13 جمادى الثانية 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا متزوج منذ 9 أعوام، وأسكن بقرب والدتي، ولديَّ أخوان وأخت، أكبرهما لم يتزوَّج وأصغرهم علي وشك الزَّواج، مشكلتي أنَّ أمي دائمًا تسبُّ زوجتي وأهلها أمامي أو في غيبتي، مع العلم أنَّ زوجتي لم أر منها أي شيء يسيء لي أو يمنعني من صلة أمي، منذ فترة تضامنت مع إخوتي لشراء سكن معهم، ودفعت كلَّ ما أملك في السكن كي أرتاح من الإيجار، وقدر الله وتشاجرت زوجتي مع أمي، وكانت أمي هي التي بدأت بالمشاجرة، وعندما قلت لأمي: أنت بدأت بسبِّ زوجتي وإهانتها، فقامت وطردتني من البيت، والبيت مستأجر، سوف ينتهي عقده خلال شهر، وأمي من الأمهات التي لا يعتذرن ولا يعترفن بالخطأ، وخلال شهر سوف أنقل أنا أو إخوتي وأمي إلى البيت الجديد، زوجتي دخلت في حالة نفسية بسبب سبِّ وشتم أمي لها ولأهلها، ولكن! إلى الآن زوجتي لم تذكر شيئًا لأهلها، لأنَّ الموضوع سوف يكبر. والمشكلة أنَّ سكني لم يكتمل بعد، وكنت مخطط أسكن مع والدتي فترة إلى أن أنتهي من السكن.
ما أفعل الآن ؟ إخوتي يعرضون علي شراء حصتي والخروج من السكن، مع العلم أن أخي الكبير منحاز لوالدتي، حتى لو أخطأت، فالوالد توفي منذ فترة طويلة، وهو من يدير شؤون منزل والدتي، وكل إخوتي للأسف يتبعون أخي الكبير، وزوجتي مع كل هذا صابرة محتسبة، ومحافظة على العشرة والمودة بيني وبينها.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منَّا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أخي الكريم: فهمت من خلال عرضك لمشكلتك، أنَّك تعاني من مشكلة معاملة أهلك السيئة لزوجتك، وخاصة والدتك التي تسبها وأهلها كلما حدثت أي مشكلة، وتذكر أنك تضامنت مع أهلك لشراء منزل مشترك للسكن معهم، وتذكر انحياز أخيك الكبير لمواقف أمك المخطئة، وانجرار إخوتك وراءه في التأييد والمؤازرة، وزوجتك صابرة على تصرفاتهم، ولم تنقل شيئًا من تصرفات أهلك لأهلها، وتذكر أن والدك متوفى وأخوك الأكبر هو من يدير الأسرة، وتطلب من إخوتك في موقع المسلم المشورة والنصيحة والرأي في مشكلتك، أبشر بما يسرك في حلِّ ما أنت فيه من كرب وشدة وتعب، ألخِّصُ لك أخي جواب استشارتك من خلال النِّقاط الآتية:
أولاً: الجنة تحت أقدام الأمهات...ولكن!.
حقُّ الأم عظيم وكبير، وهو آكد الحقوق بعد حق الله عز وجل، أمر الله تعالى بإكرامها وطاعتها في غير معصية، وحسن معاملتها، والحفاظ على كينونتها، وجعل لها مكانة قد تفوق درجة الجهاد، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء: 23].
كما أن رسولنا الأعظم حرص حرصاً شديداً على بيان وإظهار مكانة الأم وعظيم فضلها، فوصى بها في أحاديثه، وأمرنا بطاعتها وحسن معاملتها.
فلذلك عليك أن تتحلى بسعة الصدر والتحمل والصبر، مع والدتك والتغاضي عن زلاتها، وحاول قدر استطاعتك أن تكون بارًا بها، هينًا لينًا في التعامل معها.
ولا مانع من أن تنصح أمك وترشدها، وتبين لها حقائق الأمور وخفاياها، ولكن بهدوء بلا رفع صوت عليها ولا تخطئة، ولا كلام يؤدي إلى غضبها، أو يفهم منه عدم احترامها.
ثانيًا: زوجتك كنز فحافظ عليها.
زوجتك امرأة صالحة، فصبرها على خلق أمك، وعدم نقلها لأهلها ما يحدث عند أهلك، دلالة واضحة على صلاحها وحبها لك، ومحافظتها على العشرة والمودة بينكما، فبرَّ أمك وعاشر زوجتك بالمعروف، وإياك من ظلمها والتقصير بحقها، وعش حياتك بهدوء ومودة وسكينة، ولكن لا تظهر لأمك حبك لزوجتك ومعاملتك الحسنة لها، فلربما تغار وتتضايق من ذلك.
ولا تهمل أمر معالجة زوجتك لحالتها النفسية، اعرضها على طبيب نفسي خبير، يقف على حالتها ويصف لها العلاج المناسب، فقد تتطور حالتها وتدخل في مشاكل أكثر.
ثالثًا: كن متصلاً بأهلك منفصلاً عنهم.
أنصحك ببيع سكنك عند أهلك، وشراء سكن آخر بعيدًا عنهم، فهو أريح وأهدأ لك ولأسرتك، وتواصل مع أهلك بالزيارة والتواصل بالهاتف، وما دام لم يبق في عقد البيت سوى شهر، لو خرجت واستأجرت شقة لأسرتك ريثما تبيع سكنك لأخوتك، وتشتري شقة مناسبة لك، واجعل زيارة زوجتك لأهلك مقتضبة، أما أولادك فاصحبهم معك في زياراتك، وأنت لا تنقطع عن الزيارات والتواصل أبدًا.
رابعاً: المسلم ضعيف بنفسه قوي بإخوانه.
استعن على نصيحة أمك، والتخفيف من حملتها تجاه زوجتك، عن طريق التواصل مع صويحباتها، وتبين الأمر لخالاتك وعماتك وقراباتك، وتطلب منهن تقديم النصح لها أن تعدل من معاملة زوجتك وتصرفاتها معها، ولو استعنت كذلك ببعض الأخوات الداعيات في ذلك فهو أفضل، وكذلك عن طريق الشريط والكتاب والرسائل عبر الجوال، فلا تدع سبيلاً للإصلاح إلا واسلكه لعل الله يصلح بال أمك تجاه زوجتك، وتستقر أمورك وأحوالك.
خامسًا: توجَّه إلى الله بالدُّعاء.
قلب أمك بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء، فالتجئ إلى الله خاشعًا متضرعًا أن يصلح لك بال أمك نحو زوجتك، وأن يحنن قلبها عليها، وأن يعدِّل من سلوكها وتصرفها تجاهها، فالدعاء سلاح الأقوياء لا الضعفاء، وسلاح فتاك يغفل عنه كثير من الناس، فلا تستهيل به، ولا تكل ولا تمل من دعائه، فالله لا يمل من دعائك له حتى تمل أنت، وسيجيب ربك دعاءك إذا وجد فيك الصدق والافتقار وحسن التذلل له، واطلب كذلك الدعاء لك ممن تعرف منه الصلاح والتقوى قريبًا كان أو بعيدًا. والله أسأل أن يهدي لك أمك، ويصبِّر زوجتك، ويهدي لك إخوتك، ويصلح لك النية والذرية.