الإسلاميون المفترى عليهم بعد الصعود السياسي
27 محرم 1435
علا محمود سامي

على مدى أكثر من ستة عقود عانى الإسلاميون بمختلف فصائلهم في العديد من الدول العربية من أشكال عدة من العنت والاضطهاد، ودفعوا لقاء ذلك عقودا أخرى من الحبس والاعتقال والتصفية الجسدية، ووقت أن اندلعت ثوراتهم استشعروا بأن شيئا من الطمأنينة يمكن أن يصيبهم جراء ما رفعته هذه الثورات من شعارات تدعو إلى الحرية والكرامة الإنسانية، بعدما قالت شعوب الثورات كلماتها عبر ارادة حرة، أفضت  الى انتخابات عدة ، على نحو ما حدث في مصر بانتخابات تشريعية ورئاسية، وفي تونس بانتخابات لتشكيل المجلس التأسيسي لوضع الدستور، وهو كلها الانتخابات، والتي وقف منها خصوم الاسلاميين موقف العداء، بل وانقلابهم على ارادة شعوبهم، في انقضاض واضح على المبادئ والمواقف، التي كثيرا ما كانوا يزايدون بها على خصومهم بالأساس.

 

ومن اللافت أن هؤلاء الذين كانوا يدعون الى الديمقراطية بالأمس القريب، والزعم بأنهم الأكثر حرصا على تطبيق ممارساتها وآلياتها اذا بهم اليوم ينقلبون على مثل هذه الآليات، بل ويدعمون اختيارات أخرى مغايرة، ما دامت نتائج الديمقراطية في غير صالحهم، لتنقلب الصورة بأن الذين كانوا يصدعون أدمغتنا بالحديث عن الديمقراطية، وضرورة العمل في ركابها، إذا بهم ينقلبون عليها اليوم في مشاهد واضحة تخالف بالأساس ما كانوا يعتقدونه، وما كانوا يدعون إليه، ما دامت  قد أفرزت نتائج في غير صالحهم، وخاصة ما أسفرت عنه من صعود الإسلاميين، الذين ينظرون اليهم بأنهم من ألد خصومهم، حتى وصل هذا التطرف الانقلابي مداه بأن ترجم خلافه مع الاسلاميين بإيمانه بقناعات كثيرا ما أدعى أنه يؤمن بها، ويدافع عنها، وأنه كان ضحية الحفاظ عليها، وذلك على نحو ايمان هؤلاء بأن أي تدخل خارجي، أو تحويل السلطة من مدنية منتخبة الى أخرى مغايرة، حتى لو كانت عسكرية، هى أمور كلها يمكن القبول بها، إن لم يكن ضرورة اعادة النظر بها، فليس لديهم إشكال في ذلك، ما دام كل هذا سوف يقتلع جذور الاسلاميين من الحكم، ويحد من أي صعود سياسي لهم بعد ذلك.

 

على هذا النحو، يفهم أنصار التيارات اليسارية واليمينية علاقتها مع التيار الإسلامي، الأمر الذي يجعل من هذه التيارات إقصائية بالدرجة الأولى، تكشر عن أنيابها ضد خصومها، وترى في نفسها أكثر من غيرها أحقية بالصعود السياسي، على الرغم من فقدها لأي حضور بالشارع الجماهيري، وهو الواقع الذي يؤكده الصعود السياسي للإسلاميين في مصر بجميع الاستحقاقات الانتخابية، علاوة على ما حققته حركة النهضة من صعود سياسي مماثل في تونس، ولم يسلم الاسلاميون هناك من تربص ومحاولات وقيعة بشكل دائم لإقصائهم عن الحكم عبر حيل مختلفة وأساليب متباينة تجاوزت لياقة الخلاف مع الخصوم، فضلا عن مخالفتها لتقاليد التباينات التي ينبغي أن تكون مرعية أثناء الخلاف في الرأي والممارسة الديمقراطية.

 

اللافت أن هؤلاء النفر يرفضون وبشدة العودة الى أن ممارسة ديمقراطية جديدة ، بعدما نجحوا في افشالها بمصر على سبيل المثال، حتى لا يعود الاسلاميون الى سابق عهدهم بالصعود السياسي، خاصة وأنهم يدركون جيدا أن أي تجربة انتخابية جماهيرية حتما ستفرز من يتوق الشارع إليهم، وهم الإسلاميون، رغم كل حملات التشويه والتضليل التي تمارسها دعايات اعلامية فجة، تفتقر لكافة المعايير المهنية والإعلامية.

 

أمثال هؤلاء لا يريدون الوصول الى الحكم سوى على أنقاض غيرهم، وعلى أشلاء ودماء خصومهم، ليس لديهم ما يمنع أن تهدر حقوق الإنسان، أو تنتهك الحرمات، ولكن المهم بالنسبة لهم اقصاء غيرهم من الإسلاميين، والوصول إلى سدة الحكم، أيا كانت الطريقة حتى ولو كانت دموية، وفي الوقت نفسه هم على يقين بأن أي معركة انتخابية يمكن أن يخوضوا غمارها فلن تحقق لهم فوزا، والأدلة تشهد على ذلك في ظل الصعود السياسي المتواصل للإسلاميين منذ ثورات الربيع العربي.

 

لكن التساؤل الذي يطرح نفسه. هل يمكن أن يستمر الحال على هذا النحو بأن يكون اقصاء الاسلاميين هو الخيار الوحيد لأعداء الديمقراطية لكي يصعدوا هم سياسيا؟ الواقع يجيب بأنه على الأرض هناك العديد من أشكال الحراك للأحرار والشرفاء من الجماهير العربية التي ترفض الظلم، وتأبى أن يتم سرقة ثوراتها، ربما تكون الكلفة عالية بإهدار الدماء وقمع الحريات، إلا أن الشرفاء المدافعين عن حقوقهم وثورتهم وحرياتهم لا يبالون بكل ذلك، بل يصرون بصمود وعزيمة لا تلين بمواصلة حراكهم حتى استعادة حقهم الأساسي، وهو الحرية، والذي من أجله قامت ثوراتهم في العديد من الدول العربية.