25 ربيع الأول 1435

السؤال

أحسن الله إليك: أنا على وشك انهيار عصبي من وقت اكتشفت خيانة أمي لأبي وعندي ما يثبت هذا فقد لاحظت تغيرا في تصرفاتها تثير الشك فتحققت من الموضوع بطريقتي حتى جلبت تسجيل محادثتها سرا لشخص كان جارا لنا في مدينة أخرى علما أننا انتقلنا من تلك المدينة منذ فترة،،المحادثة كانت تدل على علاقة بينهما وأنها تحبه منذ فترة طويلة وهناك كلمات تدل أنها فعلت معه الحرام عندما كنا هناك وتطلب منه أن يزورها هنا في مدينتنا الجديدة في أقرب فرصة،،أنا أشبه بالميت يمشي بين الناس لا أدري ما أفعل علما أن أبي أصيب بجلطة في المخ أدت إلى فقده الكلام وبالتالي لن يكون في صلب الموضوع إلا أنا،،أمي عصبية المزاج ولو تكلمت بكلمة واحدة في الموضوع أخشى من عواقب فعلتي ومنها أنْ أخسرها إلى الأبد...فأرجوكم أفيدوني فقد وهن جسدي من شدة الهم ولا أريد أن أتعجل في الأمور وجزاكم الله خيرا

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد:
بداية جزاكم الله خيرا على ثقتكم في إخوانكم من مستشاري موقع المسلم، كما نسأله سبحانه أن يجري الحق على ألسنتنا وقلوبنا وأن يرينا جميعا الحق حقا ويرزقنا اتباعه.
أخي الكريم وبني الفاضل المبتلى بهذا الابتلاء العظيم:
لا يمكنني أن اكتب كلمة واحدة قبل أن أدعو الله عز وجل بأن يفرغ عليك صبرا من عنده وأن يثبتك على الحق وان يجعل هذا الابتلاء الشديد في صالح ميزانك يوم أن تلقى ربك وأن يرزقك صواب القول وحسن الفعل وأن يتوب على والدتك وان يردها إليه ردا جميلا.
ومع استنكارنا جميعا لهذه الكبيرة التي تمت ومن المحتمل أن تكون متواصلة وربما قادمة أيضا إلا أننا نوقن بان باب عفو الله عز وجل لا يغلق وأن رحمته وسعت كل شئ كما قال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، ونوقن أيضا أن باب التوبة وطريق الإنابة له سبحانه لا ينقطعان حتى يغرغر العبد كما صح عن حبيبنا صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله عزَّ وجَلَّ يقْبَلُ توْبة العبْدِ مَالَم يُغرْغرِ" [1].
ومع كون هذا الأمر مصيبة كبيرة أصابت هذا البيت كله إلا أن المطلوب هو معالجتها بحكمة شديدة بمشرط جراح وهذا ما أرجو الله أن يعينك عليه.
وربما لكون الظروف شديدة وعسيرة كما ذكرت، لكون صاحبة المشكلة هي والدتك وهي صدمة شديدة على الابن التقي أن يرى الذنب يقع من أمه التي يُفترض بها – وهو الأصل – أن تقوم هي على مراقبته وحثه على الفضائل كلها، فمع شدة الأمر عليك وصعوبته البالغة في تدخلك فيه إلا أنه لا يسعك ولا يمكنك السكوت عنه، فمجرد الانكفاء على الذات ودفن الرأس في الرمال لا يمكن أبدا أن يحل شيئا في الأمر ولابد من التدخل وعلاجه في سرعة وحكمة
وسأعرض عليك بضعة نقاط ومسارات للحل ربما عليك أن تختار واحدا منها أو تتخذها كلها متزامنة فلعل أحدها يكون الأفضل والأصوب معك بحسب ما يتيسر لك:
- طريق مواجهتك للرجل الآخر طريق يحتاج تدبر، فلا تصغ ابتداء لناصح يريد أن يتصرف بحمية الشباب فيطلب منك القيام بأي تصرف سلبي معه، فالمشكلة لا تكمن فيه ابتداء - باعتبار ما يخصك - بل تكمن عندك في بيتك ولهذا فالعلاج يبدأ من داخل بيتك لا من خارجه
- ومن الواضح أيضا والمطلوب كذلك ألا يصل لوالدك شيء من هذا الأمر كله فما هو فيه لا يمكنه من تحمل مثل هذه الصدمة والأفضل الترفق به.
- لك أن تقدر بحسب معرفتك بطبيعة والدتك هل من الأفضل أن تصارحها منفردا وتكشف لها ما لديك من تسجيلات؟ وهذا أفضل - ضمانا للستر، ولكن إذا كانت طبيعتها ستجعلها تهاجمك ولا تقر بما فعلت فمن الضروري عدم دخولك بمفردك مباشرة معها في مناقشات ومشادات، فربما تنكر كل شيء وربما تتخذ من والدك سلاحا عليك لتصمت عما يحدث وخاصة إن ضمنت أن الأمر لم يتعد خارجك وحينها لا تفاتحها في شيء حتى يكون معك نصير من العقلاء ذوي الحكمة والتجربة والقرابة اللصيقة بكما كالخال أو الخالة أو مثاله.
- لا تدخل في الأمر إلا أهل الثقة من أفراد أهل والدتك ويفضل كبار السن منهم وذوي الخبرة والمشورة الذين يمكنهم التأثير عليها ولن تعدم في أهل والدتك رجلا أو امرأة كبيرة يمكنهم توجيهها والضغط عليها ولكن لا يفضل أن تتجه إلى الأصغر منها ولا إلى امرأة تبغضها فحينها ستكون النتائج غير ايجابية.
- اجعل كل ما تفعله سرا بينك وبين من تثق فلا تتحدث عن هذا الأمر مع احد ولا حتى من إخوة اصغر منك، فالحذر كل الحذر إن تحول الأمر إلى فضيحة أن تفقد هي ميزة الاستحياء من اطلاع الناس فلا تكترث برأيهم فقد علموا ما تخفيه
- أيا ما كانت نتائج هذه الاجتماعات سواء بإقرارها بالخطأ أو بإنكارها له، فلابد عليك بعد ذلك أن تتوخى الحذر وان تزيد من متابعتك ومراقبتك لها وتضييق من خروجها وتقلل من خلو بيتكم منك ومن إخوتك.
- وأخيرا نحن لم نسمع إلا منك ومن رسالتك فان كان ما تقوله صحيح يقينيا، فأمك تعصي الله سبحانه، وكل بني آدم خطاء، فلا يغلق باب التوبة أبدا فعليك بالدعاء الكثير لها بان يجنبها الله سبحانه الفتن ما ظهر منها وما بطن، وعليك أيضا ببرها فأنت مأمور به بصرف النظر عن طاعتها أو عصيانها، فالبر طاعتك لله فيها حتى وان عصته هي، والبر واجب في حق المؤمن لأبيه ولامه بغض النظر عن فعلهما معه أو في جنب الله، وعليك أيضا بالترفق بابيك الذي تتجمع عليه كل الآلام فعليك بالدعاء له ومعونته وبره.
وفقك الله أخي الكريم وفرج همك كما أسأله أن يتوب على كل عاص وان يعيدنا إليه ويردنا ردا جميلا.