4 ربيع الأول 1435

السؤال

السلام عليكم..
مشكلتي هي أن أمي تعاملني معاملة أصغر من عمري علما أن عمري 20 سنة، هي فقط تأمرني أو تطلب مني أو تسألني ولا تستشيرني.. تقرأ لي أشياء بهاتفها مضحكة وأشياء بسيطة تعتمد علي بأشياء كثيرة ولكن لا تحترم عمري لا تسمعني حين أحكي لها موقفا حصل لي تقاطعني تستخف بحديثي بمقاطعتها لي قائلة (اتركيني من هذا الآن قومي جهزي لبس إخوانك.. إلخ)؛ تستشيرني ممكن لاختلاف أذواقنا دور كبير، لا تأخذ رأيي بموقف أو تتحدث لي عن أي شيء قد يجعلني أشعر أني فتاة كبيرة، ومن معاملتها أصبح أبي مثلها وأصبح أقاربنا كذلك لدرجة أني حينما أسلم في حفلة على الحضور البعض لا يقف يعتبرنني صغيرة.. ربما لطولي 153 تقريبا ووزني 48.. لا أعلم، لدي أخت واحدة أكبر مني تعاملها أمي معاملة تليق بعمرها الـ24 هي أطول مني بقليل ووزنها أصغر مني، هي الآن متزوجة ولكن منذ أن كانت بعمري يعاملونها باحترام ويعتبرونها كبيرة ممكن لأنها أكبر من في العائلة، ومن هذه المشكلة ضعفت شخصيتي ولكني أجعل ضعفي بالداخل ولا أظهره كي لا يزيد الأمر سوء، أحاول أن أحادث الكبير بأسلوبي الناضج ولكن كل شيء يبقى على ما هو! ماذا أفعل؟

أجاب عنها:
سميحة محمود

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم..
الابنة الحبيبة..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
نشكر لك ثقتك وحسن ظنك بموقعنا هذا والقائمين عليه، كما نثمن لك حرصك على زيادة علاقتك بأمك وحسن توددك لها وكسب رضاها زادك الله برا وإحسانا.
ابنتي الحبيبة.. أنتِ تشعرين أنك كبرتِ، وكل الشباب الذين هم في نفس عمرك لديهم نفس الإحساس، والآباء يشعرون أنكم مازلتم صغارا.. هذا شعور الآباء.. وستظل وجهات النظر بين الأجيال في تصادم طالما أن كل طرف لا يحاول أن يفهم مشاعر الآخر ولا أن يلبس عباءة الآخر.
صغيرتي.. لتعلمي أنك ستظلين في نظر أمك طفلة صغيرة حتى وإن بلغ عمرك ستين عاما!! هذه هي مشاعر الأمهات.. ويوما إن شاء الله ستصبحين أماً وتتذوقي طعم الأمومة ووقتها ستعلمين أن الأم تظل عبر الزمن تنظر لابنها كما تنظر لرضيعها بحنان وشفقة، وتظل تخاف عليه من نسمة الهواء، بل وتظن أن هذا الابن بحاجة لمشورتها ورأيها وإن تزوج واستقل وأصبح هو قائدا لأسرته.
هذا شعور فطري تقوم به الأم رغما عنها ودون إرادة منها، جُبلت عليه كل الأمهات فلا تتعجبي من أن أمك كما ذكرت (تعاملني معاملة أصغر من عمري) فأنت في نظرها مازلت بنت الأمس التي لا خبرة لها ولا معرفة لها بشؤون الحياة، فقط هي تطلب وأنت عليك التنفيذ وعدم إبداء الرأي (هي فقط تأمرني أو تطلب مني أو تسألني ولا تستشيرني) هذه نظرتها لكِ. وما فهمته من رسالتك أن أمك تعمل، ولهذا هي ليس لديها الوقت الكافي للنقاش والحوار وسماع وجهة نظرك في بعض الأمور، لهذا هي تلجأ لأقصر الأمور فتقرر لك أشياء بهاتفها (تقرر لي أشياء بهاتفها مضحكة وأشياء بسيطة) هذه الأشياء التي تعتبريها أنتي بسيطة ومضحكة، هي في نظرها أشياء مهمة وأنت لا تضعيها في بؤرة اهتمامك، وهذا دليل علي أن أمك ليس لديها القناعة بأنك أصبحتِ مدركة لترتيب الأولويات وتنظيم شؤون المنزل بالقدر الذي تأمله هي.
وهذه النقطة علاجها بسيط ولكن يحتاج منك إلي صبر ووقت. حاولي أن تثبتي لها أنك محل ثقة وأنك قادرة علي تسيير الأمور بدقة ومهارة، وأنك حسنة التصرف بل إنك أهل لتنفيذ المهام الصعبة، فاجئيها يوما بتنظيف وترتيب المنزل دون أن تطلب منك ذلك، أو طهي الطعام بطرق جديدة ومتنوعة، أو بتدبير ميزانية الأسرة بشكل متقن، أو بتعلم مهارة جديدة لم تكوني تعرفينها.
كما من الممكن أن تفتحي معها نقاشا في موضوع يجذبها وتدلي بدلوك في هذا الموضوع بصورة علمية ومرتبة ومنطقية وجذابة، أو تطرحي عليها مشكلة ما وتبيني وجهة نظرك فيها بصورة جيدة.
كل هذه التجارب ستجعل أمك تعلم جيدا أن طفلة الأمس قد صارت فتاة راشدة عاقلة يعتمد عليها في أمور كثيرة، وستُفتح شهيتها لاستشارتك في العديد من المواضيع.
ابنتي الكريمة.. لماذا لا تدخلين علي أمك في غرفتها وعلي وجهك ابتسامة عريضة مع الدعاء لها بالصحة والعافية وطول العمر– بالطبع بعد الاستئذان – شرط أن يكون لدي أمك الوقت الكافي، وتتحدثي معها بصورة مباشرة عما يجول بخاطرك من أنها (لا تسمعني حين أحكي لها موقف حصل لي) قولي لها يا أمي الحبيبة مع من أتحدث إن لم أتحدث معك؟ ومن يسمعني إن لم تسمعينني؟ قولي لها أيضا خذي رأيي ببعض المواقف حتي تعلمي إن كنت علي صواب أم خطأ، فهذه المواقف هي تجارب حياة، فكيف لي بتعلم تجارب الحياة إن لم تساعديني علي اكتساب هذه المهارات؟
حديثك مع أمك هذا يا حبة القلب يجب أن يكون برفق ولطف يليق بقدرها وعظيم حقها، ويسبقه تمهيد تعربين فيه لها أنك تحبينها أكثر من حبك لنفسك وتسعين لرضاها وتحتاجين اهتمامها وتقديرها، واحذري أن تصطدمي معها إن قابلتك بجفاء، عليك بالاستئذان فورا دون عتاب أو لوم وقولي لها معذرة يا أمي ظننت أن لديك الوقت الكافي لسماعي.
ابنتي الفاضلة.. ذكرت أن (لدي أخت واحدة أكبر مني تعاملها أمي معاملة تليق بعمرها الـ 24).. وهذا أمر طبيعي فكما ذكرت أختك متزوجة وأصبحت في مقام يسمح لها بممارسة كافة المهارات التي تتطلب من أي زوجة، فلهذا تعاملها أمك معاملة تليق بكونها أصبحت مسؤولة ومكلفة بإدارة أسرة، وليس الأمر علي الإطلاق مرتبط بكونها أطول منك قليلا، أو أقل وزنا؛ فهذه المقاييس ليس لها علاقة مطلقا بتفاوت التعامل، بل إن تفكيرك بهذا الشكل غير الموضوعي يعزز من شعورك بالسخط والضيق بأن هناك تفرقة في المعاملة، وهذا الأمر في الحقيقة لا وجود له أصلا.
ابنتي الجميلة.. أضحكتني أضحك الله سنك حين ذكرت (حينما أسلم في حفلة على الحضور البعض لا يقف يعتبرني صغيرة).. فلو كان تقدير المرء بالقيام له عند السلام عليه، لكان سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم الأحق بالقيام له تعظيما لشأنه، ولكنه عليه السلام نهي عن ذلك الفعل، فقال: (لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فكان الصحابة إذا رأوه لم يقوموا إليه؛ لما رأوا من كراهيته لذلك، ونحن معاشر المسلمين نتأسى برسولنا الحبيب.
ولهذا كوني علي ثقة من نفسك ومن قدراتك، وأثبتي للجميع أنك متميزة ومتفوقة في خلقك ورقي تصرفاتك وتعاملاتك، وقتها تُلزمين الجميع علي احترامك وتقديرك.
ابنتي الحبيبة.. سعدت برسالتك وأدعو الله أن يفتح قلبك لكلماتي وأن يسعدك في الدنيا والآخرة، ويؤلف بين قلبك وقلب أمك علي الخير، ويجعلك صالحة مصلحة بارة تقية نقية..
اللهم آمين.