الصحيحين(72) عن ابن عمر رضي الله عنه قال (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، على ناقة لأسامة، حتى أناخ بفناء الكعبة، فدعا عثمان بن طلحة بالمفتاح، فجاء به، ففتح فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وأسامة، وبلال، وعثمان بن طلحة، فأجافوا الباب عليهم ملياً، ثم فتحوه، قال عبد الله: فبادرت الناس، فوجدت بلالاً على الباب، فقلت: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بين العمودين المقدمين، قال: ونسيت أن أسأله كم صلى).

وفي صحيح البخاري(73) عن ابن عباس رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة، أبى أن يدخل البيت، وفيه الآلهة، قال: فأمر بها فأخرجت، فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاتلهم الله أما والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط"، قال: فدخل البيت، فكبر في نواحيه، ولم يصل فيه).

فقيل: كان ذلك دخولين، صلى في أحدهما، ولم يصل في الآخر.

قال ابن القيم: وهذه طريقة ضعفاء النقد، كلما رأوا اختلاف لفظ، جعلوه قصة أخرى، كما جعلوا الإسراء مراراً، لاختلاف ألفاظه، وجعلوا اشتراءه من جابر بعيره مراراً، لاختلاف ألفاظه، وجعلوا طواف الوداع مرتين، لاختلاف سياقه، ونظائر ذلك.

وأما الجهابذة النقاد، فيرغبون عن هذه الطريقة ولا يجبنون عن تغليط من ليس معصوماً من الغلط، ونسبتِه إلى الوهم.

قال البخاري وغيره من الأئمة: والقول قول بلال؛ لأنه مثبت شاهد صلاته، بخلاف ابن عباس، والمقصود أن دخوله البيت، إنما كان في غزوة الفتح، لا في حجه، ولا في عمره.

وفي صحيح البخاري(74) عن إسماعيل بن أبي خالد (قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى: أدخل النبي صلى الله عليه وسلم في عمرته البيت؟ قال: لا).

وقالت عائشة رضي الله عنها (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندي وهو قرير العين، طيب النفس، ثم رجع إلي وهو حزين القلب، فقلت: يا رسول الله! خرجت من عندي وأنت كذا وكذا، فقال (إني دخلت الكعبة، ووددت أني لم أكن فعلت، إني أخاف أن أكون قد أتعبت أمتي من بعدي)(75).

فهذا ليس فيه أنه كان في حجته، بل إذا تأملته حق التأمل، أطلعك التأمل على أنه كان في غزاة الفتح، والله أعلم.

وسألته عائشة رضي الله عنها أن تدخل البيت، فأمرها أن تصلي في الحِجر ركعتين(76). اهـ.

الترجيح:

الذي أراه بعد هذه الجولة في أقوال الفقهاء أنه لا تعارض بين هذه الأقوال، فالنبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وصلى فيها، في فتح مكة، وهذا ثابت لا يحتاج إلى دليل، بل قد تقدمت الأدلة عليه، وكما مر في كلام ابن القيم، وإذا كان كذلك؛ فإن من السنة أن يدخل المسلم الكعبة؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولما كان الحاج أو المعتمر لا يستطيع أن يأتي البيت كلما أراد، فمن السنة أن يدخل البيت إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً، في حجته أو عمرته أو في غيرهما.

والذي أريد أن أؤكد عليه هنا هو أن الشيخين لم يريدا أن يمنعا الحاج أو المعتمر من دخول الكعبة، وإنما أرادا بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخلها في الحج، ولا في العمرة، وإنما دخلها في فتح مكة، وهذا لا يتعارض مع القول بأن دخول الكعبة سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، والله أعلم.

المطلب الخامس: دخول الحِجْر.

ذكر هذه المسألة الماوردي في الحاوي، وشيخ الإسلام في الفتاوى، والمرداوي في الإنصاف وغيرهم(77).

قال الماوردي: ويختار أن يدخل الحجر، ويدعو تحت الميزاب، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد يدعو عند الميزاب إلا استجيب له"(78).

وروي عن الحسن البصري أنه قال: (أقبل عثمان بن عفان رضي الله عنه ذات يوم فقال لأصحابه: ألا تسألوني من أين جئت؟ قالوا: ومن أين جئت يا أمير المؤمنين؟ قال: ما زلت قائماً على باب الجنة، وكان قائماً تحت الميزاب، يدعو الله عنده)(79).

وقد روى جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا حاذى ميزاب الكعبة، وهو في الطواف (اللهم إني أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب)(80).

المطلب السادس: سنن ينبغي فعلها.

ذكر النووي في مناسكه: متن الإيضاح(81) بعض السنن التي يسن لمن تأخر بمكة، أو كان يريد البقاء فيها لمدة ما أن يفعلها، فقال:

1 – ينبغي للحاج أن يغتنم – بعد قضاء نسكه – مدة مقامه بمكة، ويستكثر من الاعتمار، ومن الطواف في المسجد الحرام؛ فإنه أفضل مساجد الأرض، والصلاة فيه أفضل منها في غيره من الأرض جميعها، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام"(82).

2 – ويستحب التطوع فيه بالطواف لكل أحد، سواء الحاج وغيره، ويستحب في الليل والنهار، وفي أوقات كراهة الصلاة، ولا يكره في ساعة من الساعات، وكذا لا تكره صلاة التطوع، في وقت من الأوقات بمكة، ولا بغيرها من بقاع الحرم كله، بخلاف غير مكة.

3 – واختلف العلماء في الصلاة والطواف في المسجد الحرام أيهما أفضل؟ فقال ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد: الصلاة لأهل مكة أفضل، وأما الغرباء، فالطواف لهم أفضل، وقال صاحب الحاوي: الطواف أفضل.

4 – يستحب لمن جلس في المسجد الحرام أن يكون وجهه إلى الكعبة، فيقرب منها، وينظر إليها إيماناً واحتساباً، فإن النظر إليها عبادة.

5 – ثم ذكر استحباب دخول البيت، وذكر ماذا يعمل فيه من الطاعات، ثم قال:

6 – يستحب الإكثار من دخول الحِجر فإنه من البيت ودخوله سهل، وقد بينا أن الدعاء فيه تحت الميزاب مستجاب.

7 – يستحب أن ينوي الاعتكاف كلما دخل المسجد الحرام، فإن الاعتكاف مستحب لكل من دخل مسجداً من المساجد، فكيف الظن بالمسجد الحرام؟

8 – يستحب لمن دخل مكة حاجاً أو معتمراً أن يختم القرآن فيها قبل رجوعه.

9 – وذكر الخلاف في المجاورة بمكة، وخلص إلى القول: إن المجاورة مستحبة لمن أمن على نفسه الوقوع في الأمور المحذورة، وقد جاور فيها خلائق لا يحصون، من سلف الأمة وخلفها، ممن يقتدى بهم.

10 – وينبغي للمجاور أن يذكِّر نفسه بما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال (الخطيئة أصيبها بمكة أعز علي من سبعين خطيئة بغيرها).

المطلب السابع: هل يرجع القهقرى عند الخروج.

نقل شيخ الإسلام ابن تيمية أن القهقرى: مشية الراجع إلى الخلف(83). اهـ.

واختلف الفقهاء(84) في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: نعم يرجع القهقرى عند الخروج من المسجد.

وبه قال أكثر الحنفية، وقول مرجوح للشافعية.

القول الثاني: لا يرجع القهقرى، بل يمشي وظهره إلى القبلة، والرجوع قهقرى بدعة.

وبه قال المالكية والحنابلة وهو الرأي الراجح عند الشافعية، وبه قال بعض الحنفية.

وإليك أقوال الفقهاء:

قال الزيلعي الحنفي: وينبغي له أن ينصرف وهو يمشي وراءه، وبصره إلى البيت متباكياً متحسراً على فراق البيت، حتى يخرج من المسجد؛ وفي ذلك إجلال البيت وتعظيمه، وهو واجب التعظيم، بكل ما يقدر عليه البشر، والعادة جارية به في تعظيم الأكابر، والمنكر لذلك مكابر.

لكن ذكر ملا علي القاري في مناسكه – بعد هذا القول – قولاً آخر فقال: (وقيل) أي في صفة رجوعه (ينصرف ويمشي، ويتلفت إلى البيت كالمتحزن على فراقه) وهذا أظهر وأيسر على الأكثر، وبه يحصل الجمع بين اختلاف الأدلة والروايات.

وقال الطرابلسي: وما يفعله الناس من الرجوع القهقرى – بعد الوداع – فليس فيه سنة مروية، ولا أثر محكي. اهـ.

وقال في الشرح الكبير للدردير المالكي (ولا يرجع القهقرى) بل يخرج وظهره للبيت، وكذا في زيارته صلى الله عليه وسلم. اهـ.

وبين الدسوقي أن الرجوع القهقرى هو فعل الأعاجم عند مفارقة عظيم. اهـ.

وذكر النووي للشافعية ثلاثة أوجه، لا تخرج عما قاله الحنفية:

الأول: يستحب أن يخرج وبصره إلى البيت، حتى يكون آخر عهده بالبيت، وبهذا قطع جماعة، (قلت) هو أن يرجع القهقرى.

الثاني: وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه وآخرون: يلتفت إليه حال انصرافه كالمتحزن عليه، (قلت) ليس فيه رجوع القهقرى، لكن يمشي ويلتفت وهو ماشٍ وظهره إلى البيت.

الثالث: وقال جماعة من أصحابنا: يخرج ماشياً تلقاء وجهه، ويولي الكعبة ظهره، ولا يمشي قهقرى – أي كما يفعله كثير من الناس – قالوا بل المشي قهقرى مكروه؛ لأنه بدعة، ليس فيه سنة مروية، ولا أثر لبعض الصحابة، فهو محدث لا أصل له، فلا يفعل، وهذا الوجه الثالث هو الصواب ثم ذكر من قطع به من الأصحاب. اهـ.

وقال البهوتي الحنبلي: ولا يستحب له المشي قهقرى بعد وداعه، قال الشيخ تقي الدين: هذا بدعة مكروهة.

الأدلة:

لم يذكر الذين يستحبون الرجوع القهقرى دليلاً لما قالوا، بل كل الذي قالوه إنما هو تعليل عقلي، مبني على العادات الموجودة عند الناس، بل هي بالعجم ألصق، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة الكرام رضي الله عنهم.

الترجيح: مما تقدم عرفنا أن كلام الذين يستحبون الرجوع إلى الوراء عند مفارقة الكعبة خال من الدليل الصحيح، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، كما لم يفعله أحد من الصحابة الكرام، وأن الفقهاء قالوا: إنه بدعة؛ لذا فالراجح أنه لا يجوز العمل به، أي لا يجوز الرجوع القهقرى عند مفارقة البيت، بل يخرج الإنسان من البيت كما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وظهرهم للكعبة، والله أعلم.

المطلب الثامن: كم يبقى الحاج بمكة بعد قضاء نسكه؟

إذا أتم الحاج أو المعتمر جميع أنساك الحج، فليعجل الرجوع إلى أهله.

فقد روى البخاري(85) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه، وشرابه، ونومه، فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله".

ولكن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للحاج أن يبقى بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام.

فقد روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما(86) عن العلاء بن الحضرمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث للمهاجر بعد الصَدَر" هذا لفظ البخاري.

(قلت) والمهاجر من ليس من أهل مكة، والله أعلم.

وفي مسلم عن العلاء بن الحضرمي أيضاً (للمهاجر إقامة ثلاث، بعد الصدر بمكة) كأنه يقول لا يزيد عليها.

وفي لفظ آخر لمسلم (يقيم المهاجر بمكة، بعد قضاء نسكه، ثلاثاً).

المطلب التاسع: من أين يخرج من يغادر مكة؟

روى ابن أبي شيبة في مصنفه(87) والبيهقي في سننه(88)، عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل من الثنية العليا، ويخرج من الثنية السفلى.

(قلت) المقام مقام اتباع، فينبغي للمسلم الحاج – قدر الإمكان – أن يكون في حجه على المستوى اللائق في التقيد باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

المطلب العاشر: ما يقوله مَن يغادر مكة المكرمة.

يستحب للخارج من مكة إلى أهله، أو إلى حاجته(89) أن يقول ما روى البخاري وغيره(90) عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة، يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده).

(قلت) وهذا أيضاً مقام اتباع ينبغي للمغادر مكة أن يفعله. والله أعلم.

المطلب الحادي عشر: ما يقال لمن رجع من الحجر والعمرة.

إذا لقي الرجل رجلاً عائداً من الحج أو العمرة، فينبغي أن يدعو الرجل لأخيه القادم بالدعاء المأثور عن السلف رضي الله عنهم، فيقول له ما قال ابن عمر، فإنه قال لرجل قدم من الحج: تقبل الله نسكك، وأعظم أجرك، وأخلف نفقتك.

ولقي طلحة حماداً، فقال له: بَرَّ نسكك.

ولقي أبو قلابة رجلاً قدم من العمرة، فقال له: بَرَّ العمل، بَرَّ العمل(91). (قلت) هو دعاء المؤمن لأخيه المؤمن، وهو حري بالإجابة.

وأنا أقول: وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه أجمعين.

الخاتمة

توصل البحث بعد هذه الجولة المباركة إلى النتائج التالية:

1-     يسن للحاج أن يأتي المحصب، وأن يصلي فيه الصلوات الأربع، التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم يرقد رقدة، ثم يذهب للوداع إن أراد ذلك، وسواء في هذا المكي والآفاقي، وذلك قدر الإمكان، وحيث لا يكون هنالك ضرر عليه ولا على غيره.

2-             ويتأكد التحصيب، لمن يُقتدى به، حتى لا تضيع هذه السنة.

3-     التحصيب ليس بنسك، ولا يسن هذا للمتعجل، ولا إذا صادف هذا اليوم يوم جمعة، وأراد الحاج أن يصلي الجمعة في المسجد.

4-             أطوفة الحج ثلاثة: القدوم، والإفاضة، والوداع.

5-             طواف الوداع واجب يلزم من تركه دم.

6-             ووقته: بعد الفراغ من أعمال الحج أو العمرة، وإرادة الخروج من مكة.

7-             وإذا طاف للوداع، وتأخر لو لم يكن التأخير بإرادته، وإن تأخير لغير ذلك، أعاد طواف الوداع.

8-     يسن صلاة ركعتين بعد طواف الوداع، والأفضل اتصالهما بطواف الوداع، ولا يضر تأخيرهما عنه؛ لأنه لا ترابط بينهما، ولا وقت لهما فمتى صلاهما، وأين صلاهما صح.

9-     والأفضل أن تكون الركعتان خلف مقام إبراهيم عليه السلام، ولا يقاس على المقام غيره، ولكن الأفضلية مشروطة بعدم حصول ضرر الزحام وغيره.

10-        ويسن أن يقرأ فيهما بالكافرون والإخلاص.

11-        وهما سنة؛ لذا تصح صلاتهما قاعداً مع القدرة على القيام، وتصليان في الكعبة والحجر.

12-        ولا بأس بالصلاة في الحرم بلا سترة، والناس يمرون من أمامه.

13-        ثم يسن أن يأتي زمزم، ويشرب منها، ويتضلع.

14-        ويأتي الحجر الأسود، فيسلتمه.

15-   ويسن دخول الكعبة إن تيسر ذلك، بلا تدافع ولا زحام، ويسن أن يأتي الحجر ويدعو تحت الميزاب، والدعاء هنا وفي الملتزم مجاب.

16-        ويعد الخروج من البيت، لا يرجع وراءه، كما يفعل بعض الناس.

17-        ويسن أن يدعو إذا أنهى أعمال الحج والعمرة.

18-        وإذا وصل إلى إخوانه دعوا له بالقبول.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

_________________

(1)             المغني لابن قدامة 5/342-343 م 663 ذكره عن مجاهد، مناسك ملا علي القاري ص 170.

(2)             انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي 3/138-139، والمجموع شرح المهذب للنووي 8/198-199.

(3)      قال النووي: 8/198 عن هذا الحديث: رواه البيهقي بإسناد ضعيف، قال (تفرد به عبد الله بن المؤمل) وهو ضعيف. (قلت) هو في البيهقي 5/148. وجملة (وهو ضعيف) من كلام النووي.

(4)      تبيين الحقائق للزيلعي 2/36-37. قال: واختلفوا: هل يبدأ بزمزم أو بالملتزم؟ والصحيح أن يبدأ بزمزم، ثم ذكر أحاديث كما ذكر النووي. اهـ، شرح فتح القدير للكمال بن الهمام ومعه الهداية 2/457، 2/505، وانظر بدائع الصنائع للكاساني 2/160، اللباب في شرح الكتاب للموصلي 1/194، الدر المختار للحصكفي والحاشية رد المحتار لابن عابدين 2/187، مواهب الجليل للحطاب 3/115 ومعه المواق 3/116، المهذب للشيرازي وشرحه المجموع للنووي 8/198-199، التحفة لابن حجر وحاشية الشيخ شيرواني على التحفة 4/144، مغني المحتاج للشربيني 1/511، المغني لابن قدامة 5/343 م 663، الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26/144، الفروع لابن مفلح 3/522، الإنصاف للمرداوي 4/52، شرح منتهى الإرادات للبهوتي 2/69.

(5)             صحيح مسلم 2/888 رقم (147-1218) ونقدم.

(6)             صحيح مسلم (44) كتاب (28) باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه رقم (132-2473) 4/1922.

(7)      مسند الإمام أحمد 1/292 صحيح مسلم (15) كتاب (60) باب وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق رقم (346-1315) 2/953، سنن أبي داود كتاب المناسك باب في نبيذ السقاية رقم (2021) 2/213، البيهقي 5/147 ذكر: إنكم على عمل صالح.

(8)             سنن البيهقي 5/147 لم يعلق البيهقي ولا النووي على هذا الحديث، لكن جليس ابن عباس لم يسم.

(9)             مصنف عبد الرزاق 5/112 رقم (9112) بلفظ: اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً، وشفاء من كل داء.

(10)        مناسك ملا علي القاري ص 170، مواهب الجليل للحطاب 3/116، الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26/144.

(11)    صحيح مسلم (44) كتاب فضائل الصحابة (28) باب من فضائل أبي ذر رقم 132-8473، 4/1918-1922، سنن البيهقي 5/147 بلفظ (إنها مباركة، إنها طعام طعم، وشفاء سقم) والدر المنثور للسيوطي 3/222.

(12)    الدر المختار للحصكفي والحاشية رد المحتار لابن عابدين 2/187، وانظر بدائع الصنائع للكاساني 2/160، مناسك ملا علي القاري ص 170، مغني المحتاج للشربيني 1/511.

(13)    التحفة لابن حجر، وحاشية الشيخ شيرواني على التحفة 4/144، مغني المحتاج للشربيني 1/511، مناسك ملا علي القاري ص 170.

(14)    التحفة لابن حجر، وحاشية الشيخ شيرواني على التحفة 4/144، مغني المحتاج للشربيني 1/511، مناسك ملا علي القاري ص 170.

(15)        سنن البيهقي 5/147.

(16)        صحيح البخاري (25) كتاب الحج (76) باب ما جاء في زمزم 2/167، والبيهقي 5/147.

(17)        مغني المحتاج للشربيني 1/511.

(18)    المسند 1/292، صحيح مسلم (15) كتاب الحج (60)، باب وجوب المبيت بمنى رقم (347-1316) 2/953، ومسلم (36) كتاب الأشربة (11) باب في شرب النبيذ رقم (94-2011) 3/1593 بلفظ: عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى فقال رجل: يا رسول الله ألا نسقيك النبيذ؟ فقال: (بلى) قال: فخرج الرجل يسعى، فجاء بقدح فيه نبيذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا خمرته ولا تعرض عليه عوداً) وانظر: سنن البيهقي 5/147.

(19)        1/511.

(20)        سنن البيهقي 5/202 ذكر الأحاديث كلها في باب الرخصة في الخروج بماء زمزم، من كتاب الحج.

(21)        الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26/142، الشرح الكبير للدردير 2/42، طلبة الطلبة للنسفي ص 64.

(22)        طلبة الطلبة ص 64.

(23)        شرح منتهى الإرادات للبهوتي 2/69، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 4/157.

(24)        مناسك ملا علي القاري ص 94.

(25)        الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26/142.

(26)    سنن أبي داود 2/181 رقم (1898-1899) قال محقق كتاب زاد المعاد عن الحديث الأول وفيه يزيد بن أبي زياد الهاشمي وهو ضعيف، وباقي رجاله ثقات، ويشهد له ما بعده فيتقوى، ثم ذكر الثاني، وقال: وفي سنده المثنى بن الصباح وهو ضعيف، لكنه ينجبر بما قبله. اهـ.

(27)        سنن البيهقي 5/164 قال هذا موقوف.

(28)    انظر لهذه المسألة: بدائع الصنائع للكاساني 2/160، مناسك ملا علي القاري ص 94، مواهب الجليل للحطاب ومعه التاج والإكليل للمواق 3/137، مغني المحتاج للشربيني 1/511، الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26/127، شرح منتهى الإرادات للبهوتي 2/69.

(29)    سنن أبي داود 2/181 رقم (1898-1899) قال محقق كتاب زاد المعاد عن الحديث الأول وفيه يزيد بن أبي زياد الهاشمس وهو ضعيف، وباقي رجاله ثقات، ويشهد له ما بعده فيتقوى، ثم ذكر الثاني وقال: وفي سنده المثنى بن الصباح، وهو ضعيف، لكنه ينجبر بما قبله. اهـ.

(30)        مصنف بن أبي شيبة 4/93.

(31)        سنن البيهقي 5/164 قال هذا موقوف، وتقدم.

(32)    انظر شرح فتح القدير لابن الهمام 2/457، تبيين الحقائق للزيلعي 2/20، مناسك ملا علي القاري ص 94، وذكر أن هذا الدعاء يكون خلف المقام، أو خلف الملتزم، أو عند الركن اليماني اهـ.

(33)        ذكر هذا الدعاء في التاج والإكليل للمواق 3/137 بلا سند.

(34)        مغني المحتاج للشربيني 1/511، المغني لابن قدامة 5/343، شرح منتهى الإرادات للبهوتي 2/69.

(35)        الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26/142.

(36)    الحاوي للماوردي 5/203-204، ذكر أن هذا رواه جابر على أنه قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه، ركعتين ثم قال: فذكره.

(37)        سنن البيهقي 5/164 قال البيهقي: وهذا من قول الشافعي رحمه الله وهو حسن.

(38)    المجموع شرح المهذب للنووي 8/193-194 بداية المبتدي والهداية كلاهما للمرغيناني وانظر شرح فتح القدير لابن الهمام وشرح العناية للبابرتي 2/508.

(39)        فتح القدير للكمال بن الهمام 2/507 و508 ذكر حكم الرفع فيهما.

(40)        المجموع شرح المهذب للنووي 8/10.

(41)    سنن أبي داود كتاب المناسك باب في رفع اليدين إذا رأى البيت، رقم (1870) وفي رقم (1872) عن أبي هريرة (قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مكة، فأقبل رسول الله إلى الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت، ثم أتى الصفا فعلاه، حيث ينظر إلى البيت، فرفع يديه، فجعل يذكر الله ما شاء أن يذكره، ويدعو).

(42)    سنن النسائي 5/212 ذكر (فلم نكن نفعله) وفي سنن النسائي 5/254 باب رفع اليدين في الدعاء بعرفة عن عطاء قال: قال أسامة بن زيد: كنت رديف النبي (بعرفات، فرفع يديه يدعو) الحديث.

(43)        سنن الترمذي (7) كتاب الحج (32) باب ما جاء في كراهية رفع اليدين عند رؤية البيت رقم (855) 3/210.

(44)    سنن البيهقي 5/73 قال: قال الشيخ: الأول مع إرساله أشهر عند أهل العلم من حديث مهاجر، وله شواهد، وإن كانت مرسلة، والقول في مثل هذا قول من رأى وأثبت. اهـ.

(45)        المجموع شرح المهذب للنووي 3/448-450، عند كلامه عن القنوت.

(46)    انظر بدائع الصنائع للكاساني 2/160، الدر المختار للحصكفي والحاشية رد المحتار لابن عابدين 2/187، مناسك ملا علي القاري ص 170، وانظر لكسوة الكعبة ومن كساها، تأريخ الكعبة المعظمة لحسين عبد الله باسلامة 244.

(47)    مناسك ملا علي القاري ص 170-171، المجموع شرح المهذب للنووي 8/193، مغني المحتاج للشربيني 1/511، معونة أولي النهى لابن النجار 3/480، الفروع لابن مفلح 3/522، المغني لابن قدامة 5/344، شرح منتهى الإرادات للبهوتي 2/70.

(48)    صحيح البخاري (25) كتاب الحج (50) باب ما ذكر في الحجر الأسود 2/160، وصحيح مسلم (15) كتاب الحج (41) باب استحباب تقبيل الحجر الأسود رقم (248-252) (1270) 2/925-926.

(49)        صحيح مسلم (15) كتاب الحج (41) باب استحباب تقبيل الحجر الأسود رقم (252-1272) 2/926.

(50)        حفياً: لطيفاً وقيل: باراً، تفسير غريب الحديث لابن حجر ص 72.

(51)        5/29-31 رقم (8876-8883).

(52)        5/81.

(53)        تقدم، وهو في المغني لابن قدامة 5/342-343.

(54)        طلبة الطلبة ص 59.

(55)        معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية للدكتور محمود عبد الرحمن عبد المنعم 1/159.

(56)        المجموع شرح المهذب للنووي 8/34، وانظر طلبة الطلبة للنسفي ص 59.

(57)        المغني لابن قدامة 5/213.

(58)    بدائع الصنائع للكاساني 2/146، بداية المبتدي والهداية كلاهما للمرغيناني وانظر شرح فتح القدير لابن الهمام 2/448، مناسك ملا علي القاري ص 170، المعونة للبغدادي 1/371، مواهب الجليل للحطاب 3/108، والتاج والإكليل للمواق 3/107، شرح الرسالة لزروق 1/353، الحاوي للماوردي 5/203-204، مغني المحتاج للشربيني 1/4878، والمجموع مع المهذب للنووي 8/32، والمجموع 8/36، حلية العلماء للقفال الشاشي 3/333، تحفة المحتاج لابن حجر وحاشية الشيخ شيرواني على التحفة 4/144، المغني لابن قدامة 5/212-213، معونة أولي النهى لابن النجار 3/481، شرح منتهى الإرادات للبهوتي 2/54 و68، الفروع لابن مفلح 3/521 و3/222، الإنصاف للمرداوي 4/50، الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26/127.

(59)    صحيح البخاري (25) كتاب الحج (60) باب تقبيل الحجر 2/162، وانظر صحيح مسلم (15) كتاب الحج (19) باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم رقم (147-1218) ذكر استلام النبي للحجر الأسود، سنن الترمذي (7) كتاب الحج (37) باب ما جاء في تقبيل الحجر رقم (860) 3/214-215 قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم، يستحبون تقبيل الحجر، فإن لم يمكنه، ولم يصل إليه، استلمه بيده، وانظر البيهقي 5/73-74.

(60)        صحيح البخاري (25) كتاب الحج (60) تقبيل الحجر 2/162.

(61)    مواهب الجليل للحطاب 3/108، والتاج والإكليل للمواق 3/107، وانظر تجريد المسائل اللطاف في معرفة الائتلاف والاختلاف لنور الدين بن ناصر الشافعي مخطوط لوحة 91أ.

(62)        انظر للبيهقي واستدلاله سنن البيهقي 5/74-75.

(63)        نقل رواية الشافعي البيهقي أيضاً في سننه 5/75، حيث كان من سلسلة سنده.

(64)        في البيهقي: مسبداً، والتسبيد: هو ترك الغسل والدهن، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 2/333.

(65)        2/160.

(66)        مغني المحتاج للشربيني 1/510.

(67)        المجموع شرح المهذب للنووي 8/200-201.

(68)        ذكر النووي حديث عائشة عن دخول النبي (الكعبة وهو حديث صحيح سيأتي بعد قليل).

(69)        3/522.

(70)        الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26/145.

(71)        الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26/144، زاد المعاد لابن القيم 2/296-298.

(72)    صحيح البخاري (25) كتاب الحج (51) باب إغلاق البيت 2/160، صحيح مسلم (15) كتاب الحج (68) باب استحباب دخول الكعبة رقم (388-390/1329) 2/966.

(73)        صحيح البخاري (25) كتاب الحج (54) باب من كبر في نواحي البيت 2/160.

(74)        صحيح البخاري (26) كتاب العمرة (11) باب متى يحل المعتمر 2/103، سنن البيهقي 5/161.

(75)    مسند الإمام أحمد 6/137، سنن أبي داود كتاب المناسك باب في الحجر (2029) 2/215، سنن الترمذي (7) كتاب الحج (45) باب ما جاء في دخول الكعبة رقم (873) 3/223، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(76)        سنن النسائي 5/218-219.

(77)    الحاوي للماوردي 5/205، الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26/145 قال: ومن دخله فهو كمن دخل الكعبة، الإنصاف للمرداوي 4/52، الفروع لابن مفلح 3/522، شرح منتهى الإرادات للبهوتي 2/69.

(78)        ذكره الزبيدي في كتابه إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين 4/350.

(79)        لم أجده.

(80)        إتحاف السادة المتقين للزبيدي 4/350، وهو مرسل.

(81)        ص 132-136 بتصرف.

(82)    صحيح البخاري (20) (1) باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة 2/56-57، صحيح مسلم (15) كتاب الحج (94)، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة رقم (505-507/1394) 2/1012، الموطأ للإمام مالك ص 196، وهناك حديث كأن الإمام النووي لم يذكره لأنه لم يثبت عنده وهو قوله عن أبي الدرداء رضي الله عنه (الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمس مئة صلاة) وتكلم عنه الألباني في الإرواء 4/242 رقم 130 وخلص إلى القول – بعد التردد – أنه ضعيف لكن له شواهد من حديث جابر مرفوعاً نحوه.

(83)        الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26/143، تفسير غريب الحديث لابن حجر ص 204.

(84)    الدر المختار للحصكفي والحاشية رد المحتار لابن عابدين 2/187، مناسك ملا علي القاري ص 170، الشرح الكبير للدردير 2/53، الخرشي على مختصر خليل 2/342، جامع الأمهات لابن الحاجب 201، الحاوي للماوردي 5/287، والمجموع شرح المهذب للنووي 8/202، مغني المحتاج للشربيني 1/511، المغني لابن قدامة 5/344، الإنصاف للمرداوي 3/52، الفروع لابن مفلح 3/522، الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26/143، شرح منتهى الإرادات للبهوتي 2/66.

(85)    صحيح البخاري (26) كتاب العمرة (19) باب السفر قطعة من العذاب 2/205، مصنف عبد الرزاق 5/164 رقم (9255).

(86)    صحيح البخاري (63) كتاب مناقب الأنصار (47) باب إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه 4/266-267، صحيح مسلم (15) كتاب الحج (81) باب جواز الإقامة بمكة للمهاجر منها بعد فراغ الحج والعمرة، ثلاثة أيام بلا زيادة، رقم (441-444/1353) 2/985.

(87)        4/111.

(88)        5/71-72.

(89)    ذكر هذه المسألة كل من الماوردي في الحاوي 5/287-288، وابن حجر في التحفة والشرواني في حاشيته على التحفة 4/144، وانظر بدائع الصنائع للكاساني 2/160.

(90)    صحيح البخاري (26) كتاب العمرة (12) باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو 2/204، صحيح مسلم (15) كتاب الحج (76) باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره رقم (428-1344) 2/980، سنن أبي داود كتاب الجهاد باب في التكبير على كل شرف في المسير رقم (2770) 3/88 سنن الترمذي (7) كتاب الحج (104) باب ما يقوله عند القفول من الحج والعمرة رقم (950) 3/285، مسند الإمام أحمد 2/63، سنن البيهقي 5/259.

مصنف ابن أبي شيبة 4/108، ذكر الآثار الثلاثة.