23 ربيع الثاني 1436

السؤال

أنقذوا ابنتي الصغيرة، عمرها 4 سنوات، وهي الوحيدة، ذكية جدًا، منذ سنه رأيتها تقبل لعبة لديها، وتتعامل مع الدمية كأنها رجل وهى زوجته!، وقد تكلمتُ معها بمنتهى العقل والحكمة، وعندما وجدتُها تلعب مع أحد أبناء الأقارب، وسألتها ماذا تفعل؟، قالت: نلعب عروسة وعريس!. ماذا أفعل بالله عليكم؟!.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الفاضل: أقدر قلقك على ابنتك، خاصة وأنها "الوحيدة" كما تقول، فهو قلق مشروع، وألخص إجابتي على مشكلتك في النقاط التالية:
1) يقسم الخبراء والمختصون من علماء النفس والاجتماع، المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان من مولده وحتى وفاته، إلى عشرة مراحل، وهي:
الأولى: وهي مرحلة (الرضاعة الحاضنة) وتبدأ من الولادة وحتى سنتين.
الثانية: وهي مرحلة (الطفولة الأولى) وتبدأ من 3 سنوات وتستمر حتى 5 سنوات. (وهي الحالة التي نحن بصددها).
2) يتفق أساتذة علم نفس الطفل والتربية على أن هناك 7 مجالات للنمو يلزم التعرف عليها وتحديدها خلال مرحلة الطفولة المبكرة، وهي: النمو البدني، اللغوي، العقلي والمعرفي، الاجتماعي، مساعدة الذات، الانفعالي، ونمو الشخصية.
3) هناك ما يمكن أن نطلق عليه "العقلية الطفلية، فالتعامل مع الطفل وفقا لخصائص عقله، كما يمكن التوجه له بطرق وأساليب يفهمها ويستطيع تمثلها، وهو ما يطلق عليه علماء النفس والتربية (دورة التعلم)، وهي التي تحدد المراحل المختلفة اللازم المرور بها لإكساب الأطفال المفاهيم العقلية الأساسية أو مرحلة بناء المفاهيم لديهم، وهي ثلاثة مراحل أساسية: مرحلة الاستطلاع، مرحلة إدخال المفاهيم، ومرحلة تطبيق المفاهيم.
4) الثابت عند علماء نفس الطفل والتربية أن الحاجة للحب والحنان، بين الطفل ومن يرعاه (الأم غالبًا) وهو ما يطلق عليه "الارتباط المبكر، حاجة إنسانية فطرية أساسية، لا يمكن إهمالها وإهمال إشباعها، وإلا اضطربت الشخصية وحدثت عوائق كثيرة في نموها، ومن ثم يعتبر هذا الارتباط المبكر حجر الزاوية في الصحة النفسية للطفل.
5) حدد علماء النمو النفسي أهم الحاجات النفسية للأطفال، خلال مرحلة الطفولة المبكرة (3- 5) سنوات، بثمانية حاجات أساسية، هي: الحاجة إلى الأمن. الحاجة إلى الحب والحنان والتواصل الوجداني. الحاجة إلى الانتماء والقبول الاجتماعي. الحاجة إلى احترام الذات وتقديرها. الحاجة إلى الاستطلاع والمعرفة والفهم. الحاجة إلى النجاح والإنجاز. الحاجة إلى اللعب والحركة. والحاجة إلى المرح والفكاهة.
6) صنف علماء النفس أساليب التنشئة المبكرة للطـفل، إلى ثلاثة تصنيفات أو أنواع أساسية، لكل منها بُعدان، وهي: (الحب مقابل العداء) ويتميز البعدان في هذا النوع من المعاملة بالتقبل والاستحسان واستخدام المكافأة والثناء والتفاهم في مقابل العقاب البدني والزجر والنقد والتهديد وكراهية الطفل. (التسلط والتحكم مقابل التسامح) ويتميز باستخدام أساليب قاسية تقيد حرية الطفل وتكبله ولا تتقبل أخطاءه وتعاقب عليها في مقابل السماح بقدر مناسب من الحرية واتخاذ القرار من جانب الطفل والتسامح بقدر معقول فيما يقوم به الطفل من أخطاء. و(العلاقة الهادئة في مقابل القلق الانفعالي) ويتميز بعدا هذا الاتجاه عن طريق التدليل والحماية الزائدة والقلق المبالغ فيه في مقابل النظرة الهادئة الموضوعية لنمو الطفل.
7) هناك أساليب غير سوية يقع فيها بعض المربين للأطفال (الأمهات والآباء) في مرحلة الطفولة المبكرة، منها: التسلط. الحماية الزائدة. الإهمال. التدليل. القسوة. إثارة الألم النفسي. التذبذب. التفرقة في المعاملة بين الأبناء.
8) هناك بعض المشكلات السلوكية التي يقع فيها الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، أهمها: مشكلات ضبط الإخراج، التأخر أو الفشل فيه. مشكلات مص الإصبع. العبث بالأعضاء التناسلية. نوبات الغضب. العناد وعدم الطاعة. الغيرة. القلق. النشاط الزائد. العدوان. الانطواء والمشاكسة. ومشكلات تتعلق بالطعام (رفض الطعام أو صعوبة تناوله أو إرجاعه أو المعاناة من الإمساك). الخوف والكوابيس (الأحلام المزعجة) واضطرابات النوم. التبول اللاإرادي. الكذب. السرقة. وعدم تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي.
9) يتفق علماء نفس الطفل والتربية على بعض الأسس والضوابط والاعتبارات السيكولوجية والتربوية اللازم مراعاتها والالتزام بها عند التعامل مع الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، وهي: الحرص على إقامة علاقة دافئة بين الطفل ومن يرعاه. مراعاة مرحلة النمو التي بلغها الطفل. معرفة ومراعاة الفروق الفردية بين الأطفال. استثارة حواس الطفل وممارسته النشاط لتحقيق نموه وتنميته. أن يكون للطفل دور فيما يقدم له وألا يقتصر دوره على التلقي السلبي. الاستفادة من حب الاستطلاع الفطري الطبيعي لدى الأطفال واستثارته. وتعليم الأطفال مختلف المفاهيم عن طريق الخبرة المباشرة المعيشة.
وختامًا؛ فإنني أنصحك بمراعاة عدة أمور للوصول بابنتك إلى بر الأمان، وهي:
- إعطاء ابنتك المزيد من الاهتمام والرعاية، عن طريق تخصيص وقت ولو قليل، للجلوس معها، واللعب معها.
- منحها المزيد من الحنان، وإشعارها بالحميمية والدفء.
- احرص على منعها من الاطلاع على العورات وعلى المواقف المسيئة وعلمها الاستئذان.
- الإكثار من سرد الحكايات الهادفة، والقصص المفيدة، والمواقف الموجهة، سواء من السيرة النبوية أو من المواقف الحياتية لك ولمن لها بهم صلة قرابة كالأب أو الجد والجدة.
- الاهتمام بتعويدها على الصلاة خلال السنوات الثلاثة القادمة (من 4- 7 سنوات)، بأن تعودها على الوضوء معك، والصلاة بجوارك، مع ارتداء إيشارب على الرأس.
-عرفها بأسلوب مبسط، يراعي عمرها وعقليتها، (كما أشرنا في مقدمة الرد) على ما يحل وما يحرم، وما يصح وما لا يصح، وما يجب وما لا يجب، وما يجلب الحسنات ويدخل الجنات وما يجلب السيئات ويدخل النار، وما يرضي الله وما يغضبه. مع التأكيد على أن يكون ذلك بأسلوب تربوي بسيط، وعلى فترات متباعدة، وفي مواقف مناسبة حتى لا يحدث آثارًا عكسية.
-علمها آداب الإسلام، في الأكل والشرب، والنوم واليقظة، والمشي، والدخول والخروج، ودخول الحمام، ومخاطبة الكبار، وآداب الكلام، وآداب الزيارة و....إلخ. بأسلوب مبسط.
- قدم لها الهدايا، وامنحها المكافآت كلما أجادت وأحسنت، ولو في مواقف بسيطة، واحرص على أن تعلن ذلك بين أفراد الأسرة، وازجرها والفت انتباهها عندما تفعل أخطاء ولو كانت بسيطة، على أن يكون ذلك بينك وبينها فقط. وبهذا تتدرج معها تربويًا حتى تتخلص من هذه العادات أو السلوكيات التي تفعلها دون قصد أو وعي.
وأخيرًا، أسأل الله (عز وجل) أن يهديك إلى أفضل السبل لتربية ابنتك، وأن ينبتها نباتًا حسنًا، وأن يجعلها من الصالحات، وأن يجعلها قرة عين أبيها وأمها، وأن يصرف عنكم كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.