رحيل سفير الخير - جمال الحداد الرجل الذي تعب لراحة غيره
27 ربيع الأول 1435
م. طارق العيسى

الحمد لله الذي أكمل الدين، وأتم علينا النعمة، وجعل أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس، وبعث فينا رسولا منّا، والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

بالأمس القريب رحل سفير الخير الأخ الداعية جمال يوسف الحداد، على إثر سكتة قلبية في أديس أبابا (أرض الهجرة الأولى)، بعد جولة في أوغادين لتفقد مشروع بناء مدرسة ومزرعة وقفية على المدرسة.

اللهم اغفر لأبي عبدالرحمن وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا ربّ العالمين، وأفسح له في قبره، ونور له فيه، واجعله روضة من رياض الجنّة.

لقد عرفنا أبا عبدالرحمن منذ أكثر من ثلاث عقود في مجال العمل الخيري، ذو همّة عالية ، ونظرة ثاقبة .

 

     وكانت أولى الميادين في مسيرته الذهاب إلى بيشاور لخدمة اللاجئين الأفغان الذين بلغ عددهم آنذاك حوالي ثلاثة ملايين لاجئ يعيشون في مخيمات بائسة، وقد مكث حوالي عامين مديراً للمكتب، متحملاً ألم الغربة والمخاطر المحدقة بالعاملين في حقل الإغاثة آنذاك.

     ثم انتقل للعمل بلجنة جنوب شرق آسيا التابعة لجمعية إحياء التراث الإسلامي رئيساً لها، فضلا عن عمله في بيت الزكاة الكويتي، وقد أبدع رحمه الله في عمله، وكان متفانياً، متابعاً للمشاريع التي ملأت -بفضل الله تعالى ثم بجود أهل الخير في الكويت- معظم دول جنوب شرق آسيا: (الصين، إندونيسيا ، الفلبين ، تايلاند، كمبوديا، فيتنام).

 

     لقد منّ الله عليه بأسلوب بديع في التعامل مع المحسنين؛ مما أكسبه ثقتهم، وذلك بما يمتاز به من المتابعة، وتحمل مشاق السفر ، وألم الاغتراب، ومفارقة الأهل، ومعلوم أن السفر قطعة من العذاب، مصداقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : «السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه، وطعامه، وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل إلى أهله» رواه البخاري.

 

     لقد كان رحمه الله واثقاً بقدرته، مستعيناً بالله تعالى، ثم بإخوانه في لجنة جنوب شرق آسيا في تحقيق أهداف كبيرة، من أهمها: الاهتمام بتعليم أبناء المسلمين، فنتج عن ذلك إنجاز عشرات المراكز التعليمية للأيتام، والمعاهد الشرعية ، والكليات الجامعية، فضلاً عن مئات المساجد.

 

وما وهنت همّته، ولا استكانت عزيمته في رفع مستوى طلابه الذين درسهم، حتى بادر بتوفير المنح الدراسية من الجامعات السعودية، ولاسيما جامعة المدينة المنورة .

كان رحمه الله يسافر إلى المدينة المنورة ويتفقدهم، ويسهل أمورهم، ويرعى مصالحهم.

 

     وتجدر بنا الإشارة إلى أهم معالم مسيرته الخيرية، فقد وفقه الله تعالى بالتعاون مع الأخ الشيخ د. محمد التميمي في دعم مسيرة جامعة المدينة العالمية، وهي الآن صرح علمي يدرس فيه آلاف الطلاب، ومقرها ماليزيا، ومن أبرز ما أنجزه -رحمه الله- أكبر دار للأيتام في دولة كمبوديا.

 

     ثم انتقل -رحمه الله تعالى- لإدارة مبرتين خيريتين لأسر كويتية كريمة، وثقت به، الأمر الذي ساعده أن يوسع عمله في أنحاء العالم، وأبدع في انتقاء مشاريع ذات أهمية، ولاسيما المتعلقة بالتعليم والدعوة، من معاهد، ومدارس، وكليات علمية في شتى البقاع.

نحسبه والله حسيبه قد خدم الدعوة والعلم الشرعي، ونشر الإسلام بتأسيس هذه المشاريع الخيرية ، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تلك عاجل بشرى المؤمن»، والبشرى المعجلة هي دليل إن شاء الله للبشرى المؤجلة إلى الآخرة.

 وقد سمعنا ورأينا الثناء عليه بالخير والذكر الصالح، وكان رحمه الله لا يأبه بحطام الدنيا، بل يرى السعادة في العمل الصالح.

ونحن نشهد له، ولا نزكي على الله أحداً بالخير والصلاح.

والله تعالى نسأل أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يكتب له الشهادة، ويعظم الأجر لأهله، وأولاده، ويلهمهم الصبر.

 

المصدر/ مجلة الفرقان