18 جمادى الثانية 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكركم جدًا على ما تقدموه للناس من نصح وتوجيه.
أنا طالبة جامعية، كنت في المرحلة الدراسية الأولى مع صديقاتي اللاتي تعرفت عليهن رائعات جدًا، لم تكن الغيرة بيننا، لم نكن نتمنى لبعضنا إلا كل خير، وكنت أنا أتفوق عليهن في الدراسة، وأنا المنافسة الوحيدة من الطالبات للطلاب، كنت أرى الغيرة في عيون الطلاب، في المرحلة الدراسية الثالثة صارت المنافسة بين الطلاب والطالبات شديدة، وكنت أفرح لكل الطالبات بدرجاتهن العالية، وانخفض مستواي العلمي، ولاحظ ذلك كل الأساتذة والطلاب، وفرح كل من كنت منافسة له، ولكن الحمد لله نجحت بتفوق، وفي هذه السنة أرى عجبًا من تصرفات الطالبات، حتى أثرت تصرفاتهنَّ على نفسيتي ودراستي، ووالداي يقولان لي: نريدك الأولى، وأنا أقول في داخل نفسي، سأفقد كل الصديقات بسبب ما تريدانه!!.
أصبحت في القاعة الدراسية أواجه الغيرة، وأواجه نفور الصديقات مني، وأحاول أن أتلاف الأمور قبل أن تكبر، وما أراها إلا تزداد، بصراحة تعبت جدًا جدًا.
كنت أنا وصديقاتي نتعامل بعفوية دون أن نتكلف في الكلام مع بعض، وكنا نمزح ونضحك، ولكن هذا السنة أرى الصديقات لا يتقبلن المزاح إذا أتى من طرفي، وبالمقابل عليّ أن أتقبل المزاح الذي يأتي من طرفهن، بل وحتى الكلام العادي، والمناقشة في أمور الدراسة، وخصوصًا من المتزوجات اللاتي كن أقرب الصديقات لي، يقلن لي: أنتِ لا تتدخلين عندما نتكلم، فأسكت ولا أتدخل.
بدأت أرى منهن تصرفات غريبة جدًا، بعدما أخذت قراري ألا أكلمهن، فقط مجرد سلام وكلام باهت، فقلن لي: لماذا هذا التكبر والغرور؟. هل نحن لا نعجبك كيلا تتكلمي أو تجلسي معنا ؟.
أنا الآن مجروحة كثيرًا، لأنني أول مرة أواجه صديقات بهذا النوع، قررت ألا أجلس في القاعة إلا في وقت المحاضرة، علمًا أني والله دائمًا أكون معهن مرحة وضحوكة ومسامحة، ولا أحمل في نفسي عليهن بشئ، تعبت من جفاء صديقاتي، وأريد أن أتخلص من هذا التعب كي أهتم بدراستي، ولا أريد أن أفتح شيئًا من هذا الحاضر الذي أعيشه، كل يوم أعود مهمومة من تصرفاتهن معي، أشكر موقعكم الذي يتيح لنا مجالاً نبوح ونعبر فيه عن مشكلاتنا، ونجد عنده حلاً لكل مشكلة تعرض لنا في حياتنا، وآمل أن يكون ردكم على مشكلتي سرًا، خاصة وكون بعض صديقاتي يتابعون موقعكم، جزاكم الله خيرًا.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه...
أختي الفاضلة: أشكركِ على ثقتكِ بموقع المسلم، ومتابعتكِ له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منَّا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أختي الكريمة: فهمت من خلال عرضكِ لمشكلتكِ، أنَّك تعانين من مشكلة غيرة بعض صديقاتك من تفوقك الدراسي، وتعدت الغيرة من المنافسة الشريفة إلى الغل والحقد والضيق والحنق عليك، بل تعدى إلى الهجران والمقاطعة وتمني زوال نعمة التفوق عنك، وأنت بين أمرين أحلاهما مر، فإما الانطواء على الذات، أو الاستمرار على الحال وتحمل ما تلقين من تصرفات وامتعاض من الزميلات، أبشري أختي بما يسركِ ويعطيكِ الرأي السديد الحصيف لحل مشكلتكِ، ألخِّصُ لكِ أختي جواب استشارتكِ من خلال النِّقاط الآتية:
أولاً: الغيرة دمار إن لم تعالج.
الغيرة تسبب صراعات نفسية متعددة، وتشكل خطراً على الإنسان الغيور، وتعتبر الغيرة شعوراً إنسانياً طبيعياً، تدفع الفرد إلى مقارنة نفسه مع الآخرين. فالقليل منها يفيد الإنسان، ويشكل له دافعية نحو العمل والانجاز الأفضل، إلا أن كثيرها يفسد الحياة، ويؤدي إلى أضرار بالغة، كالعدوان والمكيدة والرغبة في إفشال جهود الآخرين. وأنت أختي العزيزة لو زرت أعقل زميلاتك، وأقربها من قلبك، وأحرصها على مصلحتك، وأسرَّيت لها بمعاناتك، وطلبت منها مساعدتك في التخفيف من هجمة زميلاتك عليك، وغيرتهم من تفوقك، واستطاعت هي إقناع الأخريات بذلك، يكن لديك ركن تركنين إليه، ومستند بعد الله تستندين إليه في علاج مشكلتك.
ثانيًا: كلُّ ذي نعمة محسود.
نعم الله على الإنسان عظيمة، وأجلها نجابة الأبناء، فالنجابة والذكاء والفطنة نعمة وأيُّ نعمة، وكل ذي نعمة محسود، فلا تستكبري حسد وضيق الزملاء من حولك، فكثيرون من يحسدون وهو لا يشعرون، ولذلك عليك بالتزام أذكار الصباح والمساء، والإكثار من قراءة أواخر سورة البقرة وآية الكرسي، وسورة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين.
ثالثًا: تصدَّقي من علمك على زميلاتك.
العلم نعمة، ولا بد من زكاة للعلم، وزكاته بنشره، فعلِّمي زميلاتك ما أشكل عليهنَّ فهمه، واستغلق عليهن إدراكه واستيعابه، أشعريهنَّ أنَّك حريصة على تقديم كل ما تستطيعين من أجل أن يصلن للتفوق مثلك، قولي لهنَّ: أنا أفرح بأن نكون جميعًا متفوقات دراسيًا، ولا أنفرد فيه لوحدي، أبدي لهنَّ استعدادكِ قولاً وعملاً للوقوف مع كل زميلة، والأخذ بيدها لعالم التفوق والإبداع والتقدم.
رابعًا: " غيرة المهنة " معروفة معهودة، فلا تقلقي.
كوني هادئة ومتفهمة، فالتنافس بين أصحاب المهنة الواحدة قديم، وأنتِ ومن حولك من الطلاب والطالبات تمتهنون نفس المهنة، وهي طلب العلم، وطبيعي حصول الغيرة والمنافسة بينكم، ولكن احذري أن تتكاسلي أو تتراجعي عن متابعة تفوقك الدراسي بما تلاقينه من زميلاتك، فهذا إن حصل فهو خطأ فادح لا يغتفر، وستندمين عليه أشد الندم.
خامسًا: اجأري إلى الله بالدُّعاء.
" الدعاء هو العبادة " ، توجَّهي إلى الله بأن يصرف عنك كيد الكائدين، وشنآن الشانئين، وحسد عيون الحاسدين، واعلمي لا قادر غير الله، ولا معين سواه، وتخيري المكان والزمان والحال وقت رفعك أكفَّ الضراعة بالدعاء، واطلبي الدعاء لك من عباد الله الصالحين، أسأل الله لك العون والتسديد والقبول والستر والسعادة والتوفيق في الدنيا والآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.