تونس تواجه العاصفة
13 محرم 1435
عبد الباقي خليفة

من الواضح أن شقا من المعارضة التونسية التي تعاملت مع المخلوع، لا تريد للحوار أن ينجح ، طالما لم تتمكن من تمرير الانقلاب الناعم ،من خلال تعيين رئيسا للوزراء مواليا لها وعضوا في أحد أحزابها. ولهذا السبب تستعد الدولة التونسية لمواجهة قادم الأيام ، حيث هناك تهديدات بالنزول للشارع ، ودعوات لهذا الغرض حتى من بعض الشخصيات التي تعمل في مؤسسات أمريكية معروفة، لها علاقة وثيقة بجهاز الاستخبارات الأمريكي السي أي إيه . وأصبح لزاما على مؤسسات الدولة ولا سيما الجيش الوطني والأمن الجمهوري، مواجهة الطابور الخامس كما تحدث عنه نابليون، وهناك من يتحدث عن إقامة محاكم شعبية أو عسكرية لمن ينفذ أجندة أجنبية في تونس ليعيدها لمستنقع الاستبداد والارهاب بأشكاله المختلفة من إرهاب الدولة إلى ارهاب المستدرجين للإرهاب، لتحقيق أهداف سياسية من خلالهم ، في حين تنفخ الاستخبارات في منحى الإرهاب بذريعة خروج الاسلاميين من السلطة، سيرفع الحرج عن الكثير من الجماعات المقاتلة المترددة في قتال الدولة التونسية، أو جميع من يمثلها، ردا على التضييقات التي يتعرض لها أنصار التيار السلفي في تونس عموما.

 

المخلوع ضمن خلية أزمة دولية : من التسريبات المهمة والتي لها ظاهر مريب ، دخول المخلوع بن علي في خلية أزمة دولية ، ومسؤولية هذه الخلية في أحداث العنف التي شهدتها تونس، بما في ذلك عمليات الاغتيال التي طالت معارضين لحكم الترويكة من بينهم شكري بلعيد في 6 فبراير الماضي، ومحمد البراهمي في 25 يوليو 2013 م .إضافة لعمليات طالت عناصر أمنية ورجال الجيش التونسي في ما يعرف بأحداث الشعانبي على الحدود الجزائرية ، ومناطق أخرى في تونس. وقد بات من المؤكد أن أطرافا من المعارضة ومن داخل مؤسسات الدولة تنسق مع المخلوع وجهات اقليمية ودولية، فتصريحات القيادي في حزب نداء تونس، الطيب البكوش، بأن رفض المستيري كان عنادا ، وتصريح سمير بالطيب أن النية كانت رفض أي مرشح تقدمه الترويكة ، وتصريحات السبسي بأنه لن يتم التوصل إلى اتفاق حتى 15 نوفمبر، وهو ما حدث فعلا، كلها تصب في هدف وحيد، هو تمزيق البلاد والتلاعب بمستقبلها خدمة لأهداف غير وطنية بل وترقى للخيانة العظمى .. فالمعارضة رفعت في سقف مطالبها عمدا بتعبير أحد رؤساء أحزاب المعارضة محمد الحامدي . وقد تبين أن تحالف المعارضة { توجد معارضة ضد المعارضة الانقلابية، وعلى يمين الترويكة بمعنى حرصها على تحقيق أهداف الثورة } تحالف هش، فقد خرج منه الحزب الجمهوري، ويعمل حزب نداء تونس على تحقيق صفقة مع حزب حركة النهضة. وقد أظهر" نداء المخلوع" كما يسميه البعض تفوقا في الميكافيلية على شريكته "الجبهة الشعبية" { فلول اليسار الاستئصالي}عندما حاول اقتسام السلطة مع النهضة والحلول مكان المؤتمر.. كان السبسي يبحث عن موقع له ولحزبه على حساب شركائه في التحالف، وفي نفس الوقت يضرب الترويكة ، وهو يعتقد بأن جانب من المعارضة سيصطف معه إذا كان الخيار بينه وبين النهضة ، كما حصل مع بن علي سابقا ، لكن الأوضاع وخارطة الاحزاب وأوزانها مختلفة هذه المرة .. أما المخلوع فتراوده أحلام العودة واستغلال الوضع السياسي والاجتماعي لتحقيق حلم مستحيل المنال

 


مفاصل الدولة :
الدولة العميقة كانت ولا تزال من العوائق الكبرى أمام تحقيق أهداف الثورة ، وقد حاولت تعزيز مواقعها بعد الثورة ، في الفترة الانتقالية الأولى ، والثانية ، فبعد الثورة توجه التجمعيون للانخراط في النقابات ، وأصبحت كثير من النقابات تحت أيديهم ، واستمروا في فسادهم السابق .. وفي الدولة العميقة عطلوا مشاريع 2011 و2012 و2013 م ولم تكن هناك أي حملات حكومية أو حزبية على التعجيل في المشاريع . بل ذهبت كل المحاولات أدراج الرياح فالدولة العميقة ولا سيما إدارات التجهيز تختلق الأعذار والاسباب الواهية لعدم التنفيذ .. في المنستير الساحلية  تم تنفيذ أكثر من 300 مشروع عام 2013 م لأن التوجه هناك ، "نأخذ حقوقنا من أي حكومة مهما كان لونها "، أما في مناطق الداخل يعطل المشاريع من سارع بإنجازها في المنستير وما حولها. وقد أدركت النهضة لعبة الدولة العميقة منذ انتخابات 2011 م وما تلاها ، وكانت متخوفة منها ، ولذلك عملت على تعديل موازين القوى في كل المجالات بما في ذلك الوظائف بإدخال دماء جديدة في الإدارة وبشكل قانوني ، استفاد منه جرحى الثورة ، والمتمتعين بالعفو التشريعي العام، ممن تعرضوا للقمع وسلب الحقوق في عهد المخلوع بن علي. لكن شقا من المعارضة { ليست كل المعارضة ضد الترويكة } ترفض هذه التعيينات ،إلى جانب مطالبتها بحل روابط حماية الثورة . وبدا واضحا أن هذه المطالب تهدف لتجريد الثورة من آليات المقاومة ، واستمرار حالة الانهاك التي كانت عليها حركة النهضة التي فاجأت الجميع بحيويتها أثناء الإنتخابات وما بعدها لا سيما على مستوى التعبئة .

 

وقد لجأت المعارضة الانقلابية إلى أسلوب تفتيت قوة " الترويكة " الحاكمة من خلال الدعوة لاستقالة الحكومة دون المس بشريكي النهضة المؤتمر والتكتل، حيث يترأس منصف المرزوقي الدولة ، ومصطفى بن جعفر، المجلس الوطني التأسيسي، مما جعل البعض يتساءل أي مؤامرة تستهدف تونس ، من خلال إخراج النهضة من السلطة، وإبقاء المرزوقي في الرئاسة ، ومصطفى بن جعفر على رأس المجلس التأسيسي ؟ بن جعفر والمرزوقي وصلا إلى منصبيهما في إطار تحالف وتقاسم للسلطة، وعندما تسند الحكومة لجهة { محايدة } يجب أن تتغير القسمة .. لا بد للجميع أن يدفع ثمنا للتوافق وليس النهضة فقط ..لا بد من تسلم النهضة لرئاسة المجلس التأسيسي ، والنظر في مسألة الرئاسة ، وإدخال تعديلات على النظام الداخلي أو الدستور الصغير ، وخارطة الطريق وتقسيمات السلطة القادمة حتى تحمي تونس نفسها من الانقلاب .. خطة الطريق مجموعة من الألغام القاتلة والنهضة هي التي ستدوس عليها ، بينما البقية أصحاب خطة ومحرضين عليها ..ورفض المعارضة للشخصية الوطنية أحمد المستيري يؤكد أن الطبخة محترقة .

 

حكومة الترويكة باقية:  لقد تبين أن حيادية الإدارة أثناء الانتخابات القادمة لم يكن هدف المعارضة الانقلابية، وإنما إحداث انقلاب من خلال الاغتيالات والارهاب ودفع الجيش للتدخل ، وعندما يئسوا من تدخل الجيش، راهنوا على نقابات الأمن، وبقايا الدولة العميقة ، وقد فشلت محاولاتهم كلها، وقد اعترفوا بهذا الفشل ، على لسان أحد عناصرهم المعروف باسم "بن تيشة " الذي كتب أنهم ضعاف ولا يملكون القدرة على فعل شيء يذكر . وقد أكد زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي، الجمعة 15 نوفمبر أن حكومة علي لعريض لن تقدم استقالتها مثلما كان يعمل البعض في بداية جلسات الحوار الوطني.

 

وقال الغنوشي "ن تونس تعيش الآن مرحلة انتقالية ثالثة، تستعد للانتخابات التي تتوج مسارها الانتقالي بنجاح، تونس الآن تستعد لاستكمال صياغة الدستور، وتشكيل هيئة انتخابية مستقلة تشرف على الانتخابات، كما أن تونس بصدد تحديد موعد الانتخابات والاتفاق على حكومة محايدة لإدارة الانتخابات القادمة، حتى تنزع أية طريقة للتشكيك في الانتخابات لأنها ستجرى تحت حكومة محايدة حكومة تقنوقراطية" وتابع "هنالك عمل جاد في مؤتمر الحوار الوطني الذي يستأنف أعماله الأسبوع القادم، وهو الذي سيشرف على كل العملية بما في ذلك تشكيل حكومة وطنية مستقلة ليست سياسية".

 

واعتبر الغنوشي أن الحديث على أن  حركة النهضة هي المتسببة في الأزمة السياسية" كلام به الكثير من التجني، نحن في مرحلة انتقالية بعدما خرجنا من مرحلة القمع التي جسدتها ثكنة كانت تسير بطريقة قمعية من شرطي هو الآن فار والثكنة انهارت، ولهذا آثرنا منذ البداية العمل وفق إطار توافقي، رغم  أن أعرق الديموقراطيات في العالم تستلزم للحكم الحصول على أغلبية لا تزيد عن 50 بالمائة، ولأننا لم نتعود بعد على أجواء الديمقراطية والحرية فنحن نكابد المعاناة، ولكن بالتدريب وطول النفس سيتبين الحق من الباطل، ويتبن جهد كل طرف".

 

وعن انتهاء  مهلة لعريض كرئيس للحكومة، قال زعيم حركة النهضة" أعلن الرباعي المشرف على الحوار عن توقيف العداد باعتبار أن هنالك عوامل وأسباب خارجة عن نطاق الحكومة والمؤتمر الوطني، وتمثل السبب في المحكمة الإدارية التي عطلت عملية فرز الهيئة الانتخابية ونحن إزاء عملية متكاملة فيها الجانب الحكومي الذي أعلن أنه سيستقيل بعد توفر الشروط الأخرى وهي إفراز الهيئة الانتخابية المستقلة، وأن يتم ختم الدستور ونحن إزاء عملية بثلاثة فروع إذن، فرع انتخابي هو انتخاب الهيئة الانتخابية المستقلة واستكمال الدستور والثالث استقالة الحكومة ينبغي أن تستكمل على نفس المسار، فإذا تعطل أحد منها يتعطل المساران الآخران، ولن يستكمل حتى يصلح العطب".

 

وعن العنف، قال الغنوشي "إن العنف في تونس ظاهرة إلا أنها ظاهرة معزولة ليس لها أي سند شعبي، ولا مبررات لها سواء سياسية أو مجتمعية، وإنما هي رد فعل على مرحلة بن علي هؤلاء ورثتهم الثورة، ولكن الثورة ألغت الأسباب التي يستند إليها العنف، بعدما أطلقت الثورة الحريات وأعطت الإمكانية لكل من يريد العمل في الإطار السلمي، سواء بتكوين جمعية أو يؤسس حزبا يعمل في إطار القانون لم يبقى إذن هنالك مبرر موضوعي سوى التأثر ببعض الجماعات العنيفة والإرهابية الدولية وبالتالي لا نرى للعنف مستقبلا في تونس".
أما رئيس الوزراء علي العريض فقد أكد على "هذه الحكومة لم تأت برغبة المعارضة ولن تخرج بإرادة بعض أطراف المعارضة" مؤكدا أنّه "لا بديل عن التوافق وأن الحوار الوطني لم يفشل ولم ينته وهو مستمرّ ولكن بشكل ثنائي أو ثلاثي بهدف فتح الانسدادات الحاصلة فيه وهو أمر الطبيعي".
 وأشار لعريض إلى أن هذا الحوار حسب المعلومات المتداولة سينطلق من جديد خلال الأسبوع المقبل.

 

وذكر رئيس الحكومة أن "هناك توافق حول انطلاق أشغال المجلس الوطني التأسيسي والشروع في أعمال الهيئة للتوافق على الدستور وأن هناك مواصلة للبحث عن كلّ الحلول التي من شأنها أن تمضي بنا إلى نجاح المسار الانتقالي"
 القيادي الأبرز في الحزب الجمهوري والذي يمثل أحد أقطاب الجبهة المواجهة للترويكة وللأحزاب الوطنية نجيب الشابي أبدى غضبا شديدا مساء الخميس 14 نوفمبر 2013 م من مواقف رفاقه المعارضة وقال لهم "أنتم تعرفون خلافي مع السيد أحمد المستيري وطبيعة علاقتي مع حركة النهضة لكني أقدّر أنّها أوّل حركة إسلامية تعهّدت بالتنازل عن السلطة لحكومة علمانية رغم أنّها جاءت بالانتخابات كما قدّمت تنازلات كبيرة لكن المعارضة لم تقدّم أي تنازل'' و أضاف '' بموقفكم هذا , أثبتم أنّكم لا تريدون الوفاق بل تحاولون الانقلاب على حكم النهضة".