6 صفر 1435

السؤال

لقد قمت بشراء سيارة عن طريق أحد البنوك، حيث قمت أنا بالبحث عن السيارة، ثم اتفقت مع صاحب المعرض على السعر، ثم ذهبت إلى البنك وأكملت الأوراق، وطلب البنك أن يأتي صاحب المعرض، أو من ينوب عنه لإكمال الإجراءات، واستلام قيمة السيارة البالغة (63000) ريال، فتم ذلك، وأحضرت كاتب المعرض إلى البنك مع أحد الزملاء لإكمال الإجراءات، وتم بيع السيارة للبنك، وهذا على حد علمي، حيث إني لم أوقع أية أوراق للمعرض تفيد بشرائي للسيارة منهم، وتم بناءً على أمر البنك للمعرض تسليمي السيارة على أن أسدد للبنك مبلغ (1449) ريال لمدة 5 سنوات، وتم ذلك، وتسلمت السيارة من المعرض، وركبتها، وقمت بالدوران بها في المعرض، ثم عدت إلى صاحب المعرض لبيعها، فبعتها له بمبلغ (61000) ريال، ثم قمت بعد فترة بشراء سيارة أخرى من مدينة أخرى، ودفعت قيمتها نقداً (59000) ريال من قيمة السيارة الأولى وأكلت وشربت واشتريت بالباقي.
سؤالي هل في هذه الطريقة من البيع والشراء ربا، وما الحل جزاكم الله خيراً؟.

أجاب عنها:
د.عبد الله السلمي

الجواب

هذه المسألة تسمى عند الفقهاء المعاصرين "بيع المرابحة للآمر بالشراء"، ويظن بعض طلبة العلم أن هذه المسألة من المسائل الحادثة في هذا الزمان، والحقيقة أن هذه المسألة معروفة عند الفقهاء المتقدمين، فقد تكلم فيها محمد بن الحسن الشيباني، كما في كتاب (الحيل)، وكذا المالكية في كتبهم، وكذا الإمام الشافعي في كتابه (الأم) والعلامة ابن القيم في كتابه العظيم (إعلام الموقعين)، وبعض الحنابلة، وجوّزها ابن القيم -رحمه الله- بشروطها المعتبرة التي سنذكرها -إن شاء الله- خلافاً للمالكية وبعض الفقهاء المعاصرين، حيث منعوا ذلك.
وهذه المسألة تختلف عن مسألة التورّق، والفرق بين البيعتين هو أن السلعة في مسألتنا وهي "بيع المرابحة للآمر بالشراء" ليست عند البنك أو الشخص الذي يراد منه بيعها على العميل بالتقسيط.
أما مسألة بيع التورّق فإن البائع يملكها أصلاً، ولم يشترها لأجل أن يبيعها على العميل بزيادة الثمن لأجل الأجل، لهذا اتفق الأئمة الأربعة على جواز بيع السلعة مؤجلة بزيادة الثمن لأجل الأجل، سواء باعها العميل بعد ذلك ليحصل على الثمن وهي مسألة التورّق، أو أبقاها عنده للاستعمال، مع أن في المسألة خلافاً أيضاً، والشروط المعتبرة لصحة بيع المرابحة، هي كالآتي:
الشرط الأول: ألاَّ يبيع المصرف (البنك) السيارة، أو أي سلعة اتفق عليها على العميل حتى تدخل السيارة المأمور بشرائها في ملكية المصرف (البنك) وتدخل في ضمانه، ويحصل القبض الشرعي من البنك مع صاحب المعرض.
وعلة الشرط: هو حتى لا يدخل البنك في بيع ما لا يملك، وقد روى أهل السنن وأحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك" انظر مسند أحمد (6671)، وسنن أبي داود (3504)، وجامع الترمذي (1234)، وسنن النسائي (4611)، وسنن ابن ماجه (2188). صححه الترمذي، وابن خزيمة، وروى الخمسة أيضاً من حديث حكيم بن حزام أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تبع ماليس عندك"انظر مسند أحمد (15311)، سنن أبي داود (3503)، وجامع الترمذي (1232)، وسنن النسائي (4613)، وسنن ابن ماجة (2187) وقال الترمذي: حسن صحيح.
وعلى هذا فإذا تمت المبايعة بين البنك والعميل على شراء السيارة بأقساط معلومة قبل أن يملكها كان بيعاً محرماً، ومثل ذلك أيضاً أن يتصل البنك على صاحب المعرض - الذي وجد العميل السيارة عنده ـ فيقول البنك لصاحب المعرض: احجز السيارة الفلانية، ثم بعد ذلك يبرم مبايعته مع العميل، فكل هذا بيع غير صحيح؛ لأن السيارة لم تدخل في ملك البنك .
الشرط الثاني : ألاَّ يتم بين البنك والعميل وعدٌ ملزمٌ بالشراء قبل تملك البنك للسيارة من صاحب المعرض، وألاَّ يدفع العميل مالاً قبل تملك البنك للسلعة، وألاَّ يشترط البنك على العميل أنه في حالة نكوله في صفقة البيع وعدم الالتزام بالشراء من البنك، فإن العميل يلتزم بدفع مبلغ مقابل تضرر البنك من آثار النكول عن الوفاء بالوعد،فكل ما سبق داخل في بيع ما لا يملك؛ لأن الوعد الملزم هو بحد ذاته عقد ومعاهدة، كما فسَّر ذلك الشافعي -رحمه الله- في تفسيره لأحكام القرآن، وكذا أحمد، كما نقله أبو العباس ابن تيمية في (القواعد النورانية) .
وليس هذا الوعد داخلاً في حكم الوعد الملزم والشرط الجزائي الذي تكلم فيه المعاصرون؛ لأن الشرط الجزائي، أو الوعد الملزم مشروط جوازه بأمرين :
الأول : ألاَّ يكون الدخول في الوعد الملزم الذي فيه أثر مالي يترتب عليه معاملة ممنوعة من الشارع، مثل بيع ما لا يملك.
الثاني: ألا يكون الشرط الجزائي، أو الوعد الملزم الذي فيه أثر مالي في العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها ديناً، لأن هذا من الربا الصريح ، فعليه إذا اشتُرط الشرط الجزائي في التأخير عن سداد الأقساط، فهو من الربا.
أما لو تم بين البنك والعميل وعدٌ غير ملزم، ولو اشتمل الوعد بالشراء على نسبة الربح بين الطرفين، وعدد الأقساط ومعلوميتها، ويحدد فيه السعر للسلعة، أو أن تطلب إدارة البنك من العميل بعض الضمانات الشرعية التي تراها فكل هذا لا بأس به .
الشرط الثالث : ألاَّ يكون بيع المرابحة ذريعة للربا، بأن يقصد المشتري الحصول على المال، ويتخذ السلعة وسيلة لذلك، كما في بيع العينة بأن يبيعها المشتري بعد ذلك على البائع بسعر أقل حالاً، فهذا من المحرم؛ لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيعتين في بيعة، كما عند أهل السنن بسند جيد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- انظر سنن أبي داود (3461)، وجامع الترمذي (1231) وسنن النسائي (4632).
وبهذا التفصيل - الذي أراه من الأهمية بمكان؛ لكثرة من يسأل عن حكم الشراء من مصرفٍ معين - فيجب على طالب الشراء أن يتثبت من تطبيق المصرف لهذه الشروط، مع العلم أن بعض البنوك لا تملك السيارة أصلاً، لا قبل إبرام عقد المرابحة مع العميل ولا بعده، بل تكتفي بالاتصال على صاحب المعرض للتأكد من صحة البيانات التي أتى بها العميل، فإذا تبين للبنك صحة ذلك أبرم مع العميل عقد المرابحة، ثم أعطى العميل شيكاً بقيمة السلعة التي حددها المعرض مكتوباً باسم العميل، ثم يقوم العميل بصرفه، وإعطائه صاحب المعرض، فهذا هو الربا الجلي المحرم الذي أجمع أهل العلم على تحريمه، وأنه إيذان بحرب من الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
إذا تبين هذا ، فإن السائل لم يوضح في سؤاله، هل البنك أبرم معه عَقْدَ مواعدة بالشراء، وما نوع هذا الوعد ؟ فإن كان وعداً ملزماً يدفع بموجبه العميل مبلغاً مالياً أو نحوه - كما سبق تفصيله فإن ذلك محرم؛ لأنه داخل في بيع ما لا يملك، إلا أنه إذا تمّ البيع بهذه الصفة، ولم يخُلّ العميل بالتزامه، فإن العقد يكون صحيحاً، ويكون هذا الشرط -أعني به: الوعد الملزم أو الشرط الجزائي- باطلاً والعقد صحيح.
وأبو العباس ابن تيمية -رحمه الله- قد ذكر أن العلة في بيع ما لا يملك الإنسان هو لأجل عدم القدرة على التسليم، فإذا وجد التسليم بعدُ فالمرجو أن تكون المعاملة صحيحة مع الإثم، فالواجب حينئذ التوبة، والله أعلم.
ويظهر أيضاً من سؤال السائل أن البنك بعدما أبرم عقد البيع مع كاتب المعرض -وهو الوكيل لصاحب المعرض- لم يقبضها القبض الشرعي بإبرام عقد المبايعة مع العميل بعد المبايعة مع صاحب المعرض، ولم يتسلمها البنك من المعرض، وهذه العملية داخلة في مسألة بيع السلعة قبل قبضها، ونحن قد ذكرنا أن من شروط بيع المرابحة ألاَّ يبيع البنك السلعة للعميل طالب الشراء إلا بعد قبضها القبض الشرعي، ودخولها في ضمانه، وهذا هو مذهب ابن عباس -رضي الله عنه- وزيد بن ثابت، وأبي حنيفة، والشافعي، ورواية عن أحمد، وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية -رحمه الله-، وهو: أن النهي عن بيع الشيء قبل قبضه عام في كل السلع، والخلاف في هذه المسألة مشهور ومعروف، حيث إن السائل قد أبرم العقد مع الجهالة في الحكم، والسلعة بيعت وتُصُرَّف بها ولا يستطيع إرجاعها.
فالذي يظهر -والله أعلم- صحة ذلك مع التوبة وعدم الرجوع لمثل ذلك؛ لأن النهي ليس عائداً على ذات العقد، ولا على صفة لازمة بالعقد، وكل ما كان النهي كذلك فالنهي لا يقتضي الفساد -والله أعلم- كما هو مذهب الشافعية، والحنفية، والمالكية، والحنابلة.
ثم إن بيع الشخص (العميل) السيارة التي قبضها من المعرض على نفس صاحب المعرض لا بأس به؛ لأنها ليست من باب العينة على الصحيح -إن شاء الله-؛ لأن المعرض ليس هو البائع على العميل، وإنما هو بائع على البنك، مع أن الأحوط خروجاً من الشبهة ألاَّ يبيعها على صاحب المعرض لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" أخرجه الترمذي (2518)، والله أعلم.