سقوط أقنعة الغرب
18 ذو الحجه 1434
علا محمود سامي

على مدى تاريخه، ظل الغرب يدعي مبادئ انسانية وقيمية، قد يطبقها في بلاده وعلى شعبه أحيانا، وقد يغض الطرف عنها أحيانا أخرى، خاصة اذا كانت الانتهاكات لا تشمل أبناء وطنه، أو بالأحرى تشمل مواطني دول العالم الثالث والشرق الأوسط، باستثناء دولة الاحتلال بالطبع.

 

مثل هذه الانتهاكات أصبحت ثابتة في جداول الحكومات الغربية، مهما تبدلت أو تغيرت، للدرجة التي جعلت منها استراتيجية ثابتة، بل وأحيانا تكون المزايدات الانتخابية عليها هى السبيل للوصول الى كراسي الحكم، الأمر الذي يكشف بجلاء عنصرية الغرب وازدواجية مواقفه ومعاييره، وأن هذه الازدواجية من الأمور الثابتة لديه. 

 

وهناك العديد من النماذج التي تقف شاهدة على ازدواجية المعايير في تعامل الغرب مع العديد من القضايا، وخاصة التي تهم عالمنا العربي والاسلامي، وهو التناقض الذي يراه المراقبون بأنه يسير ليس بمكيال واحد، ولكن بأكثر منه، للدرجة التي لم تقف معها قيم ومبادئ الدول الغربية على المحك وفقط، ولكن الواقع يؤكد سقوطها بالفعل.

 

والتاريخ الآني يشهد بازدواجية المعايير لدى الغرب، ولعل قضية الصراع العربي –الاسرائيلي تكون هى القضية المفصلية في هذه الازدواجية ، وخير شاهد عليها، فيما يتفرع عنها قضايا الحريات وحقوق الانسان واحتلال الأرض، ومقاومة أبناء الأرض المحتلة لهذه السلطة الاحتلالية، وقياسا على هذه القضية المفصلية يمكن الاستدلال على مواقف الغرب المتناقضة مع ذاته على الأقل فيما يتعلق بذات القضايا من حريات وحق الانسان في الحياة، وما يهدد ذلك من انتهاكات.

 

وعلى الرغم من أن الغرب خلال العقود الأخيرة كثيرا ما صدع أدمغتنا بالحديث عن الحريات وحقوق الانسان ، إلا أنه على مستوى الواقع، فإنه يناقض نفسه إما بانتهاكه ذاته لهذه الحقوق والحريات، او أن يغض الطرف عنها اذا جرى ممارستها من غيره، وبالشكل الذي يخدم أهدافه ويدعم مصالحه، أو يمارسه هو خارج جغرافيته، بالشكل الذي يحقق ذات الأهداف.

 

ولا أدل على ذلك من جرائم الغرب في عدة عربية وإسلامية وافريقية، فضلا عن دول أخرى نامية، فالتاريخ يذكر احتلال الولايات المتحدة الأمريكية لفيتنام، وقيام المستعمرات الانجليزية والفرنسية والايطالية بغزو بعض البلاد العربية والإفريقية ، حتى بعد تحرر هذه البلاد من نير الاحتلال وغطرسته، فانه يظل طامعا بها بأشكال عدة من الغزو ، سواء كان الفكري أو اثارة الخلافات داخلها، ما يجعله يغيد صورته الوحشية ممارساته على نحو ما حدث بمطلع القرن الحالي عندما أغارت قوته مجتمعه على أفغانستان والعراق، فتعددت جنسيات المحتلين، للدرجة التي أصبحنا معها نسمع ونقرأ عن جنسيات شتى تحتل دولة صغيرة، وتمارس ضد أبنائها أشد أنواع الانتهاك الانساني.

 

ولا يجد الغرب غضاضة في ذلك من انتهاكات، ما دام هذا الاحتلال يرعى مصالحه، على نحو دعمه الدائم لدولة الاحتلال في فلسطين، والتي تعد خير شاهد عيان على مثل هذه الانتهاكات، عندما الغرب وما يسمى بمجتمعه الدولي الذي أفقده أي شرعية الطرف عن جرائم الاحتلال الصهيوني ، بل ويدعي ظلما وزورا أنه هو الذي يتعرض لإرهاب المقاومة الفلسطينية، التي تماس حقا كفله لها القانون والمجتمع الدوليين في الدفاع عن ترابها وعن نفسها، غير أن ذلك ولكونه يتصادم مع مصالح الغرب فإنه لا يلتفت لمثل هذه الانتهاكات، بل ويبررها ويشجعها بصمته، للدرجة التي تجعله يرهن أي علاقة له مع اي دولة عربية أو شرق أوسطية أو اسلامية بمدى تأمين دولة الاحتلال، وعدم انتقادها بشكل يؤدي الى زعزعة واستقرار المجتمع الصهيوني.

 

مثل هذه المواقف تتجذر منذ زرع الصهيونية في الأراضي الفلسطينية، وحتى يومنا ، وخلاف هذه القضية المفصلية فان الغرب ذلك وعلى نحو اشتراكه في احتلال أفغانستان، فقد اشترك ومارس انتهاكات واسعة ضد أبناء هذه البلاد، وأوجد لهم وللمقيمين على ارضها معتقلا خاصا في كوبا هو سجن جوانتنامو منذ العام 2001، ومن وقتها وأمريكا الراعي الرسمي لهذا السجن ممارسة أبشع صنوف الانتهاكات التي ترتكب ضد حقوق الانسان في هذا المعتقل، ثم تدعي ظلما وزورا أنها تدافع عنها.

 

وفي محاولة منها، للحفاظ على ماء وجهها أمام مواطنيها، فقد انشأت أمريكا هذا المعتقل خارج أراضيها، بل استخدمت أراضي الغير لممارسة التعذيب عليها تلافيا من أي مساءلة قانونية في داخل الولايات المتحدة، اذ يمنع القانون هناك ممارسة التعذيب على الأراضي الأمريكية.

 

وخلاف هذا ، فإنه وفي إطار تناقض المواقف ذاتها، فان الادارات الأمريكية المعاقبة كنموذج يسترشد به الغرب عموما تدعم الأنظمة التي تمارس ضد شعوبها مختلف اشكال الاستبداد والقمع، وإذا أرادت أن تجمل وجهها استصدرت بينانا صحفيا أو تصريحا اعلاميا تزعم فيه صون الحريات ازاء مثل هذه الانتهاكات، وهى في الواقع لا تسعى سوى إلى الاستزادة منها، والتاريخ يؤكد مواقف الادارات الأمريكية المتعاقبة من الأنظمة المستبدة في بلدان عربية قبل ان تندلع فيها ثوراتها، وحتى بعد وقوع هذه الثورات، لا تزال الولايات المتحدة تعمل جاهدة على اجهاض هذه الثورات، لإدراكها يقينا أن أي تطور او اصلاح بالعالم العربي والإسلامي لن يكون في صالح الكيان الغاصب للأراضي الفلسطينية.

 

ومع ظهور حركات  ومنظمات حقوقية في الغرب مناهضة لكافة الانتهاكات التي تقع ضد حقوق الإنسان، فان هذه المنظمات ايضا تغض الطرف عما ترتكبه الدول الكبرى من انتهاكات، اللهم إلا بعض البيانات والتي لا تخرج سوى عن حدود الشجب والاستنكار، ما يجعلها بيانات لا تتجاوز حدود المداد  الذي كتبت به، في كشف واضح لدعاة حقوق الانسان والحريات بدول العالم، حتى أفرع هذه المنظمات في الدول المستبدة كثيرا ما تشارك الأنظمة المستبدة قمعها بالصمت تارة ، وفي أحيان أخرى بإدانة المعتدي عليه، وتوصيفه بتهم توجد للسلطات أمامها الفرصة لمحاكمة أصحاب الرأي، وخاصة اذا كانوا اسلاميين.