23 ربيع الثاني 1435

السؤال

أنا متزوجة منذ ست سنوات وعندي ولدين، وزوجي محافظ على الصلاة، وغير مدخن، وصحته جيدة، ومشكلتي أنه هجرني في الفراش بدون سبب مقنع منذ ٤ سنوات، وبعد محاولات صار مرة بالشهر، وبعد تكرار تنبيهي له كانت علاقتنا في بعض الأحيان تتحسن ولكن ليس بشكل مستمر، ولقد اكتشفت بأن له اتصالات مع أشخاص يتكلمون عن اللواط في أكثر من برنامج محادثات، كالواتس والفايبر.. كذلك وجدت له رسائل شخصية في مواقع التعارف، وعرض صور مخجلة جداً للرجال، ومنهم أشخاص يتكلم معهم وهم غير عرب، والأدهى من ذلك أنه يرجع للبيت ويستحم، ولما أبحث في جواله أجد مكالمات قصيرة بينهم، وحين تكلمت معه بالموضوع، أقسم لي بأنها مجرد محادثات يترجمها، وأحيانا لملء الفراغ فقط، فأخبرت والده بالأمر فوعدني خيراً، ومع ذلك مرت ٦ أشهر ولم يتغير شيء في علاقتنا، وحذرني من الاقتراب من أي جهاز له، فقررت أن أرضيه، وللإيضاح أنا بذلت كل جهدي في البحث عن أسباب استقرار حياتنا، ولما اضطررت بحثت في جواله ثم لاب توب فتوصلت لهذه المعلومات..

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة، بداية أشكرك على رسالتك، وعلى ثقتك بموقع المسلم وطرحك لاستشارتك، أما بالنسبة لمشكلتك فألخصها في مسألة هامة هي: معاناتك من هجر زوجك للفراش بدون سب مقنع منذ ٤ سنوات، ثم شكوكك في شذوذه جنسيا من خلال أدلة اطلاعك على اتصالاته ومحادثاته، ورسائله الشخصية مع أشخاص يتكلمون عن اللواط عبر الهاتف، وبرامج المحادثات ومواقع التعارف..
وهذه الحالة أختي الكريمة، تعاني منها كثير من الزوجات بسبب بُعْد أزواجهم عن الله تعالى، وبسبب الرُّفقة السيئة، وأسباب أخرى متعلقة بالصحة النفسية للزوج، وأسباب مرتبطة بخلفياته الاجتماعية، والأسرية، والتربوية التي توقعه في براثن الذنب، الذي ينتج عنه هجر بعض الأزواج لفراش الزوجية، وهذا المؤشر الخطير صار يهدد العلاقات الزوجية داخل مجتمعاتنا..
وفي البداية دعينا نفرق بين ما هو مشكوك فيه من شكوك وبين ما هو متأكد وثابت بالدليل الواضح، فلو ثبت بالدليل القاطع وقوع زوجك في مثل تلك المصائب الكبيرة التي لعن الله فاعلها فليس أمامك سوى فراقه، خشية على دينك ودين أبنائك من معصيته الكبيرة.
أما إن كان الأمر مجرد شكوك كما ذكرت في رسالتك وليس هناك دليل سوى ما ذكرت من محادثات وصور ومثلها، فإليك تلك النصائح:
أولا: صحِّحي علاقتك بالله، وتقرَّبي إليه بالإكثار من الطاعات، واطْلُبي رضاه ومحبته بأعمال الخير، وتقديم الصدقات، والإحسان إلى الفقراء والمساكين، وتلبية حاجة من يطلب مساعدتك، والمواظبة على أذكار الصباح والمساء، والتزام الاستغفار، والمحافظة على الصلوات المفروضة في وقتها، واغتنام الأجور في إحياء سنن الرَّواتب، والنوافل آناء الليل وأطراف النهار، فإنه إذا صَحَّ ما بينكِ وبين الله صحَّ ما بينك وبين العباد بما فيهم زوجك، وهانت عليك معاناتك..
ثانيا: ألحِّي على الله بالدعاء، واطْلُبي منه التوفيق والسَّداد، وأن يكفيك همَّك ويفرِّج عنك كربتك، ويمُدَّك بالعون والقوة، وبهدي زوجك ويعِفَّه ويحصِّنه من النَّظر للمحرمات أو الوقوع فيها، وأن يجنِّبه كل عمل يقرِّبه من الحرام في صلواتك وخلواتك، وفي أفضل مواطن استجابة الدعاء كالثلث الأخير من الليل، وعند السجود، وبين الآذان والإقامة.. والدعاء بخشوع وتذلُّل، وعين تذرف الدمع من خشية الله والافتقار إليه، فمن جمع الله عليه قلبه في الدعاء، وصَدَق في افتقاره وضرورته وفاقته، وقَوِيَ رجاؤُه وحَسُن ظَنُّه بالله لم يَرُدُّه خائبا..
ثالثا: كوني قدوة لزوجك وشجِّعيه لمشاركتك في بعض الطاعات أو العبادات، كأن يشاركك في قراءة وتجويد القرآن، أو حفظ ورد يومي، وعند صيام الاثنين والخميس والأيام البيض..، أو أن يشاركك في إطعام الفقراء والمساكين أو إخراج الصدقات، وصلة الأرحام، وأداء فريضة الحج أو العمرة مثلا.. فكل هذه الطاعات المشتركة تجعل الحياة الزوجية طيبة وكريمة ومباركة..
رابعا: كوني الزوجة الصالحة التي تعين زوجها على طاعة الله وعبادته ومرضاته، ولا تبخلي على زوجك بالنصيحة، والمشورة، والموعظة الحسنة، وذكِّريه بالله ومخافته ورقابته، واختاري لذلك الأوقات والأماكن المناسبة، واحرصي على أن يكون ذلك بأسلوب الرفق، واللِّين، والكلمة الطيبة والرقيقة، والمحبَّبة لقلبه حتى تنجحي في استجابته والتأثير عليه، وتذكَّري حديث الرسول صلي الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم)..
خامسا: أَظْهِري لزوجك مودَّتك ومحبَّتك، وكوني له نِعْم الزوجة ونِعْمَ الصاحبة والصديقة والرَّفيقة والحبيبة التي تسعى لانتشاله من هذا الفساد، وامْلئي وقته وحياته بوجودك الدائم إلى جانبه، وقدِّمي له مساندتك ودعمك لينجح في عمله، ويؤدي واجباته والتزاماته على الوجه المَرْضي اتجاهك واتجاه أبنائه وأسرته ومجتمعه..
وخصِّصي له أفضل أوقاتك وأحبِّها إلى قلبه، ولا تنصرفي عنه باهتمامات ثانوية، أو بأعباء البيت والأبناء، فلعله يعاني من الفراغ العاطفي، ويحتاج أن تضاعِفي من مجهودك للاهتمام به، وامنحيه قسطا أكبر من الحنان والحب والعاطفة التي تحتويه وتملأ حياته، وتصرفه عن كل عاداته السيئة، وعن تلك المحادثات والعلاقات الشاذة..
سادسا: أشْغلي وقته وفكره وعاطفته، وامْلَئِي وقت فراغه بممارسة أشياء مفيدة ونافعة وهادفة، واجْتَهِدي في تخليصه من تلك الصُّحبة السَّيئة، ومن تلك العلاقات المحرَّمة والشاذَّة، والمخالفِةَ للفطرة والطَّبيعة الإنسانية، وحاولي قدر استطاعتك أن تحميه من الوقوع في الحرام، ومن أن تتطور تلك المحادثات والمراسلات ينه وبين الرجال إلى لقاءات على ارض الواقع وبالتالي ارتكاب الفاحشة والعياذ بالله..
وعوِّضي احتياجه للرُّفقة بالصُحْبة الصَالحَة، وحبَّذا لو تخطِّطي لعقد جلسات داخل بيتك، أو في أحد البيوت القريبة لمعارفكم وأقاربكم، أو من تثقين بصلاحهم واستقامتهم من الجيران والأصدقاء، وتكون هذه الجلسات بينكم بالتناوب وهي جلسات تثقيفية وهادفة، وتتخلَّلُها مواعظ ورقائق، ودروس دينية، وعلمية، وحتى ترفيهية..
سابعا: وجِّهي اهتمامه واشُغلي تركيزه فيما يعود على أسرتكم بالخير والنفع، كالاعتناء بتعليم أبنائه وتربيتهم، وتهذيبهم، وتلبية احتياجاتهم اليومية، ومرافقتك للتسوق وجلب أغراض للبيت وللأولاد..
ثامنا: شجِّعيه على تجديد حياته والتخلص من الروتين اليومي والتعب في العمل، بمزاولة الرياضة كركوب الخيل والسباحة والركض ورياضة تقوية العضلات، وحتى رياضة تقوية الذاكرة والاسترخاء.. أو ممارسة هواياته المفضلة معك ومع الأولاد، أو قراءة بعْض الكُتُب والمجلات والجرائد المُتنوّعة التي تشغل اهتمامه تناسب ذوقه، واطلُبي منه أنْ يقتني للأولاد بعض القصص وفي كل مرة اقرئي لهم قصة أو حكاية في حضوره، وحبِّبي له هذه العادة فيشاركك هو أيضا في القراءة لهم بالنهار أو قبل النوم أو في الإجازات، لتنمية قدراتهم الذهنية والخيالية..
تاسعا: اجتهدي في تغيير نظام حياتكم الأسرية والزوجية، وحاولي أن تغيري مزاجه وعاداته، وخطِّّطي معَه للخروج في نزهات مرة في الأسبوع، أو خلال فترات مناسبة لطبيعة عمله وإجازاته، ورغِّبيه في قَضَاء بعض الوَقْت الجميل معكم في أماكن للاستجمام والتسلية وتنفس الهواء النقي في الأماكن الخضراء، أو على شاطئ البحر، أو تناول وجبة طعام خارج البيت، أو السفر وقضاء أيام جميلة ومُميزة ونحو ذلك، وكل ما من شأنه أن يشعره بالشبع العاطفي والتمتع بالحلال..
عاشرا: لا تُشْعِريه بأنه في كل حالاته أنه مراقب ومشكوك في أمره، فتعدّين حركاته وأنفاسه وتصرفاته كأنه طفل صغير، ولا تبحثي في أشيائه الخاصة ولا تفتشي في أغراضه، ولا هاتفه، ولا تطَّلعي على رسائله، ولا تفتحي على نفسك أبوابا كثيرة لا تملكين بعدها أن تقفليها، بل الواجب عليك أن تحمي نفسك من حبائل الشيطان ووساوسه، وتحمي حياتك الزوجية وبيتك وأولادك من التخبُّط في متاهات الشكوك، خاصة وأنه حذرك من ذلك، فامنحيه الأمان والثقة، وركزي اهتمامك على الأهم هو: كيف تملكي قلبه وعقله ووجدانه وحياته بالكامل؟
وهذا لن يتحقق إلا لو أنت ركزت كل اهتمامك بإسعاده، وقربك منه وتودُّدِك إليه، وإصْغَائك إلى مُشْكلاته وهُمُومه اليومية، وإنصاتك لأحاديثه المتنوعة حتى ولو كانت مملة أو تافهة أو مكررة، وتَفاعلي معه بسمعك وبصرك وكل حواسك، وعدم انشغالك عنه أو مقاطعته، وأَشْعِريه بالدِّفء الأسري بتركيزك التام بما يحبه ويمتِّعه..
وأخيرا وهذا الأهم: اعتني بنفسك ومظهرك أمامه، وغيِّري من الأجواء الروتينية والمعتادة في علاقتكما، حتى ولو كانت علاقتكما على فترات طويلة أو متقاطعة اغتنميها بشكل جيد، واجْعَلي التواصل الزوجي بينكما على أحسن وجه، وبالشكل الذي يحبه ويلبي رغباته في غير معصية الله، وحقِّقي له أكبر قدر من الإشباع الروحي والجسدي، واجعلي لتلك العلاقة طقوسا مميزة ومختلفة عن السابق، تشُدُّ انتباهه، وترغِّبه فيك أكثر، وتشدُّه إليك، وكوني متجددة دائما محببة إلى عينه وشمه وحواسه وعاطفته..
وإن فشلت أختي الكريمة على الرغم من كل محاولاتك، فلك في هذه الحالة أن تواجهيه بكل شجاعة بما تشتكين منه، فإن لم ينفع ذلك فلك أن تُشْرِكي في هذه المشكلة أحد العقلاء والفضلاء من أهله إضافة إلى والده، ما دام لم يجد كلامك معه نفعا، أو أفراد من أهلك أو معارفك ممن يحترمهم ويحبهم ومن له سلطان وتأثير قوي على قلبه وعقله، أو ممن تثقين بهم من القريبين له المخلصين له، بحيث يساعدونه في العلاج من غير أن يكتشف معرفتهم بحالته.. أو حاولي أن تقنعيه بزيارة طبيب نفسي أو مختص لمساعدته.
كل ما سبق من نصائح إنما تعتمد على أصل كون ما تتحدثين عنه هو مجرد شكوك وظنون، لكن لو انقلبت تلك الظنون وقائع وتأكدت بالأدلة فلذلك شأن آخر، فلا يمكنك ربط حياتك بصاحب هذه الفعلة الشنيعة، فلتخرجيه من حياتك ولتصبري بعده لعل الله يجعل لك خيراً.
أسأل الله العلي القدير أن يلهمك أختي الكريمة الصبر والثبات على الحق.