بعد مالي...فرنسا تحارب مسلمي إفريقيا الوسطى
6 صفر 1435
د. عامر الهوشان

مخطئ من يظن أن تدخل فرنسا في إفريقيا الوسطى مؤخرا هو لإرساء الأمن بالبلاد كما صرح بذلك وزير الدفاع الفرنسي (جان ايف لودريان) , ففرنسا ومثيلاتها من الدول الاستعمارية لم تكتف باحتلال القارة الإفريقية فترة طويلة من الزمان , وممارسة كافة أشكال التمييز العنصري بحق أهلها , ونهب ثراوتها والحرص على إبقائها متخلفة , بل زادت على ذلك بنشر الفتن والخلافات بين سكانها , لتبقى الحرب الدائرة فيها بابا مفتوحا لتدخلها في أي وقت , حفاظا على مصالحها الاستراتيجية في بلاد تعتبرها إلى اليوم مستعمرات ومناطق نفوذ .
ولا يغرنك الاستقلال الصوري الذي نالته تلك الدول تباعا في القرن الماضي , فالموضوع لا يعدو تغيير شكلي للاحتلال والاستعمار فحسب , وما القواعد العسكرية الموجودة لفرنسا وبريطانيا وغيرها في القارة العجوز , إلا صورة رمزية لاحتلال واستعمار من نوع آخر .
وإذا كانت المصالح الاقتصادية هي المحرك الأول والرئيس لتدخل فرنسا وغيرها في شؤون دول إفريقيا , حيث شركات النفط والذهب والماس الأوربية , والثروات التي لا تعد ولا تحصى هناك , فإن هذا لا ينفي الدوافع الدينية المعادية للإسلام و المسلمين في أي تحرك أو تدخل من هذا النوع .
ولم يخرج التدخل الفرنسي في كل من مالي في بداية هذا العام وافريقيا الوسطى منذ أيام عن هذا الإطار , فقد صرح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في 14 يناير/كانون الثاني 2013 لتبرير الهجوم على مالي : لقد كانت المصالح الأساسية بالنسبة لنا ولأوروبا ولأفريقيا على المحك ، لذلك كان علينا التحرك بسرعة .
وكما هو الشأن في تدخل فرنسا المنفرد بمالي , بغطاء دولي أوربي وأمريكي وأممي , جاء التدخل في إفريقيا الوسطى مشابها , فبعيد تبني مجلس الأمن الدولي الخميس الماضي قرارا بالإجماع يمنح قوة إفريقية وأخرى فرنسية تفويضا بالتدخل تحت الفصل السابع , بدعوى حماية المدنيين والتصدي للجماعات المسلحة في أفريقيا الوسطى , جاء خطاب هولاند مباشرة : لقد قررت التصرف حالا لحماية المدنيين وإعادة الأمن إلى البلاد , وعلى الفور تم نشر الجنود الفرنسيين في طول البلاد وعرضها , وخاصة في العاصمة بانغي , ليصل العدد إلى 1600 جندي فرنسي مؤخرا .
وإذا بدأنا بالمصالح الفرنسية في افريقيا الوسطى والذي دفعها إلى التدخل عسكريا فيمكن إجمالها بما يلي :
1- حماية مصالح الشركات الفرنسية العاملة هناك , وخاصة مجموعة (أريفا) الفرنسية والتي تعمل في مجال الطاقة النووية , من خلال استخراج اليورانيوم في منطقة باكوما , خاصة إذا علمنا أن فرنسا تعتمد في تلبية نحو 75% من احتياجاتها من الكهرباء على الطاقة النووية هذه .
2- مواجهة النفوذ الاقتصادي الصيني وغيره المتصاعد هناك , حيث أشارت بعض التقارير إلى أن مجموعة شركات (أريفا) الفرنسية ظلت على مدى قرون أربعة ماضية تهيمن على حقوق استغلال اليورانيوم في النيجر , إلى أن قامت حكومة النيجر مؤخرا بمنح تراخيص للتنقيب لشركات هندية وصينية وأميركية وكندية وأسترالية .
3- الخوف من تداعيات الصراع على دول الجوار التي لفرنسا فيها مصالح استراتيجية أيضا وخاصة في تشاد والكامرون .
4- عين فرنسا على مناجم الألماس والثروات الطبيعية الهائلة في إفريقيا الوسطى , فهي تعد مركزا تجاريا عالميا للألماس , وتمثل صادرات الألماس نحو 60% من الدخل القومي لهذا البلد .
هذا عن البعد الاقتصادي والمصالح الاستراتيجية التي تعتبر المحرك الأقوى والأهم لفرنسا في افريقيا , أما عن البعد الديني فإنه وإن كان أشد وضوحا في مالي عنه في إفريقيا الوسطى , حيث وصل المجاهدون هناك إلى أبواب العاصمة باماكو , في سبيل إقامة دولة إسلامية في بلد أكثر من 90% من سكانه مسلمون من أهل السنة والجماعة , مما أثار فزع وخوف فرنسا الاستعمارية , إلا أن ذلك لا يعني إلغاء هذا البعد أو تجاهله , وإن كان عدد المسلمين بافريقيا الوسطى 20% تقريبا .
فقد وقعت أعمال عنف صريحة وواضحة ضد المسلمين في إفريقيا الوسطى من قبل جماعات مسيحية متطرفة , حيث ذكرت مواقع إخبارية إفريقية وبريطانية أن مجموعة من المسيحيين قتلوا 12 مسلما على الأقل ، بينهم امرأة حامل و 10 أطفال فى جمهورية أفريقيا الوسطى , كما قامت مليشيات الدفاع الذاتي المسيحية المعروفة باسم (مناهضو السواطير) والتي تضم أفرادا تابعين للرئيس المخلوع (فرانسو بوزيزيه) بأعمال عنف مروعة بحق المسلمين هناك , والتي راح ضحيتها حوالي 300 حسبما أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر يوم الجمعة الماضي .
ولا شك أن التدخل الفرنسي في إفريقيا الوسطى لن يكون لحماية المسلمين من هذه المليشيات المسيحية , بل لحماية المسيحيين من أعمال الدفاع عن النفس التي قد يقوم بها المسلمون ضد اعتداءات النصارى , وهي سياسية غربية لم تعد خافية على أحد , فحرام على المسلمين أن يدافعوا عن أنفسهم أو أن يدفعوا الموت عنهم وعن أهلهم وأولادهم , فإذا ما حدث ذلك في أي بلد في العالم , سارعت الجيوش الغربية بالتدخل تحت ذريعة الدفاع عن المدنيين وإرساء الأمن والسلام .
وقد ينخدع البعض بعدم ممانعة فرنسا من إزالة حكم الرئيس السابق (فرانسو بوزيزي) رغم كونه نصرانيا , على يد رجل مسلم هو - محمد ضحية - والذي غير اسمه (لميشيل دجوتوديا) , فيظن أن ذلك يبعد الجانب الديني تماما عن التدخل العسكري الفرنسي , ويصدق دعاوى إرساء الأمن ومنع الاقتتال الطائفي الذي تتبجح به فرنسا .
بينما الحقيقة لا تعدو أن (فرانسو بوزيزي) كان قد خرج عن السياسة المرسومة له , ومنح عقود تنقيب النفط لشركات صينية وجنوب إفريقية على حساب الشركات الفرنسية , الأمر الذي أغضب ساسة فرنسا وجعلهم ينزعون الغطاء عنه , وهو ذات الأمر الذي يفعلونه مع أي حاكم إفريقي يهدد مصالحهم .
إن عداء اليهود والغرب للإسلام لا يمكن أن يشكك فيه مسلم , ولا أدل على ذلك من سكوتهم على قتل المسلمين في كل مكان ليس لهم فيه مصلحة بإيقافه , فإذا ما ظهرت تلك المصلحة سارعوا للتدخل باسم إرساء الأمن والدفاع عن الأبرياء .
فهل بعد هذا عداء ونفاق ؟!