تونس: انتهاء الدستور.. واستمرار الجدل
25 ربيع الأول 1435
عبد الباقي خليفة

 تم الانتهاء من المصادقة على الدستور التونسي الجديد فصلا فصلا بعد  20 يوما من انطلاق أول جلسة للمصادقة عليه يوم 3 يناير 2014 م. وقد عقدت جلسة عامة السبت 25 يناير للمصادقة على الدستور بصفة جملية ، فيما ستعقد جلسة ممتازة الاثنين المقبل لختم الدستور من طرف الرؤساء الثلاث بحضور ضيوف ديبلوماسيين من داخل تونس وخارجها وممثلي منظمات عالمية

 

وقال رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي عقب الانتهاء من المصادقة على الدستور فصلا فصلا: "هذا يوم آخر من أيام تونس التحية للمجلس التأسيسي رئيساً وأعضاء، التحية للشهداء والجرحى ومساجين الرأي والمهجرين وكل من رمى حجرا على الدكتاتورية، التحية لرباعي المجتمع المدني الذي جمع الفرقاء السياسيين وأدار بينهم حوارا عصيبا طيلة أربعة اشهر أفضت بفضل الله إلى إخراج البلاد من أزمتها ووضعتها على طريق الديمقراطية الحق. التحية لرئيس دولتنا الذي ظل باستمرار يدفع ويشجع المسار، التحية للرئيس العريض وحكومته التي ضربت المثل الأعلى في الوطنية وإنكار الذات إذ وعدوا بوضع انفسهم على ذمة الحوار الوطني وأوفوا بالعهد، فكانت الاستقالة والتوصل إلى رئيس وفاقي- أولى اندفاعات وصدق المسار نحو النجاح والقطع مع التشكيك في مدى جدية النهضة في مغادرة السلطة وهي المتمتعة بالكتلة البرلمانية الأكبر والأكثر تماسكا وبشارع هو الأكبر. التحية لشعب تونس الأبي والذكي الذي أفشل كل محاولات الانقلاب على المسار الديمقراطي، اليوم بعد هذا الإنجاز التاريخي المشهود بالموافقة على أعظم دستور عرفه تاريخ البلاد بل هو من أعظم دساتير العالم، دستور الثورة، دستور الوفاق، دستور لا غالب ولا مغلوب بل الكل منتصر، الكل عدى قلة لن تلبث ان تكتشف نفسها في هذا الوثيقة العظيمة التي أسست للحرية مطلب الإسلام الأسنى ومشبعة به نصا ومعنى لمن كان له حظ في فقه المقاصد خصوصيتنا في المغرب العربي. اليوم وقد سجدنا شكرًا لله ان بلغنا هذه المحطة المتقدمة في مسارنا الانتقالي لم يبق إلا الختم الرسمي لهذه الوثيقة التاريخية وتحديد موعد الانتخابات وتوديع سي علي العريض وحكومته وشكرهم على هذا الإنجاز واستقبال الفارس البديل والمضي معه لاستكمال المسار وإنقاذ البلاد وتفعيل مشاريع التنمية المنطلقة وبذل الجهد في الإصلاح . هذا زمن جديد لا يقوم على أساس البناء السابق للنظام: سلطة ومعارضة، كلنا اليوم سلطة أي في الدفاع عنها حتى تنقذ البلاد التي أرهقها حتى كاد يجهز عليها منطق سلطة ومعارضة، لنفخر بأهمية ما أنجزنا وننطلق صوب ترجمته في انتخابات جادة تنهي المؤقت وتتوج تونس أول ديمقراطية عربيّة. انتخابات واحدة لا تكفي لتأكيد تلك الشهادة: زهرة واحدة لا تصنع الربيع. " وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين"

 

 قراءة جديدة : التنازلات المؤلمة التي قدمتها النهضة جعلت الكثيرين يتساءلون ، هل أن النهضة تشهد تغيرا في العديد من مواقفها "إذ بدت في الفترة الأخيرة أكثر مرونة وقبلت بالتوافق في إطار الحوار الوطني كما قدم رئيسها الاستاذ راشد الغنوشي وجها جديدا لها من خلال تصريحاته الأخيرة".. و"هل هي مراجعات أم تكتيكات تحت الضغط" وفي إجابة عن هذا السؤال اعتبر عضو مجاس شورى حركة النهضة وليد البناني في لقاء مع " المسلم" أن "هذا التغير سبب قراءة جديد للواقع التونسي ولما يتهدد البلاد من مخاطر حيث وضعت الحركة مصلحة البلاد فوق كل اعتبار وهدفها استكمال المسار الانتقالي ولو لم تعدل الحركة مواقفها لدخلت البلاد في متاهات أخرى وسيبين التاريخ مدى رجاحة موقفنا لأن ما يهمنا في الأخير نجاح التجربة وحفظ البلاد من كل المخاطر".

 

ويرى البعض أن "اعلان تشكيل الحكومة الجديدة سيغير بصفة هامة طبيعة التموقعات السياسية وقد يهدئ من حدة التجاذبات السياسية والواضح أن هذا هو رهان الحكومة الجديدة إذ دون خفض كبير لدرجة الاحتقان لا يمكن لها الشروع في برنامجها الإنقاذي"
القراءات الجديدة لم تكن من قبل حزب حركة النهضة فحسب، بل من قبل القوى المناؤئة لها أيضا، فقد خفت إلى حد الغياب الحملات المحمومة التي كانت تلهث وراء الإحتجاجات المصطنعة منها والعفوية والتي سرعان ما تركب عليها الثورة المضادة، وذراعها الاعلامي الموروث عن النظام المنهار، فكثير من الاحداث التي قام بها عمال أوغيرهم لم يتم تصويرها فضلا عن تضخيمها كما كان يفعل الاعلام مند وقت قصير. بل هناك اتهامات لحركة النهضة تحدثت عنها بعض الأطراف بأنها نجحت "بداية تحويل وجهة الاعلام المشاكس" حيث تحدثت عن اتهامات موجهة للعاملين الجدد في قناة التونسية بالدخول في مشروع كامل {أعدته النهضة} لاختراق وسائل الاعلام الناجحة لعلها تتمكن بالتالي من مزيد تحسين تموقعها السياسي ثم ضمان حسن صيرورة الانتخابات في المستوى الاعلامي وهو ما جاء في الوثيقة السياسية الانتخابية للحركة التي تعمل على تطويع الاعلام لفائدتها حيث أفاد هذا الفصل "العمل على التأثير في وسائل الاعلام وتوجيهها وجهة انتخابية"، مضيفة أن اعلام الحزب الاسلامي البديل لن يفي بالمهمة والتطلع الى اختراق المؤسسات ذات الصيت الواسع والتي اكتسبت مصداقية معقولة بسبب نقدها اللاذع للحكومة ولحركة النهضة، هو الطريق الأمثل للتحكم بالرأي العام، وبالطبع من حق الشيخ راشد الغنوشي تحسين سياسته الاعلامية والعمل على تفادي الهنات السابقة فالسياسي الناجح هو من يحسن لعبة الاتصال والاعلام". وهي وثيقة أكدت النهضة على لسان رئيسها الشيخ راشد الغنوشي أنها غير صادرة عن مؤسسات الحركة.

 

اتهامات من الجميع: لئن اتهمت بعض التيارات الاسلامية حركة النهضة باللين زيادة على اللزوم في موضوع الدستور، والتنازل للاطراف الأخرى المتحالفة ضدها والتي تستمد قوتها من الخارج ، فإن هذه الأطراف مثلت دور الحليف الاستراتيجي لتلك الأطراف التي تقول إن النهضة تنازلت لها. وذلك بطرقة غير مباشرة فقد كانت معارضتها للترويكة لا تقل ضراوة عن معارضة الأطراف العلمانية، بل إن بعضها حمل السلاح ضد الدولة . وفي الطرف الآخر دعا أحد أكبر المعادين للأسلمة في تونس المنجي الرحوي إلى تصنيف النهضة حركة إرهابية إذا تراجعت عن قبولها بالتنصيص على تحجير التكفير، وما دفع كثيرين للقول "ما نريد أن نقوله هو تبيان درجة الخلل في التصور الذي لا يزال يصدر عن البعض في تعاطيه مع العملية التأسيسية وأخذها على اعتبارها مجرد منازلة حزبية لفرض أشياء وحذف أشياء بعيدا عن منطق التوافق والتنازل الذي لولاه لما أمكن لبلادنا أن تتجاوز الأزمة السياسية فقد ابانت الخطابات المتشنجة التي طبعت المجلس التأسيسي عن قصور فادح في فهم بعض الأطراف لطبيعة الدستور فراح البعض يخبط خبطا عشواء ناسيا نظرية الحد المطلوب والمقبول التي يجب أن يتأسس عليها كل توافق وليس نزعات العناد الايديولوجي والمزايدة والحسابات السياسية الضيقة".

 

فيما اعتبرت جهات نافذة "النهضة صمام أمان وسط شعبها التونسي الأصيل والمتفتح ضد كل انحراف عن الانتقال السلمي والتراجع عن أهداف الثورة وهي ضمانة أساسية للإستقرارا وقوة رئيسية في عملية الانتقال الديمقراطي يصعب شطبها كما يصعب مواصلة الطريق بدونها"

 

الحكومة الجديدة والانتخابات: من المسائل التي لا تزال قائمة بعد المصادقة على الدستور فصلا فصلا، طبيعة الحكومة الجديدة والانتخابات القادمة. وقد قام نواب من حركة النهضة والكتلة الديمقراطية وعدد آخر من نواب المجلس التأسيسي بجمع التوقيعات لمبادرة تشريعية تدعو الى تنظيم جلسة عامة لتنقيح القانون المنظم للسلط العمومية بخصوص مسألة سحب الثقة بالثلثين من الحكومة قبل المرور الى التصويت على الدستور برمته خوفا من تراجع البعض عن تعهداتهم
وقال القيادي في حركة النهضة نور الدين العرباوي" حركة النهضة تفضل إجراء الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة القادمة بصفة متزامنة، وهي مستعدة لتطوير موقفها وفقا لمسار التوافقات في الحوار الوطني".

 

أما رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد شفيق صرصارفقد أكد على أنه" لا يمكن تحديد موعد الانتخابات القادمة إلاّ بعد تحديد الخيارات المتعلقة بإجراء الانتخابات في باب الأحكام الانتقالية في مشروع الدستور من جهة والتوافق حول مضمون القانون الانتخابي من جهة أخرى".

 

وذكر بأن" تحديد موعد الانتخابات ستحدده الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات وفق الفترة الزمنية التي تراها كفيلة بأن تجري انتخابات حرة شفافة ونزيهة". فيما يرى القيادي في حزب حركة النهضة نور الدين البحيري" تحديد الانتخابات يعد من مشمولات هيئة الإنتخابات والمجلس التأسيسي وأنه سيقع فقط الاستئناس برأي الحوار الوطني". وأشار إلى أن الحكومة المستقيلة "نجحت في وأد كل محاولات نشر الفتنة وتخريب الثورة وتعطيل قطاع الديمقراطية وبأخ ما بمكن من الأضرار". وأنها تسلم المشعل "لحكومة كفاءات، لن نساوم على استقلالية أعضائها وإيمانهم الراسخ بالثورة وبالحقوق والحريات". وأكد على أن"هناك عصابات تمولها بعض الأحزاب ورجال أعمال وقضاة فاسدون وأمنيون أحيلوا على التقاعد، تلتقي تحت جنح الظلام لفبركة أحداث ووقائع غايتها تشويه المناضلين وأعضاء الحكومة باطلا" . كما أن" عدم احترام بعض القضاة لواجب التحفظ وانخراطهم في معارك سياسية يمس من مبدأ الحياد ويجعلهم في موضع شبهة". كما أكد على أن النهضة "لن تقبل بأي وزير له موقف عدائي ضد النهضة أو الترويكا".