تونس: هل هي نهاية الازمة
23 ذو الحجه 1434
عبد الباقي خليفة

عاد النواب المنسحبون إلى المجلس التأسيسي بعد شهرين من انسحابهم من المجلس على إثر اغتيال  النائب فسي المجلس محمد البراهمي ، وبعد نحو 9 أشهر على اغتيال شكري بلعيد ، و3 أيام على مجزرة عناصر الامن حيث قتل 8 أمنيين في الذكرة الثانية لأول انتخابات حرة ونزيهة في تونس .

 

كما عاد الحوار الوطني بعد اعلان جبهة الانقاذ تعليق مشاركتها وذلك على إثر ما وصفته بالغموض في خطاب رئيس الوزراء علي العريض ، الذي بعث برسالة للرباعي الراعي للحوار يؤكد فيها استعداده للاستقالة فمع تلازم المسارات أي بعد اكمال الدستور وتشكيل هيئة الانتخابات والقانون الانتخابي ، وتكون الحكومة القادمة حكومة تصريف أعمال تجري في ظلها الانتخابات . وقد مرت الذكرى الثانية لأول انتخابات ديمقراطية حرة وشفافة في تاريخ البلاد، وسط تجاذبات سياسية وعمليات ارهابية . وكان تزامن الذكرى مع العمل الارهابي له دلالات كثيرة ، من بينها تحويلها إلى مأتم حقيقي بعد أن كان مأتما سياسيا لأحزاب المعارضة التي توصف في الشارع التونسي بأحزاب الصفر فاصل. والتي  كانت تسعى لاستقالة الحكومة الحالية، دون حصول توافق على أعضاء الحكومة المستقلة القادمة وعلى صلاحياتها، حيث طالبت المعارضة بمنحها صلاحيات واسعة دون أن يتمكن المجلس الوطني التأسيسي من إقالتها إلا بأغلبية الثلثين، وهي ميزة لم تحصل عليها أي حكومة منتخبة فضلا عن حكومة مستقلة متوافق عليها. في حين تصر الترويكة على تلازم المسارين التأسيسي والحكومي، وعدم القبول بأي حكومة جديدة إلا بعد المصادقة على الدستور، وتكوين الخيئة العليا للانتخابات، وأن تكون صلاحيات الحكومة القادمة حكومة تصريف أعمال تتم في ظلها الانتخابات لتتمتع بأكبر قدر ممكن من الشفافية وهو التصور الذي غلب في النهاية .

 

الانقلاب والارهاب:  مثل الارهاب صنوا للانقلابيين الفاشلين في تونس، وأعطى لمسعاهم زخما لكنه لم يحقق أهدافهم ، رغم تحويلهم يوم فرح إلى مأتم بأتم معنى الكلمة، فقد سقط 8 قتلى من عناصر الأمن في يوم واحد منهم 7 أمنيين سقطوا في كمين ، في منطقة علي بن عون  التابعة لولاية { محافظة} سيدي بوزيد منطلق الثورة التونسية، وفي ذلك العديد من الدلالات ، فكل عملية ارهابية مختارة بعناية فائقة ومتوافقة مع أجندة الانقلابيين وخادمة لها بشكل مذهل للغاية.

 

نشط الارهاب بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 م ، بما يشبه التجربة التركية في سنوات أردوغان الاولى في الحكم ، حيث كان يسجل عملية ارهابية كل شهر تقريبا، ويتهم الاسلاميون بتنفيذها، وقد تبين فيما بعد أنهم كانوا يقتلون زملاءهم ويلصقوا التهم بالاسلاميين، وهم الآن في السجن. بينما يستحث الانقلابيون الخطى في تونس لتغيير الاوضاع وللنجاة من المحاكمة والعقاب.

 

ولا شك بأن هناك أطراف داخلية وخارجية تنسق مع بعضها وتستغل الارهاب من أجل الانقلاب على الشرعية . فبعد انتخابات 23 أكتوبر وفشل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي كان جوادا خاسرا  راهنت عليه بعض قوى رأس المال الفاسد في تونس ، وقوى خارجية في مقدمتها فرنسا، تمت المراهنة على جواد هرم هو الباجي قايد السبسي، وأحاطوا به عددا من الأحزاب الخاسرة في الانتخابات تجمع مختلف الطيف المشهدي لنظام بن علي المنهار ، وكان هدفهم الحيلولة دون نجاح حركة النهضة في الحكم ، معتبرين ذلك مسألة حياة أو موت ، بتعبير محمد الكيلاني أحد وجوه اليسار في تونس . وكانت استراتيجية هذه الاحزاب توتير الاوضاع السياسية، والاقتصادية ، والاجتماعية ، وخلق حالة من التذمر العام ، من خلال الدولة العميقة والاعلام ومن داخل المجلس التأسيسي داته،و الذي شهد مهاترات كثيرة ساهمت في عدم اكتمال الدستور في أجل عام . وعندما فشلت هذه الأحزاب في ايقاف المسار الانتقالي والانقلاب على الشرعية بعد مضي عام على الانتخابات ، تم اغتيال اليساري شكري بلعيد ، ظنا منهم أن حزبه ولما له من ثقل في بعض الدوائر سينجز الانقلاب لكن ذلك لم يحصل رغم أنه أجل قانون تحصين الثورة . وعندما تقدمت البلاد رغم كل العراقيل لتنجز أحد أهم وعود الثورة وهو إعداد دستور يليق بالثورة وبالشعب التونسي ، ولم يبق سوى انتخاب عضو واحد لتكتمل  هيئة الانتخابات ، تم اغتيال محمد البراهمي ، وإعادة التوتر والشحناء للساحة السياسية في تونس . وبينما البلاد تلتقط أنفاسها ويبدأ الحوار الوطني والاستبشار بقرب انتهاء المرحلة الانتقالية والتحول إلى الاستقرار بعد انتخابات منتظرة ، جاءت العمليات الارهابية الاخيرة التي حدثت في ثلاثة مناطق تونسية، واستهدفت قوات الامن ،وذلك في اليوم الذي يحتفل فيه التونسيون بالذكرى الثانية لأول انتخابات حرة وشفاففة في تاريخ البلاد . وقد تم استغلال الجريمة من قبل الانقلابيين للمطالبة بالتعجيل بقبول مبادرة الرباعية دون نقاش ، ومن ذلك استقالة الحكومة الحالية بعد 3 أسابيع  دون انتظار التوافق على الحكومة الجديدة ، وصلاحياتها كما سبق.ويحلمون بموافقة حزب حركة النهضة على ذلك، بعد رفض الجيش التدخل في الشأن السياسي، وانقسام المؤسسة الامنية أو قل وجود أطراف كانت متمعشة من النظام السابق تنسق مع المعارضة وترهن مستقبلها في تحالفها معها ، وقد قالها ممثلون عن نقابات أمنية لأطراف في المعارضة " مستقبلنا بأيديكم ".

 

مستقبل تونس: فشل المعارضة الانقلابية في فرض آرائها على الشعب التونسي حتى الآن ، يعد نجاحا للثورة ، ففي بداية عام 2012 م كانت قوى اليسار والفلول تبشر الدبلوماسيين في تونس بقرب انتهاء حكم الترويكة وتطلب منها عدم منح قروض لتونس . وقد برهنوا على المنحى الانقلابي الذي انخرطوا فيه عبر اعلانهم الانسحاب من الحوار الوطني إلى حين تحديد الحكومة موقفها من خارطة الطريق ، وهو نفس المسمى الذي تضيع به القوى الدولية القضية الفلسطينية . وتعني في عرف الانقلابيين خروج النهضة والترويكة عموما من السلطة بدون اطمأنان على مستقبل العملية الانتقالية . رغم اعلان الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي، وهو من رعاة الحوار، استئناف الحوار يوم السبت 26 أكتوبر. وقد اعتبر الامين العام لحزب حركة النهضة  حمادي الجبالي{ رئيس الوزراء الأسبق } تصرفات المعارضة الانقلابية ، قبل قبولها بالعودة للحوار،إفشالا للحوار وإرباكا للوضع . وأن " الشعب لا يطلب اسقاط الحكومة وإنما دستورا واجراء انتخابات وهذا ما سيفشل الارهاب " وطلب من الاطراف السياسية العودة للرشد وإلى مائدة الحوار .وتعهد بانجاز الدستور وقانون انتخابي واجراء انتخابات من أجل تجاوز هذه المرحلة .وقال " بعض الاطراف المعزولة شعبيا تريدنا رهينة لارادتها ومراهقتها السياسية ". أما رئيس الوزراء علي العريض فقد اعتبر مسيرات المعارضة يوم 23 أكتوبر" هدفها  توتير الاوضاع وبث الفرقة والصراع والمس بالوحدة الوطنية " وأن الحكومة ستواصل مهامها وستبقة على عهدها لتحقيق الاستقرار وتمكين التونسيين بأسرع وقت ممكن من دستور وانتخابات وانجاح الحوار الوطني . وجدد العريض الجمعة في وثيقة سلمها للرباعية والتحق بعض المنسحبين للاطلاع عليها ، استعداده للاستقالة بشرط تلازم المسارين التأسيسي والحكومي بمعنى تحقيق شرط لنهاء الدستور وتشكيل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والقانون الانتخابي وتحقيق الآجال بقانون .